فورين أفيرز: إيران ستنجو من استراتيجية أقصى ضغط والعام الثاني للعقوبات سيكون أكثر صخبا
قال هنري روم، من مجموعة يوريشيا للأبحاث إن إيران في حالة جيدة وسط ما تتعرض له من عقوبات اقتصادية وضغوط أمريكية. وناقش بمقاله الذي نشرته دورية “فورين أفيرز” قائلا إن إيران ستنجو من العقوبات وكذا برنامجها النووي وتأثيرها الإقليمي.
فقبل عام في هذا الأسبوع بدأت إدارة دونالد ترامب ما أسمته “أقصى ضغط” ضد إيران. وجاءت الضغوط بعد خروج الولايات المتحدة في أيار مايو 2018 من الإتفافية النووية الموقعة عام 2015 وإعادة فرض العقوبات عليها من جديد. بالإضافة لفرض سلسلة عقوبات تهدف لعزل إيران من النظام المالي وتخفض قدرتها على تصدير النفط إلى الصفر. وتوقع بعض المحللين أن يقوم أصدقاء إيران في أوروبا وآسيا بتحدي الولايات المتحدة ومنح إيران مساعدة اقتصادية. فيما قال آخرون إن العقوبات ستؤدي إلى وضع الإقتصاد الإيراني أمام حالة الإنهيار مما يترك طهران أمام خيار الإستسلام أو الإنهيار.
ولم يحدث أي من التوقعين، ولكن إيران دخلت العام الماضي من حملة “أقصى ضغط” بثقة مثيرة للدهشة واقتصادها ووضعها الإقليمي مستقران. ومن المتوقع مواصلة آية الله علي خامنئي، مرشد الثورة وبقية القادة المتشددين خطهم الحالي، حيث ستواصل إيران تعذيب سوق النفط وتعزيز القطاعات غير النفطية في الإقتصاد. وستمضي في توسيع برنامجها النووي دونما التفاوض مع أمريكا. وبعد قرار الإدارة إلغاء الإتفاقية توقعت طهران من بقية الموقعين عليها مساعدتها ودعم اقتصادها، بعد التزام الموقعين بالحفاظ على الإتفاقية النووية، لكن شيئا من هذا لم يحدث بسبب الضغوط الأمريكية. وعملت أوروبا على بناء آلية مالية تساعد إيران على تجاوز العقوبات مع أن هذه الآلية لا تصلح إلا للتجارة الإنسانية. ولم يكن لدى الدول الغربية ما تقدمه لطهران نظرا لعدم قدرتها على إجبار الشركات الأوروبية التعامل مع إيران وتحدي أمريكا.
ولم تقم الحكومات الصديقة مثل الصين وروسيا والهند بمساعدة طهران، فلهذه البلدان أولويات كبرى ولا تريد أن تعرض علاقاتها مع الولايات المتحدة للخطر. وتعتبر الصين المفاوضات التجارية والعلاقات الإستراتيجية الأخرى أهم من تقديم المساعدة لإيران. فيما تريد روسيا تجنب منح الكونغرس فرصة لمواصلة برنامج عقوبات جديدة ضدها. فيما تريد الهند تعزيز علاقاتها مع واشنطن والإستفادة من تدهور العلاقات الأمريكية مع الباكستان. كما أن هذه البلدان لا تواجه ضغوطا كبيرة من سوق النفط لكي تختار الوقوف مع إيران بمفردها. فالطلب العالمي على النفط يتباطأ والإمدادات متوفرة والأسعار متدنية، فما الداعي إذن لأن تعرض هذه الدول نفسها للعقوبات الأمريكية وشراء النفط الإيراني. وتعتبر الصين أكبر زبون للنفط الإيراني ولكن مشترياتها منه قليلة. ومنذ فرض العقوبات تحولت بيجين إلى السعودية لتوفير احتياجاتها من النفط.
ولدى الهند مصادر عدة للحصول على النفط الخام الرخيص وهو سبب لا يدفعها لتعريض نفسها للعقوبات الأمريكية. وبالنسبة لروسيا فلا حوافز لديها لدعم دولة نفطية مثلها، في ضوء تعاون موسكو مع منظمة أوبك لتخفيض مستويات الإنتاج.
وعانت إيران من صدمة العزلة الإقتصادية الدولية، فقد تراجع انتاجها النفطي من 2.4 مليون برميل يوميا في إبريل 2018 إلى أقل من نصف مليون برميل في أيلول (سبتمبر) 2019. ودخل الإقتصاد حالة من الركود فيما تزايدت معدلات البطالة وفقدت العملة الإيرانية 60% من قيمتها أمام الدولار. وتستخدم إدارة دونالد ترامب هذه الأرقام كدليل على نجاح برنامج العقوبات. مع أن هناك إشارات تظهر توجه الإقتصاد الإيراني نحو الإستقرار. ويتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدول استعادة الإقتصاد الإيراني عافيته من الركود وبمعدل صفر نمو بحلول عام 2020. كما يتوقع صندوق النقد الدولي أنخفاض التضخم من 35.9% عام 2019 إلى 31% في عام 2020. وبالنسبة لقيمة الريال الإيراني فقد استقرت إلى ما بين 115.000 – 120.000 ريال للدولار، مما أدى إعادة نوع من الثقة للتعاملات اليومية. وهناك زيادة في نسبة العمالة المشاركة في الإقتصاد مع أنه سيكون شبحا عما كان عليه في الماضي، وبناتج قومي عام في 2020 مثل عام 2015. إلا أن الإقتصاد سيكون مستقرا بشكل يستدعي القيادة الإيرانية للحديث عن قدرتها مواجهة الضغوط الأمريكية للعام المقبل.
ويرى الكاتب أن ثبات الإقتصاد الإيراني يعود إلى تنوعه، وهو ملمح لا تنتبه إليه واشنطن. ففي عام 2017 لم يشكل النفط الخام إلا نسبة 43% من الصادرات الإيرانية مقارنة مع نسبة 78% في السعودية. ولهذا فالسبب فخدمة إيران الزراعية والقطاعات الصناعية غير النفطية توفر الوسادة المريحة لمنع الإقتصاد من الإنهيار. وتقدم هذه القطاعات غير النفطية معظم الإنتاج الإقتصادي الوظائف.
وأثبت هذا القطاع قدرة على الصمود أمام العقوبات الأمريكية من قطاع الطاقة الذي يعتمد على منفذ إلى السوق العالمي. إلا أن الإقتصاد الإيراني لم يتحرر من مشاكله بعد، فالبطالة تظل عالية والنظام المصرفي ضعيف وبدون رأسمال فيما يعاني القطاع الإقتصادي من فقر. وبالنظر إلى العام المقبل فالوضع ليس خطيرا وقادة إيران يقومون باتخاذ الخطوات المهمة. وبحسب المصادر الإخبارية الرسمية تخطط الحكم تقديم ميزانيتها بدون موارد النفط. ويمكنها الإعتماد على احتياطاتها من 100 مليار دولار لكي تغطي الفجوات والتأكد من قدرة الإنفاق على البرامج الإجتماعية التي يتوقعها الإيرانيون. ورغم صعوبة الحفاظ على هذه الإجراءات إلا أن الحكومة تستطيع المضي بخططها للعام المقبل.
ومن بين الأهداف التي قدمتها واشنطن لحملة أقصى ضغط، التأثير على وضع إيران الإقليمي. ومن المتوقع حفاظ الجمهورية الإسلامية على وضعها الإقليمي في العام المقبل. ففي الشهر الماضي سحب ترامب القوات الأمريكية من شمال- شرق سوريا تاركا فارغا ستسارع إيران لملئه بسهولة. كما ولم ترد إدارة ترامب على الإستفزازات الإيرانية. ولم يرد ترامب على إسقاط الطائرة المسيرة في الأجواء الإيرانية ولا على تخريب ناقلات النفط أو السيطرة على عدد منها في الخليج. ولا على هجوم 14 سبتمبر ضد منشآت النفط السعودية في إبقيق والذي حملت واشنطن والرياض مسؤوليته. وتؤكد إدارة ترامب أنها لم تتخل عن حلفائها بالمنطقة، بل وزادت من قواتها بنشر 14.000 جندي إضافي إلى المنطقة. ولكن الرسالة للحلفاء في السعودية والإمارات وإسرائيل وبالضرورة العدوة إيران هي أن ترامب يقوم بزيادة عدد القوات لكن لا جرأة له على القتال.
ولدى إيران الفرصة الإستثنائية للإستفادة والتقدم بدون معارضة عسكرية أو دبلوماسية. وستقوم طهران باستغلال هذه الفرصة لعرقلة تجارة النفط واتخاذ خطوات جديدة في الإنتاج النووي كتوسيع التزويد لأجهزة الطرد المركزي وتخصيب اليورانيوم. وبالتأكيد ستواصل إيران التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها خاصة العراق الذي تقوم فيه الميليشيات المدعومة من طهران بقتل المحتجين. وتلعب طهران تأثيرا مهما في العراق منذ سنوات لكن تفكيك علاقة أمريكا بالمنطقة بدد أي شك من إمكانية لعبها دورا مباشرا. وفي النهاية لم تعان الدولة الإيرانية ولا نشاطاتها بالمنطقة من أي ضغط بسبب العقوبات الأمريكية. فيما تعرضت فيه الدبلوماسية بين البلدين لضربة قوية، وستواصل الدول الوسيطة محاولاتها لجمع أمريكا وإيران ودفعهما للتفاوض بمستويات عالية من الفشل. ولأن خامنئي سينظر لوضع إيران المحلي والإقليمي بعين الرضا فلن ير أية حاجة لفتح محادثات دبلوماسية أو السماح لمفاوضين إيران لقاء مع مسؤولين أمريكيين خاصة في عام انتخابي أمريكي. وستواصل إيران نشاطاتها الإستفزازية وربما كان عام العقوبات الثاني أكثر صخبا من العام الأول.