فايننشال تايمز: فيروس كورونا وحرب أسعار النفط يتركان أثارهما البالغة على اقتصاد الخليج ودبي تحديدا
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسليها سايمون كير وأندرو إنغلاند حللا فيه أثر انتشار وباء فيروس كورونا وحرب أسعار النفط على اقتصاديات الخليج.
وقالا إن موارد الحكومات تراجعت في وقت تراجعت فيه أسعار النفط الخام وبدأ القطاع الخاص بتخفيض معدلات التوظيف. وأشارا إلى شركة مناسبات مقرها في مدينة دبي حيث كان صاحبها جون يتطلع لأيام عمل مزدحمة في أشهر الربيع لتوليد موارد تعوضه عن أشهر الصيف الهادئة، ولكنه كان مشغولا في الأسبوعين الماضيين بتخفيض عدد الموظفين لديه، فيما قلل من ساعات عمل الموظفين المتبقين لديه بنسبة الثلث أوالنصف بعدما ضرب فيروس كورونا التجارة في مركز المال والسياحة في الشرق الأوسط.
وتوقف العملاء عن الدفع للموردين أو أغلقوا أعمالهم خوفا من إفلاس محتوم. ويخطط جون لاستخدام ما وفره من مال لإنقاذ شركته. وقال جون الذي طلب عدم استخدام اسمه الحقيقي: “من الصعب النجاة”.
ومثل بقية الحكومات في العالم، أغلقت دول الخليج قطاعات من اقتصادها في محاولة حاسمة لاحتواء انتشار فيروس كورونا. وأوقفت السعودية معظم الرحلات الداخلية والدولية وأغلقت معظم المحلات باستثناء المتاجر والصيدليات. وحثت الإمارات العربية المتحدة المواطنين على البقاء في بيوتهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة. وأوقفت معظم رحلاتها الجوية باستثناء رحلات إجلاء مواطنين.
ولكن دول الخليج المنتجة للنفط لا تتعامل مع التداعيات الاقتصادية التي خلفها كوفيد-19 بل مع حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا التي بدأت مع بداية انتشار الفيروس في المنطقة، مما أدى لانخفاض سعر البرميل إلى أدنى حالاته منذ 17 عاما. ويقول جون سفاكيانكس الخبير بشؤون الخليج بجامعة كامبريدج: “قد تواجه اقتصادياتها واحدة من أخطر وأهم الامتحانات التي لم تشهدها في كل الأوقات”، وأضاف: “هزة أسعار النفط هي أخبار سيئة لدول الخليج حيث ستتعرض الدعائم المالية لها للامتحان”.
وقالت السعودية إنها ستخفض الميزانية بنسبة 5% لمواجهة وضع يباع فيه برميل النفط الخام بأسعار منخفضة بالإضافة لتأثيرات فيروس كورونا. ويعيد التحرك ما قامت به السعودية من خفض للنفقات في الفترة ما بين 2014- 2015 بعد انهيار أسعار النفط، وعدم دفع فواتير بمليارات الدولارات للمتعهدين وشركات الإنشاء.
قالت السعودية إنها ستخفض الميزانية بنسبة 5% لمواجهة وضع يباع فيه برميل النفط الخام بأسعار منخفضة بالإضافة لتأثيرات فيروس كورونا
وقال مدير تنفيذي لشركة عاملة في السعودية: “ولماذا ستدفع (في ظل حرب الأسعار)؟ فمن الأحسن أن يكون بيدك ورقة لا يعرف أحد أنك تملكها. ونتساءل الآن إن كان أي مشروع من المشاريع سيتم تنفيذه” و”علينا أن نجهز أنفسنا لربط الأحزمة وكلنا سيقوم بتخفيض عملياته لأنني لا أعتقد أن عملاءنا سيدفعون لنا”. وأغلقت شركته أبواب مقراتها في الرياض بعدما طلبت الرياض من القطاع الخاص التوقف عن العمل أو العمل من البيوت.
وبدأ يوم الإثنين حظر تجول في كل أنحاء المملكة من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباحا. وأعلنت دول الخليج عن حزم تحفيزية ضخمة لتهدئة أعصاب الناس. وبعدما أعلنت السعودية يوم الجمعة عن حزمة بـ 32 مليار دولار لمساعدة أصحاب الأعمال قال محمد الجدعان، وزير المالية، إن المملكة مستعدة لزيادة مستويات الدين وستدفع للمتعهدين. وزاد المصرف المركزي الإماراتي الدعم بحزمة 34 مليار دولار وتضم السماح للبنوك تقديم مساعدات للشركات وأصحاب شركات التجزئة من الفائدة والمدفوعات الأساسية.
وأعلنت أبو ظبي، العاصمة وأغنى إمارة من بين الإمارات السبع، رزمة تحفيزية من 9 مليارات درهم إماراتي (2.4 مليار دولار أمريكي). وتقوم مصارف دبي بدفع الديون عن العطلات لمن أجبروا على ترك أعمالهم وأخذ عطلات غير مدفوعة الأجر وتقديم خطط أقساط لرسوم المدارس والبقالات. وفي بيان لمحمد الشيباني، مدير ديوان حاكم دبي ومدير بنك دبي الإسلامي: “في هذه الأوقات غير العادية، قرارات قوية وحاسمة ضرورية للحفاظ على الاقتصاد”.
وعلى خلاف دول الشرق الأوسط الأخرى فدول الخليج لديها احتياطات عملة أجنبية يمكنها الاعتماد عليها، فلدى الإمارات 850 مليار دولار في الصندوق السيادي، أما السعودية فلديها 502 مليار دولار. إلا أن دبي تعتمد في اقتصادها على الوضع الجيد لمصدري النفط الخام وكذا التجارة العالمية، ولا يوجد لديها دعامة تعتمد عليها من موارد النفط.
وفي عام 2009 احتاجت الإمارة إلى اقتراض 25 مليار دولار من أبو ظبي حيث واجهت أزمة في الائتمان. واليوم تواجه دبي مشكلة في انهيار الطلب وليس الدين كما في عام 2009. وأثرت الأزمة الحالية على كل مفصل من مفاصل الاقتصاد في الإمارة بحسب ما يقول مصرفي: “وهذا واضح في كل مجال وتواجه الشركات معضلة كبيرة”. وفي حالة حدثت عملية إغلاق خطيرة في الخليج فسيتردد صداها في كل المنطقة، خاصة أن الأجانب يمثلون غالبية العاملين القطاع الخاص، خاصة قوة العمل في مجال الخدمات والبناء.
وتعتبر التحويلات من دول الخليج مصدرا للعملة الأجنبية لدول آسيا والشرق الأوسط. وتكشف بيانات البنك الدولي أن العاملين الأجانب حولوا عام 2017 ما مجموعه 44.4 مليار دولار من الإمارات و36 مليار دولار من السعودية عام 2017. وأوقفت شركة طيران الإمارات التي تعتبر المشغل الأكبر معظم رحلاتها وطلبت من العاملين فيها أخذ إجازات مبكرة أو بدون راتب حتى تتجنب تخفيض عمل الموظفين. ومع تراجع الطلب العالمي قالت شركة الضيافة ماريوت إنها خفضت ساعات العمل وبدأت برنامج إجازات مؤقتا لتخفيف الصدمة.
وانخفض عدد المقيمين في فنادق دبي في الأسبوع الأول من شهر مارس بمعدل 61%. وتفكر اليابان بتأجيل الأعمال الأوليمبية، وهناك أسئلة حول معرض إكسبو الذي تستضيفه دبي في شهر أكتوبر والذي كانت تأمل أن يجذب 25 مليون زائر. وقالت اللجنة المنظمة للمعرض إنها ستقوم خلال الأسابيع المقبلة بتقييم وتعديل التحضيرات المخطط لها.