فنان فلسطيني يصنع «برج إيفل» مصغرا تقديرا لباريس وقيمة الحرية
أنجز فنان فلسطيني بناء مجسم يحاكي برج إيفل الفرنسي وثبته داخل حديقة بيته وهو مصنوع من نحو 850 قطعة خردوات وتستعد السلطة المحلية في بلدته لافتتاح متحف خاص بأعماله بعد أسبوع.
الفنان وسيم بقاعي من بلدة شعب في الجليل داخل أراضي 48 شق طريقه كـ حداد قبل سنوات وما لبث أن احترف الفن التشكيلي على طريقته النادرة بتحويل الخردوات، التي يجمعها من مجمعات القمامة وورشات البناء والكراجات إلى تحف فنية يحاكي فيها حيوانات وطيور وغيرها من أشكال تكاد تنطق لدقة إتقانها.
وحتى الآن قام بقاعي بتصميم 400 مجسم معدني ثبتها في ساحة منزله أنجزها كلها على نفقته ضمن مسيرة عصامية، رغم أن ذلك يستغرق ساعات عمل وطاقات كثيرة علاوة على النفقات. وآخر هذه الأعمال برج ايفيل المصغر بارتفاع أربعة أمتار زنته 200 كيلو غرام.
ويوضح لـ «القدس العربي» أنه رغب ببناء برج ايفيل فلسطيني تقديرا للقيمة الجمالية الفنية المتمثلة فيه وتبجيلا لمدينة باريس، التي يعتبرها رمزا للحرية والثقافة ويحبها عن بعد ويحلم بزيارتها.
وقال إن «برج إيفل الفلسطيني» في البرج احتاج إلى الكثير من الصبر والمجهود واستغرق حوالي شهرين من العمل المتواصل، معبرا عن سعادته بأنه مع انتهاء العام الجاري بلغ تعداد تصاميمه الفنية نحو 400 وهو يتمنى دعمه في مشاريعه وصولا للعالمية.
وأشار أنه رغب ببناء برج بارتفاع كبير لكن ضيق مساحة الحديقة في بيته اضطرته للاكتفاء بحجم أصغر منوها أنه قام بالتجوال بين ورشات البناء وجمع خردوات وبقايا القضبان والألواح الحديدية ومنها صنع برج إيفل.
كما أشار الى أنه وضع صورة البرج الباريسي قبالته وبادر في رسم تصميم البرج المصغر في القلم والورقة قبل بدء العمل الفعلي. وتابع «وخلال العمل كنت أعتمد على رؤيتي وتقديراتي كصاحب مهنة حتى انتهيت بعد شهرين من تصميمه وهو قريب جدا من البرج الفرنسي.
بقاعي(42 عاما) الذي يطوع بأنامله الحديد والمعادن سبق وصمم أشكالا مثيرة ومدهشة لعدد كبير من الحيوانات والطيور وأشكال الجماد الأخرى من آخرها نعامة بارتفاع مترين مبنية من براغ معدنية وقطع سيارات ودراجات نارية كقطع الكوابح و»الكلاتش»، فيما بنى ساقيها من برميل الغاز الخاص بأجهزة المكيفات في المراكب. وتبلغ نحو 1000 قطعة وقد تم إنجاز بنائها خلال شهر.
وردا على سؤال أوضح أنه رغم حاجته المالية لا ينوي بيع هذه القطع الفنية النادرة لرغبته في عرضها في متحف خاص به أقامته السلطة المحلية في جوار الملعب البلدي في بلدته شعب، لاعتبار ذلك مشروعا فنيا وفي الوقت نفسه مبادرة لحماية البيئة والطبيعة.
وسيتم الافتتاح في الأسبوع المقبل، وسيشمل نحو 400 مجسم معدني من صنع يديه.
وتتجلى حرفية الفنان الفلسطيني، الذي يعمل منذ 10 أعوام بعصامية حقيقية في مجسمات لحيوانات وطيور معدنية بحجم كف اليد كالضفدعة وطيور البوم والغراب، والأرنب والسنجاب وصراصير وفرس البحر والأسود الخ. وغيره.
وكشف بقاعي أنه يستعد للمشاركة في معرض عالمي يجري في بريطانيا قريبا بعدما تم اختياره كفنان مشارك في مجسم «صرخة الديناصور» وهو مجسم معدني يمتاز في براعة تصميمه واستغرق إنجازه ستة أشهر.
وردا على سؤال، يضيف «بدايتي كانت عام 2010 حينما عملت في مرآب فقمت بتفكيك قطعة من دولاب سيّارة تعرف باسم «تفاحة العجل».
ورأيت أنّه يشبه الفراشة فقلبته ودوّرتها في شكل جديد لفراشة. ومن هنا بدأت الفكرة خاصة أن زوجتي تنبهت للقيمة الجمالية في الفراشة المعدنية التي نظفتها ودهنتها، وفعلا انطلقت في تدوير الحديد والخشب والحجر.
أعجب الناس بـ «الفراشة « فطلبوا مثلها، حينها اشتريت ماكنة لحام وبدأت بتطوير ذاتي وترجمة الخيال إلى واقع».
ويستدل من الحديث معه أنه تنبه لمهارته مبكرا، فقد كانت والدته تقتني له ألعابا ألكترونية فيسارع لتفكيكها ويعيد تركيبها، وما لبث أن بدأ مشواره مع الرسم بقلم رصاص مرجحا أنه ورث موهبة الرسم من أخواله. وبقاعي، ابن قرية الدامون المهجّرة لم يتعلم سوى للصف التاسع، وشرع في العمل كعامل بسيط في فرع البناء حتى 2010 حيث شق طريقا صعبا لا يعينه في حياته اليومية لكنه يحقق فيه ذاته ويعبر عن موهبته الخلاقة.
ما هي الأدوات التي تستخدمها؟
يضحك وسيم ويشير بيده لورشته المتواضعة، وهو يقول إنه لا توجد لديه سوى ماكنة لحام قديمة وماكنة قص معادن كهربائية.
ويتابع « من يزور مدرسة البيادر في بلدتي شعب يشاهد مجسّم طيّارة صنعتها من «عيدان أسكيمو». هذه صمّمتها وأنا في المدرسة الابتدائية وطيّرتها بأدوات أبسط مما تظنّ. مع ذلك فأنا أطمح أن يكون لديّ مشغل أصمم به وأنحت وأبني ما أريد، لكن الإمكانيات حاليًا لا تساعدني، فالعين بصيرة واليد قصيرة «. وردا على سؤال يوضح أن هذا الفنّ يصنع المعجزات، رغم قلة الإمكانات ومع ذلك فأنه على يقين أنّه سيتطور ماديًا ومهنيًا، لافتا أنه حاليًا يُدخل قدرًا ماليا بسيطًا لا أكثر بالذات من إعادة تدوير الإطارات وبيعها للروضات». وردا على سؤال يقول- للأسف حتى اليوم – لم يتلق أي دعم من أي مؤسسة أو سلطة، لكن يؤكد بابتسامة تقطر ثقة ورضا أنّ ذلك سيحصل لاحقًا إن شاء الله، لا سيما وأنّ مثل هذا الفن نادر.
عند التجوال بين أكوام الحديد المتكدسة في جنبات بيته الى جانب المجسمات المعنية المصنوعة منها تلاحظ أن وسيم يقوم أيضا بدور منقذ البيئة.
وعن ذلك يقول «أقوم بجمع الحديد من كل مكان. أي أداة كهربائية أو قطعة حديدية أجدها على هوامش الطرقات أو في الأحراش أجمعها وأعيد تدويرها بشكل فنّي».