فورين بوليسي: الإسلاموفوبيا مشكلة بوريس جونسون
نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للباحث أتش إي هيلر، الزميل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة ووقفية كارنيغي للسلام العالمي، عن الإسلاموفوبيا بعد فوز بوريس جونسون في انتخابات بريطانيا الأخيرة قائلا إنها “مشكلته الآن”.
وقال إن اتهامات حزب العمال بمعاداة السامية احتلت عناوين الأخبار لكن معاداة الإسلام المستشرية في بريطانيا والتي أسهم رئيس الوزراء وحزبه بجعلها مقبولة لم تحظ بنفس الاهتمام. وأشار إلى المناظرة الأخيرة بين بوريس جونسون وزعيم حزب العمال والتي سأل فيها مواطن بريطاني زعيمي الحزبين: “ماذا ستفعل لتخليص السياسة من الكراهية؟”، مضيفا أن هذا هو سؤال مشروع لزعيمين يمثلان الحزبين الأكبر في البلاد.
وبالنسبة لكوربن فقد عبر عن عدم تصديه بما فيه الكفاية لمعاداة السامية في حزبه، أما جونسون فعن انتصار معاداة الإسلام بصفوف المحافظين. ولم يعط أي منهما إجابة مقنعة. ولو أخذنا جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد اليهود في إنجلترا وويلز في عامي 2018 و2019 والتي تضاعفت عن عام 2017 (إلى 1.326 حادثة من 672 حادثا) فإن معاداة السامية مشكلة على حزب العمال التعامل معها وكذا المجتمع البريطاني بشكل عام. وفي نفس الفترة تعرض المسلمون لثلاثة أضعاف العدد السابق، حيث ارتكبت 3.530 جريمة ضد المسلمين، أي نصف جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد الجماعات الدينية في بريطانيا، ولكن الاهتمام بهذا الموضوع كان جزئيا. فعندما يتعلق الأمر بالمشاعر المعادية للمسلمين فالمسألة لا تتعلق بوجود مشكلة إسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين بل في رئيس الوزراء أيضا الذي كتب مرة أن “إسلاموفوبيا -الخوف من الإسلام- تبدو ردا طبيعيا”، وأكد أن “الإسلام هو المشكلة”.
وتم تعليق عضوية عدد من أعضاء حزب المحافظين بسبب كراهية الإسلام إلا أن الحزب لم يظهر استعدادا لمعالجة إسلاموفوبيا داخل صفوفه. إلا أن مشكلة كراهية الإسلام ليست مستشرية داخل حزب المحافظين بل وبين أبناء الشعب البريطاني بشكل عام. فقد انتشرت جرائم الكراهية ضد المسلمين في الفترة ما بين 2016- 2017 بنسبة 30%. وفي العام التالي أرسلت رسالة “يوم معاقبة المسلمين” إلى النواب المسلمين في البرلمان وتم الاعتداء على عائلات في لندن ومساجد حول البلاد بما في ذلك صاحب شاحنة صغيرة اندفع وسط مصلين كانوا قد خرجوا للتو من الصلاة في أثناء شهر رمضان عام 2017.
المسألة لا تتعلق بوجود مشكلة إسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين بل في رئيس الوزراء أيضا الذي كتب مرة أن “الإسلاموفوبيا تبدو ردا طبيعيا”، وأكد أن “الإسلام هو المشكلة”
ويقول هيلر إن المشكلة لن تختفي بانتهاء الانتخابات، بل وأصبحت كراهية الإسلام جزءا من الخطاب الرسمي بطريقة لم تشهدها بريطانيا الحديثة، وقد تصبح أسوأ. وبالتأكيد أصبحت إسلاموفوبيا أكثر خطورة مما كانت عليه بعد هجمات 11 سبتمبر 2011. وأظهر استطلاع أجراه معهد “أي سي أم” قبل انتخابات 12 كانون الأول (ديسمبر) عن المواقف من المسلمين أن 37% من ناخبي المحافظين ينظرون للمسلمين بطريقة سلبية، ودعت نسبة 55% لتخفيض عدد المهاجرين المسلمين إلى بريطانيا. وقالت نسبة كبيرة، 62%، إن الإسلام يشكل تهديدا على طريقة حياة البريطانيين.
ويعلق هيلر أن الأرقام تثير القلق ولكنها لا تثير الدهشة. فالقلق من انتشار المشاعر المعادية للإسلام كثرت خلال السنوات الماضية. وتم توثيق العديد من المواقف المعادية من الإسلام عبر عنها مسؤولون في حزب المحافظين. ودعت الرئيسة السابقة لحزب المحافظين سيدة وارسي في عام 2018 إلى فتح تحقيق في إسلاموفوبيا، وبالتأكيد قالت وارسي عندما كانت رئيسة مشاركة للحزب إن كراهية الإسلام خرجت من الأحاديث الخاصة وأصبحت مقبولة ويتسامح معها. ويقول هيلر إن وارسي لم تكن مخطئة، فالأرقام المذهلة في استطلاع أي سي أم ليست مقتصرة على أعضاء المحافظين، فعندما يتعلق الأمر بالناخب البريطاني بشكل عام فنسبة 26% منهم تنظر بسلبية إلى المسلمين.
وقالت نسبة 41% إنه يجب تخفيف عدد المسلمين القادمين لبريطانيا و45% قالت إنها توافق على رأي تهديد الإسلام للحياة البريطانية. ويعلق الكاتب أنه أدار أبحاثا عن التطرف الإسلامي وتلقى تهديدات منهم لأنه تحدث عن خطرهم على بريطانيا وعلى المسلمين في العالم. ولكن المسلمين هم ضحايا التطرف في النهاية وهم من دفع الثمن الباهظ لمحاربة الجماعات المتطرفة. ولكن المشكلة في استطلاع أي سي أم أنه لم يسأل المشاركين عن التطرف الإسلامي بل عن المسلمين بشكل عام والإسلام كدين. فمعاداة الإسلام ليست مقتصرة على حزب أو جماعة معينة، فعندما يسأل الاستطلاع المشاركين عن الإسلام- ليس المتطرفين أو المتشددين ولكن عن المسلمين العاديين ويصل للنتائج التي حصل عليها فعند ذلك بريطانيا لديها مشكلة كبيرة للتعامل معها.
ويرى أن انتشار الإسلاموفوبيا وقبولها مرتبط بثلاثة عوامل، الأول هو تصريحات شخصيات سياسية مهمة ممن عبروا عن كراهية الإسلام فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال: “الإسلام يكرهننا”، ليس كتعبير عن المتطرفين ولكن عن الدين بشكل عام. ولو قارنا كلامه بما قال الرئيس جورج دبليو بوش بعد هجمات 9/11 في مسجد بواشنطن إن العدو ليس الإسلام ولا المسلمين. فعندما تقوم شخصيات بإصدار تصريحات معادية للإسلام مثلما فعل ترامب، ينتشر التعصب ويغلق المجال أمام الحوار.
العامل الثاني، وجود شبكة مهمتها التأكيد على أن الإسلام مشكلة في الغرب. ففي تقريرين نشرهما “مركز التقدم الأمريكي” “خوف إنك” و”خوف إنك2″، قدم الأساس للنقاش عن فكرة خطة الإسلام لتدمير الحضارة الغربية من الداخل. وهذا ليس مصادفة ولكن مخطط له حيث يتم دعم ودعم الساسة الديماغوجيين في شمال أمريكا وأوروبا وأبعد.
العلامة الرئيسية للمجتمع الصحيح هي حماية الأقليات الأكثر عرضة للخطر. والعلامة عن المجتمع المريض هي تجاهله لها
العامل الثالث هو نشر الآراء المعادية للمسلمين من أشخاص ليسوا كارهين للإسلام مثلما أشار توم كيباسي: “من الصعب تجنب النتيجة أن الكثيرين في الإعلام البريطاني يرفضون الإسلاموفوبيا لاعتقادهم أن كارهي الإسلام لديهم رأي”. ويعلق هيلر أن هناك قلة من السياسيين والمثقفين ورموز الإعلام ممن لديهم الاستعداد لمواجهة الموضوع مباشرة بدلا من الثرثرة أو الحديث عنه لفترة قصيرة. وكما يقولون: “الطريقة الوحيدة الضروية لانتصار الشر هو تلكؤ الرجال الأخيار عن عمل أي شيء”.
ويرى أن التقليل من شأن هذا الموضوع يهدد نسيج مجتمعاتنا فما حدث لليهود بداية القرن الماضي كان من خلال نشر فكرة أنهم يمثلون تهديدا على المجتمع حيث تم تقديمهم كبش فداء في الهولوكوست. كما أن عدم وجود الجدية في التعامل مع شيطنة المسلمين البوسنة في بداية التسعينيات من القرن الماضي قاد إلى إبادتهم والتسامح مع هذه الشيطنة، وقاد إلى اللفتة المخجلة من لجنة نوبل لمنح جائزتها لمنكر لإبادة المسلمين. فجائزة نوبل هي من أجل الاعتراف بعظمة متلقيها. ولكن في 10 كانون الأول (ديسمبر) ألقى الروائي النمساوي بيتر هاندكه خطاب تلقيه الجائزة. وهو نفس هاندكه الذي أنكر إبادة المسلمين في البوسنة. ومنح الجائزة بمصافحة من ملك السويد. فمعاداة الإسلام والتعصب ضده لم يتم رفضهما في أروقة السلطة بأوروبا بل تم مكافأتها.
ويرى هيلر أن العلامة الرئيسية للمجتمع الصحيح هي حماية الأقليات الأكثر عرضة للخطر. والعلامة عن المجتمع المريض هي تجاهله لها. فمجزرة كرايستتشريتش في نيوزلندا في مارس كان دافعها الكراهية والتعصب لقادة البلقان القوميين الذين قادوا حملة إبادة المسلمين في البوسنة. ولكن فريد أحمد الناجي من المذبحة في المسجد بنيوزلندا حيث قام متطرف بإطلاق النار على المصلين بمن فيهم زوجة أحمد أعلن أنه عفا عن القاتل: “الدرس إنه لو حدث القتل في مدينة الحب فالعطف والروحية تأتي من أي مكان ولأي شخص”.
ولم يتخيل أحد حدوث جريمة كهذه في نيوزلندا ولكنها حدثت. وفي بريطانيا أعلنت قوات الأمن عن إفشالها متطرفين يمنيين خزنوا السلاح والقنابل لارتكاب جريمة في مسجد. وثلث المخططات الإرهابية في بريطانيا جاءت من اليمين المتطرف، وهو نفسه الذي ينشط وينتعش على معاداة الإسلام والتعصب أكثر من أي شيء آخر. وقبل أن يكون لبريطانيا مذبحتها ككرايستتشريتش على جونسون أن يعمل الكثير لمعالجة الكراهية التي تشوه السياسة البريطانية.