غيوم السماء قد لا نراه في المستقبل
تخيل نفسك تتنشق هواء ساخناً تحت سماء بلا غيوم بينما يبدو الجو مائلاً للاحمرار أو اللون البرتقالي. لست على المريخ، إنما هنا على مكوكب الأرض بعد عدة قرود او ربما عقود. اختفاء الغيوم والاحتباس الحراري عاملان متصلان يؤثر أحدهما في الآخر، وكلاهما يؤثران على شكل الحياة كما نعرفها.
إذا ما استمرت البشرية في ضخ ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، فقد نشهد اختفاء أحد أهم أنواع السحب من غلاف الأرض.
وإن اختفت الغيوم أو السحب الطبقية –وهي تلك الطبقات المنخفضة المنتفشة من بخار الماء والتي تغطي معظم سطح الكوكب عند أي لحظة معينة- قد تقفز حرارة الأرض جذرياً وبشدة إلى مستوياتٍ مرتفعة لم تتنبأ بها نماذج المناخ الحالية.
هذا ليس مشهداً في من فيلم خيال علمي، وأنما خلاصة إحدى الدراسات التي نُشِرَت في مجلة Nature Geoscience، الإثنين 25 فبراير2019.
مجلة Quanta Magazine نشرت تقريرا مفصلا للكاتبة المهتمة بشؤون البيئة ناتالي وولتشوفر. وكما أوضحت وولتشوفر، لطالما كانت السحب أحد جوانب عدم اليقين الكبرى في نماذج المناخ.
ما أهمية هذه السحب على الكوكب وعلينا كبشر؟
وتُعَد السحب معقدة وصغيرة وسريعة التغيُّر. والنماذج الحاسوبية التي تتعامل بسهولة مع تعقيد وتفاصيل معظم الأنظمة المناخية، ببساطة ليست قوية بما يكفي للتنبؤ بالتحولات في سلوك السحب في مختلف أنحاء العالم.
لكنَّ السحب مهمة؛ فهي تصبغ مساحة واسعة من الغلاف الجوي باللون الأبيض، كما يُرى من الفضاء، وهو الأمر الذي يعكس ضوء الشمس بعيداً عن سطح الأرض.
وتُمثِّل السحب الطبقية جزءاً مهماً في تلك الصورة؛ فهي تلك الأغطية البيضاء التي ربماتراها حين تطُل من نافذة إحدى الطائرات وتجدها تنبسط تحتك وتحجب عنك الأرض.
ويشك الباحثون في أنَّ قفزات معينة مفاجئة سابقة بدرجات الحرارة ربما نتجت بسبب تغييراتٍ كهذه طرأت على السحب.
اختفاء الغيوم والاحتباس الحراري .. ماذا سيحصل لو تزايد ثاني أكسيد الكربون؟
وبالنسبة للدراسة الجديدة، أجرى العلماء نمذجة لمساحة صغيرة فقط من السماء باستخدام كمبيوتر عملاق.
ووجدوا أنَّه في حال وصلت مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2) إلى نحو 1200 جزء في المليون بالغلاف الجوي، فقد تتفكَّك السحب الطبقية، لأنَّ هذا تركُّزٌ عالٍ لثاني أكسيد الكربون.
وفي الوقت الراهن، قفزت المستويات إلى أعلى من 410 أجزاء في المليون، وهو ارتفاعٌ خطير بعدما كانت تبلغ 280 جزءاً في المليون فقط قبل الثورة الصناعية.
لكنَّ البشر يضخون مزيداً ومزيداً من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سنوياً.
وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، فقد تبلغ الأرض مستوى 1200 جزء في المليون بغضون السنوات الـ100-الـ150 القادمة.
وذكرت وولتشوفر أنَّ هذا قد يحدث إذا لم يفِ مجتمعنا بأيٍّ من التزاماته المتعلقة بتقليص الانبعاثات.
وحتى لو التزم، فستكون النتيجة هي زيادة 14 درجة فهرنهايت (8 درجات مئوية) أخرى إلى المتوسط الحراري العالمي، بالإضافةً إلى التغيُّرات الخطيرة التي تحدث بالفعل بسبب الغازات الدفيئة.
ولكن، ما هي الغازات الدفيئة أو غازات الاحتباس الحراري؟
تحافظ الغازات في الغلاف الجوي على الحياة على الأرض عن طريق محاصرة حرارة الشمس.
تسمح هذه الغازات لأشعة الشمس بالمرور عبر الأرض وتدفئتها، ولكنها تمنع هذا الدفء من الهروب من الغلاف الجوي إلى الفضاء.
فبدون وجود غازات مزودة بالحرارة بشكل طبيعي، وبصفة أساسية بخار الماء وثاني أكسيد الكربون والميثان، فإن الأرض ستكون باردة جداً بحيث لا يمكن تحمل الحياة كما نعرفها.
ويكمن الخطر في الزيادة السريعة لثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة أو Greenhouse gases التي تزيد من تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الكوكب.
هل شهد كوكب الأرض حرارة عالية في السابق؟
إن ازدياد حرارة الكوكب 8 درجات مئوية يعد تغيراً هائلاً، يتجاوز التنبؤات بذوبان الجليد والارتفاعات الكارثية بمستوى سطح البحر في مختلف أنحاء العالم.
ووفقاً لوولتشوفر، فإن آخر مرة كان كوكبنا بمثل هذه الحرارة، كانت التماسيح تسبح في القطب الشمالي، و»حُرِقَت» المنطقة المحيطة بخط الاستواء و»خلت من مظاهر الحياة في معظمها».
وأضافت وولتشوفر أنَّه بمجرد اختفاء السحب الطبقية، على الأرجح لن تظهر مجدداً حتى تنخفض مستويات ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات أدنى من مستوياتها الحالية.
لكن، لا يزال هناك بعض الشك في البيانات، ولم تجرِ مطابقتها عن طريق دراسات أخرى.
وقد يتغير رقم 1200 جزء في المليون، الذي وضعته هذه الدراسة، صعوداً أو نزولاً بعدما ينظر العلماء في هذه المسألة بصورة أعمق.
لكن سواء قضى البشر على السحب الطبقية أو لا، تسلط هذه الدراسة الضوء على كثير من العوامل التي ما زلنا لم نفهمها بعد في التغيُّر المناخي.