“فورين بوليسي” تقدم سيناريو الحرب السعودية الإيرانية الأولى بعد انسحاب ترامب من الإتفاق النووي
بدون وكلاء أو وسائط، حرب بين إيران والسعودية هي السيناريو الذي تخيلته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكيةة لو عمدت طهران إلى استفزازات تشجع الرياض على الرد، بعدما أعلن دونالد ترمب انسحابه من الاتفاقية النووية.
حالة من الشحن كانت تتصاعد في الأشهر الماضية بعد تصريحات ترمب الكثيرة عن سلبيات الاتفاقية، كللها رئيس الوزراء الإسرائيلي بكلمة متلفزة اتهم إيران باستكمال نشاطها بالوثائق والصور.
ومنذ عام 2011، تخوض قوات وكلاء إيران والسعودية تنافساً وحشياً مستمراً، أولاً في سوريا، ثُمَّ في اليمن. ويبدو أنَّ كلا الجانبين خلُصا إلى أنَّ حرباً مباشرةً بينهما لن تكون في مصلحتهما، ولم يهاجم أيّهما الآخر مباشرةً قط. لكن إعلان ترمب اليوم يخلط الأوراق من جديد.
الخبير العسكري والبروفيسور في الكلية البحرية العليا الأميركية أفشون أوستوفار قال في مقال مطول على المجلة إن نتيجة أول حرب سعودية-إيرانية مباشرة ستعتمد في النهاية على الشكل الذي ستتخذه تلك الحرب.
فمن وجهة نظره يختلف البلدان بصورةٍ ملحوظة في الحجم والقدرات والخبرات.
455 ألف عنصر عسكري إيراني
إيران لديها جيشٌ قوي يتضمن قوتين رئيسيتين: الحرس الثوري، والجيش النظامي المعروف باسم “الأرتيش”. تتألف القوتان من أفرع متكاملة من القوات الجوية والبحرية والبرية.
لدى قوات الأرتيش ما يُقدَّر بـ350 ألف جندي نشط في الخدمة، وتتحكم في معظم قدرات إيران التقليدية الأكثر تطوراً، خصوصاً في الميدانين الجوي والبحري.
والحرس الثوري خبير في حروب المليشيات
وبالمقارنة، يركز الحرس الثوري الذي يمتلك قوةً تُقدَّر بـ125 ألف عسكري على الحرب غير المتكافئة أو حرب المليشيات، لكنَّه يشرف كذلك على برنامجي أسطول الطائرات الإيرانية دون طيار والصواريخ الباليستية الإستراتيجية. وبالإضافة إلى ذلك، يسيطر الحرس الثوري عبر وحدة قواته الخاصة المعروفة بـ”فيلق القدس” على العمليات والعلاقات العسكرية الخارجية مع حلفاء إيران التابعين، مثلما هو الحال في سوريا والعراق.
لكن الإنفاق متواضع بسبب العقوبات والمعدات قديمة
منذ الثمانينيات، أدَّت العقوبات المُتقطِّعة والضغط السياسي من الولايات المتحدة إلى تدهورٍ شديد في قدرة إيران على الحصول على التكنولوجيا العسكرية والأسلحة من البلدان الأخرى، وهو ما جعل بعض قدراتها العسكرية ضعيفةً وقديمة نسبياً.
ويُعَد إنفاق إيران الدفاعي (نحو 12.3 مليار دولار عام 2016) متواضعاً بالمقارنة مع السعودية، التي تمتلك واحدةً من أكبر الميزانيات الدفاعية في العالم ( 63.7 مليار دولار عام 2016 و69.4 مليار دولار عام 2017).
وتكنولوجيا إيران الدفاعية في العموم تقع دون مستوى الدول الإقليمية الأخرى بكثير. ويستخدم سلاح الجو الإيراني طائراتٍ قديمة، مثل نسخٍ مختلفة من طائرات F-5 وF-14 Tomcat، التي حُدِّثت محلياً من الطائرات الموروثة عن الدولة البهلوية التي كانت قائمةً قبل الثورة، لكنَّها تعاني من الأعطال على فتراتٍ متقطعة.
وبالمثل، تُعَد المدرعات الإيرانية في الغالب خليطاً من مخزونٍ أميركي يعود لما قبل عام 1979 (مثل دبابة M60A1) ودباباتٍ سوفيتية أقدم (مثل دبابة T-72S) حصلت عليها من روسيا في التسعينيات.
لذا تستند قوة إيران إلى الصواريخ البالستية
ولأنَّ إيران غير قادرة على تحديث قدراتها العسكرية، استثمرت بدلاً من ذلك في مجالاتٍ أخرى، خصوصاً الصواريخ الباليستية، لتوفير ميزةٍ تنافسية مع جيرانها. ويمكن لصواريخ أرض-أرض المختلفة لديها، مثل صواريخ ذو الفقار (يبلغ مداها 700 كم تقريباً) وصواريخ شهاب-3 (يبلغ مداها 1600 كم تقريباً) أن تستهدف البنية التحتية والمراكز السكانية عميقاً داخل الأراضي السعودية.
هذه النطاقات والمخزون الكبير، جعل صواريخ إيران الباليستية هي الرادع الاستراتيجي الأساسي لديها. واستعرضت قدراتها في يونيو/حزيران 2017 حين أطلقت 6 من صواريخ ذو الفقار على أراضي خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” قرب مدينة دير الزور السورية، التي تبعد نحو 435 ميل (700 كم تقريباً) عن نقاط الإطلاق غرب إيران.
وبعيداً عن هذا الرادع التقليدي القوي، ركَّزت استثمارات الحرس الثوري على تطوير منصاتٍ أقل تكلفة يمكنها تحدي الخصوم عبر تكتيكات الحرب غير المتكافئة. وبهذا الصدد، يحتل مكان الصدارة الأسطول البحري الكبير التابع للحرس الثوري من الزوارق الهجومية السريعة.
يضم الأسطول أنواعاً مختلفة من الزوارق الصغيرة السريعة التي يمكن تسليحها بصواريخ عيار 107 مم، وأسلحة آلية ثقيلة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، أو تحميلها بالمتفجرات واستخدامها في هجماتٍ انتحارية.
وتُعَد هذه الزوارق، إلى جانب المخزون الكبير من الألغام البحرية، الأداة الهجومية الأساسية للحرس الثوري ضد الخصوم في المجال البحري.
250 ألف عسكري سعودي مدججين بأسلحة وتكنولوجيات جديدة
أما الجيش السعودي فيُعدّ أصغر، لكنَّه أفضل تسليحاً. وتقع قوات الجيش السعودي الأساسية البرية والجوية والبحرية وقوات الصواريخ تحت قيادة وزارة الدفاع.
ويُقدَّر أنَّ الجيش السعودي، إلى جانب القوات الإضافية من الحرس الوطني والحرس الملكي وقوات حرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية، يتكون من 250 ألف عسكري نشط في الخدمة.
وتكمن نقاط القوة الرئيسية في القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي.
إذ تمتلك القوات الجوية الملكية السعودية عدة أسراب من مقاتلات F-15C/D Eagle ومقاتلات F-15 Strike Eagle، إلى جانب ثلاثة أسراب من طائرات Tornado متعددة المهام، و72 طائرة هجومية من طراز Eurofighter Typhoon. وتمتلك قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي قدراتٍ مماثلة مثيرة للإعجاب، تُركِّز أساساً على بطاريات صواريخ باتريوت التي زودتها بها الولايات المتحدة، والمُتركِّزة حول البنية التحتية الحيوية والمراكز السكانية.
وتمتلك السعودية أيضاً مخزوناً صغيراً من الصواريخ الباليستية، لكنَّه متنامٍ على الأرجح. ويُعتَقَد أنَّ قوة الصواريخ الإستراتيجية الملكية السعودية تمتلك عشرات الصواريخ الصينية القديمة التي تعمل بالوقود السائل من طراز DF-3 متوسط المدى (يبلغ مداها بين 4 آلاف كم إلى 4989 كم تقريباً). وربما تمتلك أيضاً بعضاً من صواريخ DF-21 متوسطة المدى ( 1690 كم تقريباً).
الذخيرة ليست كافية.. فالعبرة في الخبرة أيضاً
وبالطبع تُعَد القدرات أمراً، والفعالية في ميدان المعركة أمراً آخر. فالخبرة أمرٌ مهم، برأي أفشون، ويمكن أن تساعد الجيش على تحديد نقاط ضعفه وتطوير نقاط قوته. واعتبر أن كلا البلدين حصلا على خبرةٍ مؤخراً في القتال، وإن كانت بطرقٍ ودرجاتٍ مختلفة.
تطوَّر الجزء الأكبر من الخبرة العسكرية لإيران أثناء الحرب الإيرانية-العراقية، التي استمرت قرابة 8 سنوات. حاربت إيران خصماً أكثر تفوقاً من الناحية التكنولوجية وبدعمٍ دولي أكبر بكثير.
وإن كانت الحرب الإيرانية-العراقية علَّمت القوات المسلحة الإيرانية كيف تحصل على مكاسب محدودة عبر التكتيكات، فإنَّ تجربة الحرس الثوري والحلفاء التابعين (مثل حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية المختلفة) ما بعد عام 2011 في الصراعات السورية والعراقية واليمنية ساعدتها على التطور أكثر من حيث القيادة والسيطرة، والعمليات المتكاملة، والهجمات البرية.
والدعم الروسي حقق مكاسب كبيرة لإيران على الأرض
ورغم أنَّه لا يمكن فصل إيران ووكلائها عن النجاحات الأرضية في سوريا والعراق، فإنَّ القوى الجوية الأجنبية (من الولايات المتحدة في العراق، وروسيا في سوريا) هي التي مهَّدت الطريق أمام تلك التقدُّمات. ودون دعم هذه القوة، لكان من المشكوك فيه أن تتمكن القوات التي تقودها إيران من تحقيق أي مكاسب حقيقية ضد المعارضة السورية أو داعش.
وعلاوةً على ذلك، اعتمدت تلك القوات على القصف المدفعي، الذي أدَّى بالأساس إلى تسوية المراكز السكانية الخاضعة لسيطرة الخصوم بالأرض قبل أن تجري استعادتها.
والسعودية تحظى بدعم أميركا ودول عربية
أما السعوديون فيمتلكون خبرةً قتالية أقل نسبياً. ففي عام 1991، عانت القوات السعودية والكويتية من أجل هزيمة رتل الدبابات العراقية الذي احتل مدينة الخفجي السعودية. وانتصرت تلك القوات في نهاية المطاف بدعمٍ أميركي، لكنَّ المعركة كشفت قلة خبرة الجيش السعودي.
وفي حلقةٍ سابقة من الصراع الحالي في اليمن، تدخَّلت القوات السعودية عبر الحدود الجنوبية في عام 2009 دعماً لحرب الحكومة اليمنية ضد الحوثيين. واستمرت الحملة السعودية التي ضمَّت قواتٍ أردنية وربما مغربية بضعة أشهر فقط، وركَّزت على قصف مواقع الحوثيين قرب الحدود.
ورغم استعادة بعض المواقع الإستراتيجية المرتفعة بجوار الحدود، لم يكن للحملة الجوية سوى تأثيرٌ محدود على الحرب البرية الكلية. ومن الواضح أنَّ سجل الإنجازات المحدود هذا لم يُجهِّز السعوديين للحرب الحالية المتواصلة في اليمن. لكن كلما استمرت الحرب الحالية، حصل الجيش السعودي على خبرةٍ أكبر، على حد تعبير الخبير العسكري.
ويستكمل تحليله على الصحيفة قائلاً: “رغم الفظاظة التي قد يبدو عليها التفكير في الصراع اليمني الدائر باعتباره تدريباً عسكرياً للسعوديين بالنظر إلى حصيلة الضحايا الوحشية بين المدنيين، فإنَّ هذه بالضبط هي حقيقة الأمر. وبدون استبعاد مخاوف الأمن القومي السعودي الشرعية حيال اليمن، أو التقليل من المعاناة الشديدة التي سبَّبتها الحرب، فإنَّ الصراع وفَّر فرصةً للسعوديين (والإماراتيين) لاختبار قدراتهم الجوية والبرية في القتال، وتنفيذ عملياتٍ مشتركة متكاملة”.
مع ذلك، لم تحقق الحملة سوى نجاحاً محدوداً. فبالرغم من أنَّ التحالف الذي تقوده السعودية كان فعالاً في البداية في دفعه القوات الموالية للحوثيين للخروج من مواقعها في الجنوب، عانى التحالف لإحراز تقدُّمٍ في الشمال.
وينطبق هذا الأمر خصوصاً على العاصمة صنعاء، حيثُ لم تؤدِ حملة القصف السعودي المكثَّف إلى مكاسب مماثلة على الأرض. وطُرِحَت أيضاً تساؤلاتٌ جدية حول القدرة السعودية على الاستهداف، وقدراتها في مجال الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، لاسيما في مواجهة حصيلة الضحايا المدنيين المؤلمة التي خلَّفتها حملة القصف في صنعاء.
“لا أفضلية واضحة لدولة على أخرى”
ويخلص الخبير أنه بالنظر إلى قدرات كلٍ منهما وخبراتهما الأخيرة في القتال، تمتلك كلا الدولتين نقاط قوة ونقاط ضعف، لكن لا تمتلك أيٌ منهما أفضليةً واضحة على الأخرى. إذ ستُمكِّن القوة الجوية السعودية إيَّاها من الحفاظ على الهيمنة على الأجواء في أي صراعٍ مع إيران.
وعلى الأرجح يمكنها ضرب البنية التحتية الحيوية والقواعد العسكرية الإيرانية المتاخمة للساحل باستخدام صواريخ جو-أرض، هذا إن لم تخترق الأراضي الإيرانية على نحوٍ أكثر عمقاً. من جانبها، ستكون إيران على الأرجح قادرةً على تحقيق الأفضلية في الميدان البحري، خصوصاً في مياه الخليج، حيثُ قد تُستخدَم زوارقها الهجومية السريعة، وغواصات الديزل، وسفن زرع الألغام لاستهداف الملاحة السعودية وسفنها البحرية وموانيها.
وقد تضرب إيران أيضاً البنية التحتية والمراكز السكانية السعودية بالصواريخ الباليستية. ومع أنَّ منظومات الدفاع الجوي السعودي من صواريخ باتريوت على الأرجح ستُقلِّص فعالية مثل هذه الضربات، يُستبعَد أن تتمكَّن تلك الدفاعات من منع كل الضربات من الوصول، خصوصاً إن أطلقت إيران عدداً من الصواريخ دفعةً واحدة.
والضربات ستكون من باب إلحاق الضرر ووضع الحد
إن وقع صراعٌ سعودي-إيراني دون تدخُّلٍ من أطرافٍ أخرى، لن تكون الحرب مُتعلّقةً بالسيطرة على الأرض أو تغيير النظام. فأي الجانبين لا يمكنه نقل المعركة عبر الخليج، ناهيك عن الاستيلاء على مناطق استراتيجية في أراضي الخصم والاحتفاظ بها. بل سيكون الصراع مُتعلِّقاً بإلحاق الضرر بالآخر لمعاقبته وإجباره على وقف السلوك العدائي.
وفي حين قد يكون السعوديون -بقوتهم الجوية المتفوقة، والقدرة على الحصول على التكنولوجيا العسكرية الأجنبية، والثروة الأكبر بكثير- في وضعٍ أفضل ربما لتحمُّل مثل هذا الصراع، إن لم يكن فرض تكاليف أكبر على الإيرانيين، فإنَّ الجمهورية الإسلامية لديها القليل لتخسره، وأظهرت قدرةً على تحمُّل سنواتٍ من الحرب ضد قوى أكبر منها.
مع ذلك، من المستبعد أن يضم صراعٌ كهذا هذين الطرفين فقط وألا ينمو ليضم دولاً أخرى. وتفتقر إيران إلى الحلفاء من الدول (باستثناء سوريا بطبيعة الحال، التي هي بالكاد دولةٌ الآن)، لكن لديها تحالفٌ قوي عابر للحدود مع تابعين من غير الدول في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ومن شبه المؤكَّد أنَّ مجموعاتٍ مثل حزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق في العراق ستدعم إيران في صراعٍ كهذا، بما في ذلك عبر استهداف المواطنين السعوديين في بلدانها، لكن لا يمكن لتلك المجموعات استهداف الأراضي السعودية عسكرياً بأي درجةٍ من الفعالية.
وأي مجازفة إيرانية كبيرة ستجرّ أميركا مباشرة للصراع
لكنَّ السعودية لديها تحالفٌ قوي مع بلدانٍ عربية (خصوصاً الإمارات والأردن) ومع الولايات المتحدة. وإن حدث صراعٌ كهذا، من الصعب تصوُّر ألا تنخرط الولايات المتحدة بطريقةٍ أو بأخرى دعماً للسعوديين.
ومع أنَّ إيران يمكنها بالتأكيد رفع تكاليف الانخراط الأميركي عبر استهداف سفن البحرية الأميركية في الخليج مباشرةً، أو باستهداف وكلائها للقوات والمواطنين الأميركيين في البلدان الأخرى، فإنَّ إيران ستضطر لموازنة مثل هذه الأعمال مع المجازفة بجذب الولايات المتحدة للدخول في حربٍ أوسع.
وعندها تحسم القوة الأميركية كفة الصراع
إذاً، سيكون الانخراط الأميركي المحتمل هو العامل الحاسم في أي صراعٍ محتمل بين إيران والسعودية. وحتى إن كان البلدان متكافئين تماماً، فإنَّ القوة العسكرية التي قد تستخدمها الولايات المتحدة ستُرجِّح كفة الصراع بشدة لصالح السعودية. بعبارةٍ أخرى، ستكون مجازفةً كبيرة لإيران أن تخاطر بتصعيدٍ مع السعودية. فعلى الأرجح لن يضم صراعٌ كهذا السعودية وحدها، وإيران لا تمتلك القدرات للصمود أمام جهود تحالفٍ عسكري ضدها.