فايننشال تايمز: لبنان المفلس يتجه نحو صندوق النقد الدولي قبل انهياره
تحت عنوان “توجه لبنان المفلس نحو صندوق النقد الدولي جاء متأخرا”، نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” افتتاحية قالت فيها إن الحكومة اللبنانية توصلت بعد تردد وانقسام إلى أن الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله إنقاذ اقتصاده الغارق هو التوجه نحو صندوق النقد الدولي، وربما كان القرار في وقته قبل أن تغرق السفينة.
ورغم القول المأثور أن الدول لا يمكنها الإفلاس إلا أن لبنان مفلس في الحقيقة، فقد راكم خسائر بمصرفه المركزي “بنك لبنان” والتي تقدرها الحكومة بحوالي 44 مليار دولار، وهي تساوي الناتج الاقتصادي السنوي، مع أن هذا ينكمش بطريقة سريعة لا يعرفها أحد، إلا أن الحكومة تعتقد أن نظامها المصرفي، الجوهرة السابقة للقطاع المصرفي، قد خسر 83 مليار دولار أمريكي. وتعد الأزمة المالية سابقة بوقت كبير على وباء فيروس كورونا. وبدأ الاقتصاد اللبناني بالاهتزاز في أكتوبر عندما أدت انتفاضة مدنية لاستقالة حكومة محاصصة طائفية مكونة من “الأوليغارشيين” وأمراء الحرب المتقاعدين.
وكانت شرارة الانتفاضة محاولة الحكومة هذه فرض ضريبة على مكالمات “واتساب”. وكان الغضب مركزا على الطبقة الحاكمة التي نهبت الدولة منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت من 1975- 1990. ولو وضعنا الأمر ببساطة فقد تم إقراض نسبة 70% من أرصدة النظام المصرفي المتضخمة إلى دولة مفلسة وفاسدة والتي تخلفت الشهر الماضي عن دفع دينها الخارجي.
وكان الأمر مدهشا أن تكون الدولة قادرة على معاندة الجاذبية لوقت طويل، ولكنها تبدو قابلة للتفسير فيما يتعلق بسياسات بنك لبنان. فقد قام مدير البنك المركزي -بنك لبنان- رياض سلامة الذي يديره منذ عام 1993 باجتذاب الدولارات من الشتات اللبناني والشرق الأوسط عامة من خلال تقديم سعر صرف مرتفع. ووصف هذا بـ “الهندسة المالية”، مع أن المصرفيين بمن فيهم مدراء سابقون للمصرف المركزي وصفوها بـ “خطة بونزي” (وهي خطة استثمار احتيالي تعد بأرباح مالية للمستثمرين الأوائل تقتطع من أموال المستثمرين الجدد).
ولم يسمح للمودعين، الذين كانت نسبة 70% من إيداعاتهم بالدولار، بسحب أكثر من 500 دولار في الشهر. وقد تزامن هذا مع إغلاق المصرف بسبب كوفيد-19. ويقول مصرفيون إن رجال أعمال وساسة قاموا بتحويل مليارات الدولارات إلى الخارج قبل استمرار الأزمة. وتم تسعير السحب من البنك أو الدفع عبر بطاقات الائتمان بسعر 1.507 ليرة لبنانية مقابل الدولار والذي وصلت قيمته الأسبوع الماضي إلى 3.700 ليرة في الأسواق الموازية. ويعتبر هذا الاختلاف في الأسعار سببا في ارتفاع معدلات التضخم.
وعادت الاحتجاجات من جديد رغم فرض حالة الإغلاق العام. وكانت الحكومة التي اختارتها نفس الطبقة السياسية القديمة ولكنها تضم عددا من التكنوقراط الموهوبين تتجه ومنذ شباط/فبراير نحو طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي. ولكنها كانت تنتظر أمراء السياسة للتوصل إلى نتيجة أن لا خيار أمامهم إلا هذا الخيار.
وحتى حزب الله، الجماعة العسكرية- السياسية، الذي يتصرف بأنه فوق الدولة قد توصل إلى أن صندوق النقد الدولي يمكن أن يحل مشاكل لبنان المالية ويساعده على إعادة بنائها. وهناك ثلاث محاولات إنقاذ فرنسية، احتوت على قائمة من الإصلاحات التي لم تحدث. وكان آخرها قرضا ناعما بـ 11 مليار دولار تم الاتفاق عليه في باريس عام 2011 ولا يزال محفوظا للسبب نفسه. فيما توقفت السعودية عن دعم ما تراها جماعة وكيلة عن إيران في لبنان.
ولهذا لم يعد هناك أي خيار، فخطة الإنقاذ الحكومية الأخيرة والتي تم تمريرها الأسبوع الماضي تقلل من شأن الاحتياجات المالية الخارجية للبنان وتسمح بإعادة ترتيب الدين. وتحاول تفادي ما يمكن أن تعمله لإنقاذ المودعين البنكيين- ومصادرة الثروة لإعادة رسملة نظام كاسد. وكانت القنابل الحارقة على بنوك في شمال لبنان نذيرا. ومن هنا “فقد تكون الحكومة قد أيقنت أنه بدون معالجة عدم التوازن في الاقتصاد اللبناني فإن سيناريو الحصول أو عدم الحصول على الدعم الخارجي سيزيد من مخاطر الانهيار الكامل”.