فورين بوليسي: بشار الأسد يتعمد تجويع آلاف النازحين في مخيم الركبان
كشف مسؤول أمريكي أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يتعمد تجويع آلاف النازحين الذي لجأوا إلى مخيم الركبان في الجزء الجنوبي من البلاد؛ ويهدف النظام من حملة التجويع هذه إجبارهم على الفرار دون ضمان لسلامتهم، وفقاً لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
وبحسب المؤسسة البحثية منظمة إيتانا سوريا التابعة لمبادرة الإصلاح العربي بقيادة رئيسة المجلس الوطني السوري سابقاً بسمة قضماني، أنه اعتباراً من 23 يوليوز2019، لم يعد من داخل مخيم الركبان سوى 11000 نازحٍ داخلي، ويقع المخيم في المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن ولا يخضع لسيادة أي دولة منها.
وقد جمعت منظمة إيتانا معلومات من العديد من المصادر المدنية والعسكرية على الأرض داخل المخيم وبالقرب منه.
الموت جوعاً أو بيد النظام
وفي مذكرة أرسلتها منظمة إيتانا إلى مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في 23 من يوليو، قال مصدر داخل المخيم أن «معظم من لا يزالون داخل المخيم مطلوبون للنظام، ووضعهم الأمني صعب، ولكن بسبب الجوع وظروف الحياة البائسة، لم يعد أمام الناس سوى خيارين أن يقتلهم الجوع أو أن يقتلهم النظام».
وقال نائب قائد التحالف الدولي في سوريا الجنرال ألكس جرينكويتش، في مقابلة إن الأسد يرفض السماح بوصول المساعدات الأممية إلى المخيم منذ فبراير الماضي.
وقال أليكس في رسالة بريد إلكتروني لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية: «يعمل فريقنا من خلال الأمم المتحدة على إرسال رسالة إلى النظام السوري أن عليه السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المخيم. وما زلنا نصر على دعوة كافة الأطراف إلى تشجيع السلطات المعنية بالسماح بوصول الأمم المتحدة دون أي قيود إلى مخيم الركبان لتقديم الإغاثة لقاطني المخيم».
وأضاف أن عدداً من أسر المقاتلين في القوات الشريكة للولايات المتحدة تُقيم في المخيم.
ويتركز اهتمام معظم وسائل الإعلام على المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، حيث يقوم التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة بمحاربة فلول تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، أو على مقاطعة إدلب شمال غرب البلاد، حيث تعد الهدنة الهشة التي جرى التوصل إليها بواسطة روسية وتركية مهددة بالانهيار.
غير أن تقرير إيتانا يسلط الضوء على منطقة لا تحظى باهتمامٍ بشكل عام في سوريا، حيث يعيش آلاف المدنيين تحت رحمة قوات الأسد والميليشيا المدعومة من إيران، مثل ميليشيا حزب الله.
الأمريكيون يرفضون إطعامهم
وقد فجرت قصة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في 24 من يوليو جدلاً حول المسؤول عن الأوضاع الإنسانية السيئة في مخيم الركبان.
وفي المقال، ذكر جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا، أنَّ الولايات المتحدة تعمدت الإشاحة بوجهها عما يحدث في المخيم.
وقال جيفري: «إذا أطعمنا الجوعى في المخيم، فسيبدو الأمر كما لو أننا ننوي البقاء في سوريا إلى الأبد. لا يمكننا الالتزام بوجود طويل الأمد في التنف أو في أي مكان آخر في سوريا».أمريكا هي السبب
وتشير منظمة إيتانا أنّ العديد من سكان المخيم يلقون باللائمة على الولايات المتحدة والأمم المتحدة، بل وحتى الأردن، لعدم تقديم المساعدات الملحة للمخيم. ويلوم العديد من المنتقدين الحكومة الأمريكية، التي تسيطر على قاعدة التنف العسكرية على بُعد 10 أميال من المخيم، لتخليها عن سكانه وتركهم «فريسة للجوع ينهشهم حتى الموت دون ضرورة لذلك«.
غير أن ألكس قال إن النظام السوري هو أول من يُلام على الأزمة الإنسانية التي تضرب المخيم.
وذكر باحث طلب عدم الكشف عن اسمه يتابع عن كثب التطورات في سوريا أنه لم يسبق أن قامت الولايات المتحدة بتوزيع مساعدات في مخيم الركبان، إذ إن النظام السوري وحليفته روسيا يتحكمان في مسألة السماح للأمم المتحدة بالوصول إلى المنطقة من عدمه.
واختلف مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية مع مقال “واشنطن بوست” ومع التوصيف الذي ورد فيه للوضع. كما رفضت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «التأكيد على وجود حاجة للمساعدات في المخيم» لأنها لا تستطيع الوصول إليه، حسب تصريح المسؤول الرفيع.
وأضاف المسؤول إنه إذا تأكدت الحاجة فإن الولايات المتحدة «كانت ستطعم ساكني المخيم بلا شك».
ورداً على طلب لتأكيد هذه المزاعم، صرح مسؤول في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن الولايات المتحدة «تطرق كل الأبواب الممكنة لإيصال المساعدات إلى الركبان».
وقال المسؤول: «الولايات المتحدة تعتقد بشدة أن سكان مخيم الركبان في حاجة إلى مساعدة إنسانية، وقد وجهنا مناشدات كثيرة في هذا الصدد وساعدنا الأمم المتحدة في إيصال المساعدات لسنوات عديدة».
وأوضح المسؤول أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات بقيمة 9.6 مليار دولار منذ بداية الأزمة للفئات السكانية الأكثر هشاشة. وأضاف: «أي طرحٍ يُخالف هذه الرواية طرحٌ غير صحيحٍ بالمرة».
غير أن كولين كلارك، الزميل في مركز صوفان للأبحاث والباحث السياسي الأول في مؤسسة راند، وجه انتقادات إلى الحكومة الأمريكية لمحاولتها غسل يدها من الأزمة السورية بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش وإنهاء سيطرته على بعض الأراضي السورية.
وقال كلارك: «نحن نتحدث هنا عن الولايات المتحدة؛ التي إذا أرادت شيئاً بالفعل فستدفع في اتجاهه حتى يتحقق».
البعض خاطر بحياته وخرج من المخيم
وأياً ما كانت الجهة الملامة، فإن الوضع داخل المخيم بائس دون شك. إذ تشير منظمة إيتانا إلى أن الآلاف من النازحين الداخليين قد فروا من الركبان، معرضين أنفسهم لخطر الاعتقال على يد قوات النظام أو الخضوع للتجنيد الإجباري، ومفضلين ذلك على المكوث داخل المخيم بسبب أوضاعه المزرية.
ونقلت المنظمة عن مصدر داخل المخيم قوله: «سنموت على أي حال، في هذا المخيم القذر أو على يد النظام.. المخيم يعيش أسوأ أوضاعه على الإطلاق منذ إنشائه».
يأكلون علف الحيوانات وضباط النظام يرفعون الأسعار
ووفقاً للمنظمة، يعاني الأشخاص الذين ظلوا داخل المخيم من سوء التغذية الحادة، ويعيشون على الخبز المصنوع من مكونات تستخدم عادةً في علف الحيوانات.
وفي بعض الحالات، يؤدي الخبز إلى حالات تسمم غذائي. ومع ذلك، فإن شُح المواد الغذائية يؤدي إلى اعتبار هذا الخبز نوعاً من «الحلوى» التي ينبغي الاحتفاء بها.
كما أن البضائع التي تصل إلى المخيم بالفعل «باهظة الثمن» بسبب التهريب وتثبيت الأسعار المنظمين من قبل ضباط محليين في جيش النظام.
ووفقاً لمنظمة إيتانا، فإن الأسعار قد جرى تثبيتها في مستويات خرافية، تزيد سوء الأوضاع الإنسانية المأساوية داخل المخيم».
كما أن الأوضاع الطبية أكثر سوءاً؛ إذ إن الممرضات القليلات المتوفرات تنقصهن الخبرة الطبية وغير قادرات على تقديم الرعاية الطبية الحرجة مثل العمليات الجراحية، أو لا يُسمح لهن بذلك.
ويتشبث القاطنون في المخيم بالأمل أن تصل مساعدات أخرى. غير أن احتمالية حدوث ذلك آخذة في التراجع، بسبب تقاذف اللوم بين كافة الأطراف المعنية.
وفي هذا الصدد قال كلارك: «هذا أمرٌ يعكس الصورة بأكملها في سوريا؛ حيث أنفقنا الكثير من الوقت والطاقة والموارد على الجزء الحركي من المعركة، وبمجرد سقوط الباغوز (إحدى معاقل داعش)، هرولنا إلى غسل أيدينا من الأزمة برمتها وبدأنا الانسحاب».