فرانسوا هولاند يروي في كتاب “دروس السلطة” تجربته في رئاسة فرنسا
“دروس السلطة” هو الكتاب الجديد الذي صدر اليوم الأربعاء عن دار “ستوك” للنشر، وهو من تأليف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، يروي فيه تجربته السياسية في الحكم (2012-2017) والمشاكل التي واجهها على المستوى الشخصي والسياسي.
صدر اليوم الأربعاء كتاب جديد للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عنوانه “دروس السلطة” (دار النشر ستوك) يروي فيه السنوات التي قضاها في قصر الإليزيه (2012-2017) كرئيس “عادي” والمشاكل التي واجهها سواء على المستوى الشخصي أو السياسي.
كما أجاب هولاند عبر كتابه عن عدة أسئلة كان الفرنسيون يطرحونها آنذاك، من بينها أسباب عدم ترشحه لعهدة رئاسية ثانية في 2017، وتطرق إلى أهم الأخطاء التي ارتكبها خلال حكمه لفرنسا.
الأخطاء السياسية والخيبات العاطفية
وخصص الرئيس الفرنسي السابق بعض الصفحات من كتابه لحياته الشخصية، إذ تحدث عن رفيقته السابقة فاليري تريرفيلر التي عانت كثيرا حسب تعبيره عندما نشرت مجلة “كلوزر” المتخصصة في عالم النجوم والأزياء مقالا حول علاقته الجديدة مع الممثلة جولي غاييه. “فاليري تأثرت بشكل عميق عندما قرأت المقال. وعندما دونت كتابها (شكرا على تلك الأوقات) الذي لقي صدى إعلاميا كبيرا، عبرت عن جروحها العميقة بكلماتها الخاصة. لقد تألمت كثيرا”. كما تحدث هولاند عن العلاقة التي تربطه بالممثلة جولي غاييه التي “وقفت بجانبه طيلة السنوات الثلاث الأخيرة” حسب قوله.
أما على الصعيد السياسي فاعترف هولاند بأن الخطأ الأول الذي ارتكبه تمثل في ذكره شخصيا قضية ليوناردا، وهي فتاة من كوسوفو تم إبعادها من فرنسا إلى بلادها رفقة عائلتها في تشرين الأول/أكتوبر 2013، كاتبا “ليتني استمعت لنصيحة كريستيان توبيرا (وزيرة العدل خلال عهدة هولاند). عندما أعيد التفكير في عهدتي، أشعر بالندم إزاء هذا الملف”.
والموضوع الثاني الذي أعرب الرئيس الفرنسي السابق عن ندمه عليه يتعلق باقتراحه مشروع قانون يقضي بتجريد الفرنسيين ذوي الجنسية المزدوجة، والذين تورطوا في عمليات إرهابية، من جنسيتهم الفرنسية. ما أدى إلى خلق شرخ سياسي كبير في صفوف الحزب الاشتراكي والنواب الاشتراكيين في الجمعية الوطنية.
وقال هولاند في هذا الشأن “لقد قللت كثيرا من مدى الصدى العاطفي الذي يمكن أن يسببه هذا المشروع في المجتمع الفرنسي. كنت متيقنا أنه (مشروع القانون) لن يهدد الحريات العامة والفردية ولن يخل بمبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين. لكن في نظام ديمقراطي، لا يكفي فقط أن تمتلك الحق، بل عليك أيضا أن تقنع الأخرين”.
وحول قانون العمل الذي اقترحته مريم الخمري والذي تم تمريره بفضل المادة 3/49 ودون مصادقة برلمانية، اعترف هولاند أن هذا القانون “كان ضروريا وأدرج أصلا في برنامجي الانتخابي”، لكنه في نفس الوقت عبر عن “ندمه إزاء الطريقة التي استخدمها من أجل المصادقة على هذا القانون”.
وأردف:” أريد أن أؤكد من جديد أن إصلاح قانون العمل كان مبررا. هدفه إنعاش المفاوضات داخل الشركات والمؤسسات الاقتصادية، إضافة إلى أنه كان يتضمن مكاسب اجتماعية جديدة للعمال، معترفا في نفس الوقت بـ”أن هذا القانون لم ينل القسط الكافي من المحادثات والمشاورات بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وذلك بسب الوضع الأمني الذي كانت تعيش فيه فرنسا والذي كان تميزه الاعتداءات الإرهابية”.
“ماكرون يسير فرنسا كأنه يسير شركة اقتصادية”
وفي كتابه، انتقد أيضا فرانسوا هولاند النواب الاشتراكيين الذين تمردوا على سياسته وقللوا من مصداقيتها ومن نتائجها. “النواب المتمردون في الحزب الاشتراكي قللوا منذ بداية عهدتي الرئاسية من مصداقية السياسة التي كنت أتبعها ومن أهميتها. كانوا مقتنعين أن مرشحا آخر هو الذي سيفوز في مكاني، الأمر الذي فسح المجال أمام إيمانويل ماكرون للفوز بالانتخابات”. وأضاف هولاند في هذا الخصوص: “لقد قطعوا الغصن الذي كنت أجلس عليه، لكنهم نسوا أنهم هم أيضا كانوا يجلسون على نفس الغصن. وحصول بنوا هامون على 6 بالمائة من الأصوات هو دليل على أن المتمردين لم يكونوا على صواب”.
ووجه فرانسوا هولاند انتقادات غير مباشرة للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون واتهمه بتسيير “شؤون فرنسا كأنه يسير شركة اقتصادية”. فيما انتقد الطريقة التي يريد بها ماكرون تمرير قانون العمل وإصلاح قطاع سكك الحديدية “عندما نغلب لغة الحوار والتشاور نتوصل دائما إلى نتائج، لكن عندما نستخدم القوة، يمكن أن نفوز، لكن في نفس الوقت، نفقد المصداقية والشرعية”، مضيفا أن “انتخاب ماكرون رئيسا للبلاد كان ناتجا عن لعبة قدر وعن ضعف القوى السياسية الأخرى وهو اعترف شخصيا بذلك”.
“أوباما لا يفرط في الأكل حفاظا على أناقته وقوامه”
دوليا، رفع فرانسوا هولاند النقاب عن العلاقات التي كانت تربطه ببعض الرؤساء الغربيين على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي باراك أوباما والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
فيما يخص الرئيس الروسي، أقر هولاند في كتابه بأن “فلاديمير بوتين لا يفهم سوى لغة القوة” وأنه “يعتقد بأن أوروبا ضعيفة وبالتالي يجب الثأر منها”. وكتب في هذا الشأن: “على ضوء المحادثات التي أجريتها مع الرئيس بوتين، استخلصت أنه لا يفهم سوى لغة القوة. إنه رجل مملوء بالعضلات والأسرار. فبإمكانه أن يكون تارة لطيفا ومنتبها لما حوله، وعنيدا وباردا إزاء من يحاوره تارة أخرى. يستخدم عيونه الزرقاء مرة ليغويك ويجذبك ومرة أخرى ليقلقك ويخيفك”.
وعن باراك أوباما، اعترف فرانسوا هولاند أن الرئيس الأمريكي السابق “يملك كاريزما وسحرا كبيرين” منوها بـ”الحفاوة التي يظهر بها أمام المواطنين الأمريكيين والعالم، ويستخدمها لأغراض إعلامية تنتهي عند أبواب اللقاءات الثنائية (…) أوباما لا يحب كثيرا التعبير عن مشاعره الخاصة أو أن يبوح بأسراره، كما أنه لا يأكل كثيرا حفاظا على أناقته وقوامه”.
“لن يعود السلم إلى سوريا طالما بقي بشار الأسد في السلطة”
وفي الملف السوري، أكد هولاند أنه لم يكن بإمكان فرنسا أن تشن بمفردها هجوما عسكريا على الجيش السوري بعد تراجع الولايات المتحدة عن ذلك في أغسطس/آب 2013، مضيفا “النظام السوري يقول إنه فاز بالحرب، لكن عن أي سوريا يتحدث؟ هل هي سوريا الممزقة والمقسمة؟ أو عن شعب تعرض إلى القهر والعنف؟ في الحقيقة، لن يعود السلم إلى سوريا طالما ظل بشار الأسد في السلطة”.
كما تطرق فرانسوا هولاند في كتابه إلى مواضيع عديدة أخرى، مثل فضيحة وزير الخزينة السابق “برنار كاهوزاك” وعن تركيا ومشكلة اللاجئين، إضافة إلى الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي تحدث معه مرتين فقط بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وعن مستقبل الحزب الاشتراكي بقيادة السكرتير الجديد أوليفييه فور، وعن قضايا أخرى.
وبشأن مستقبله الشخصي، أكد هولاند أنه “لن يبتعد عن عالم السياسة، وسيتابع الأحداث عن كثب”، موضحا في الوقت نفسه “أن ممارسة السياسة لا تعني بالضرورة ترأس حزب سياسي ما أو المشاركة في الانتخابات”. فيؤكد “حياتي الجديدة تمنح لي الحرية لكي أدافع عن المبادئ التي أؤمن بها”.