فورين أفيرز: لماذا فشلت إستراتيجية إدارة ترامب ضد نيكولاس مادورو في فنزويلا؟
بعد ما يزيد على شهرين على إعلان زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد -وما تلاه من دعم فوري من قبل واشنطن وحلفائها- تظهر مؤشرات عدة أن مقاربة الولايات المتحدة لتغيير نظام الرئيس نيكولاس مادورو باءت فعليا بالفشل.
فقد ثبت أن مراهنة واشنطن لتغيير النظام الفنزويلي على أسلوب التهديد والعقوبات -بما في ذلك فرض حظر على تصدير النفط ومحاولة إدخال قوافل مساعدات إنسانية عبر الحدود الكولومبية الفنزويلية بالقوة- قد فشلت في زعزعة نظام مادورو أو الدفع إلى انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش.
كما أن موجات العتمة والانقطاعات في الكهرباء التي شهدها مناطق شاسعة من البلاد -والتي اعتبرتها الحكومة “حربا كهربائية” من قبل الولايات المتحدة- لم تنجح أيضا في هز أركان النظام القائم.
تشخيص خاطئ
وترى مجلة “فورين أفيرز ” الأمريكية أن اعتقاد إدارة الرئيس دونالد ترامب على أن ممارسة ضغوطات على مجموعات داخل النظام (خاصة قيادات الجيش) -لفرض انتقال ديمقراطي سريع وسهل- كان تشخيصا خاطئا.
حيث فرضت واشنطن منذ يناير الماضي عقوبات على أكثر من ستمئة مقرب وشريك لمادورو في الحكم. ومنعت الحكومة الفنزويلية من بيع النفط لها، وعملت مع حكومات أخرى في أمريكا اللاتينية وخارجها لتوسيع نطاق الاعتراف الدبلوماسي الدولي بجوايدو.
وترى المجلة أن فشل إستراتيجية الرئيس ترامب للإطاحة بمادورو -من خلال ممارسة أقصى قدر من الضغط على النظام على أمل إثارة انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش- ليس مفاجئا بالنظر لبنية المؤسسة العسكرية الفنزويلية وعقيدتها.
فقد عمل مادورو بدعم من مستشارين كوبيين على ضمان ولاء قيادات الجيش من خلال تسييسهم وجعلهم جزءا لا يتجزأ من منظومة الحكم الفاسدة التي تقود البلاد. ففنزويلا تضم أكثر من ألف جنرال -أكثر من الولايات المتحدة نفسها- منحت لهم مناصب سمحت لهم بتهريب الأسلحة والمخدرات أو ابتزاز من يقومون بذلك، فأضحوا بذلك أحد أعمدة “مافيا الدولة” كما تصفها مؤسسة “إينسايت كرايم” المختصة في دراسة مخاطر الأمن القومي لدول أميركا اللاتينية والكاريبي.
وأصبحت هذه القيادات العسكرية بالتالي ترى أن مصيرها مرتبط بمصير النظام، ولن تجرؤ على الانشقاق عنه مهما بلغ حجم الضغوطات الأميركية.
ولعل الأسوأ في سياسة إدارة ترامب تجاه النظام الفنزويلي -بحسب المجلة- أنها جزء من إستراتيجية شاملة لكل أميركا اللاتينية، مما يذكر بسياسة الأحادية القطبية التي انتهجتها واشنطن فترات سابقة وتسببت في عزل حلفائها في المنطقة.
ترويكا الاستبداد
وضعت هذه الإستراتيجية لأول مرة من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بخطاب ألقاه في ميامي مطلع نوفمبر الماضي، حيث أعلن حينها أمام مجموعة من الجمهوريين الكوبيين الأميركيين معارضة إدارة ترامب “ترويكا الاستبداد” أي كل من كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا التي لها علاقات وطيدة مع كل من الصين وروسيا.
وأعلن بولتون أن بلاده تتطلع إلى إسقاط كل ركن من أركان هذا المثلث، فقام البيت الأبيض منذ يونيو 2017 بتشديد الحصار الأميركي على كوبا، وأنهى مطلع هذا الشهر برنامجًا يمنح الكوبيين تأشيرات من خمس سنوات لزيارة أقاربهم بالولايات المتحدة، كما فرضت واشنطن عقوبات على كبار المسؤولين الحكوميين في نيكاراغوا.
وتذرع المستشار الأمني الأمريكي في اتخاذ هذه الإجراءات العدائية بما يعرف بـ “مبدأ مونرو” الذي أصدره الرئيس جيمس مونرو عام 1823 لمنع أي تدخل استعماري أوروبي في شؤون دول أميركا اللاتينية، مقابل اعتراف واشنطن وبقائها في منأى عن شؤون بعض المستعمرات الأوروبية القائمة آنذاك.
ويرى متابعون للشأن الفنزويلي أن إخفاق واشنطن في مسعاها لإسقاط نظام مادورو يجب ألا يقابل برفض الحوار، بل بالعكس يتوجب عليها أن تعمل مع شركائها الأوروبيين والأميركيين اللاتينيين لدعم أي جولة جديدة من المفاوضات مع التلويح بفرض عقوبات في حال فشل مادورو في الاستجابة لبعض الشروط المسبقة.
من هذه الشروط إطلاق السجناء السياسيين، والالتزام بجدول زمني محدد لضمان انتقال السلطة، وفسح المجال لإقامة حكومة مؤقتة بمجرد تحديد موعد لانتخابات رئاسية جديدة.
كما يجب أن يسمح أي اتفاق محتمل بين مادورو والمعارضة -على إجراء انتخابات- بإعادة بناء مؤسسات الدولة الفاسدة، وأن تشمل الإصلاحات إعادة هيكلة مؤسسة الجيش بعيدا عن عقيدة الوفاء للمجموعة أو الحزب، ونزع سلاح مجموعتين من المليشيات شبه العسكرية تتعاملان مع مادورو، هما قوات العمل الخاصة وقوة المدنيين المسلحين المعروفة باسم “كولكتيفوس”.
وسيتعين كذلك على أي اتفاق مؤقت إعادة بناء المحكمة العليا والمجلس الوطني للانتخابات اللذين يعجان حالياً بأنصار مادورو، من خلال تعيين مرشحين مستقلين يحظون بالإجماع في هاتين الهيئتين.
من ناحية أخرى، يتوجب على إدارة ترامب إعادة النظر في إستراتيجيتها ليس فقط تجاه فنزويلا ولكن تجاه أميركا اللاتينية عموما. فبالنسبة لكثيرين، يحمل التلويح بـ “مبدأ مونرو” هذه الفترة دلالات سيئة تذكّر بماضي الولايات المتحدة وتدخلاتها في شؤون أميركا اللاتينية.
ولعل النهج الأكثر نجاعة في هذا الإطار هو التركيز على الاحتياجات الاقتصادية والسياسية لـ 93% من سكان أميركا اللاتينية غير المدرجين في ما تسميه واشنطن “ترويكا الاستبداد”.
مخاوف الشعوب
كما يجب على إدارة ترامب أن تظهر لشعوب المنطقة أنها تحترمهم وتشاطر مخاوفهم الأساسية التي تجاهلها الرئيس الأميركي صراحة من خلال تعليقاته المسيئة للمهاجرين القادمين من المكسيك وأميركا الوسطى.
وسيتطلب الأمر كذلك العمل مع كل الأطراف، حتى أكثرها بغضا من إدارة ترامب مثل نظام مادورو. وتؤشر تعليقات بولتون بشأن “ترويكا الاستبداد” على أن الولايات المتحدة قد تحاول أن تستنسخ في كوبا ونيكاراجوا ما فعلته وتفعله مع فنزويلا، أي محاولة عزل النظام على أمل إشعال ثورة شعبية تطيح به.
لكن المشكلة الأساسية بهذه الإستراتيجية -بحسب “فورين أفيرز”- أن قادة هذه البلدان المستبدين يمكنهم الآن الاعتماد على دعم الصين وروسيا وغيرها من الدول. فقد قدمت الصين، على سبيل المثال، للحكومة الفنزويلية خمسين مليار دولار، وهو مبلغ وإن كان غير كاف لمعالجة مشاكل الاقتصاد الفنزويلي المزمنة، لكنه كفيل بإبقاء النظام الفاسد مدة أطول في الحكم.
كما قد تحول سياسة ترامب على المدى الطويل -في حال بقيت معتمدة على العقوبات الاقتصادية والعزل الدبلوماسي دونما إشراك للعناصر المعتدلة بهذه الأنظمة- هذه البلدان إلى دول فاشلة سيكون من الصعب إصلاحها سياسيا وبناء اقتصاداتها مستقبلا.