غواصات إيرانية خارج الخدمة تقلق البحرية الأمريكية
بعيداً عن الدعاية الإيرانية، لدى إيران سلاحاً خفياً يقلق البحرية الأمريكية بالفعل، إذ تمثل الغواصات الإيرانية من طراز كيلو الروسية الصنع تحدياً نسبياً للقوة الأمريكية في الخليج، فما سر قوة هذه الغواصات، ولماذا يبدو أنه إيران تواجه مشكلة معها حالياً؟
ووحتفظ إيران بأسطول كبير من الغواصات مقرها في ميناء استراتيجي هو بندر عباس بالخليج العربي، ومعظمها مصنوع محلياً. وأغلب الأسطول الإيراني تحت الماء عبارة عن غواصات صغيرة الحجم، مصممة للتسلل والتخريب، أو غواصات صغيرة الإزاحة قد تكون لها قدرة محدودة على التحمل وعمق الغوص.
ومن منظور القدرات، فنقطة طهران الوحيدة المضيئة هي غواصاتها من فئة كيلو. فهي أفضل ما لديها ضد البحرية الأمريكية إذا حدث صراع بين البلدين، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وهذه الغواصات جاءت من أحواض بناء السفن السوفييتية في أوائل الثمانينيات، حيث اشترت إيران غواصات كيلو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ففي محاولة يائسة لضخ السيولة في الاقتصاد الروسي الذي كان في أمسّ الحاجة إليها في ذلك الوقت، باعت موسكو عدداً من الأسلحة ومنصات الأسلحة السوفييتية السابقة للخارج، ورغم بعض الاحتجاجات الدولية، تسلمت إيران ثلاث غواصات من طراز كيلو.
وتعمل هذه الغواصات (سميت “طارق”) بالديزل والكهرباء ، ويبلغ طول هذه الغواصات الإيرانية 74 متراً وعرضها 69.9 متر، ويمكنها السفر حتى 25 عقدة عند غمرها. يمكن لأنظمة أسلحتهم إطلاق طوربيدات. يمكن أيضاً استخدام هذه السفن في زرع الألغام.
لماذا تمثّل هذه الغواصات الإيرانية تحدياً للبحرية الأمريكية؟
ورغم أن الغواصات الإيرانية من طراز كيلو قديمة إلى حد ما، فهي تتمتع بعدد من الميزات التي تجعل منها صيادة قوية في مضيق هرمز أو في المياه الإقليمية الإيرانية، مثل الدفع الهادئ نسبياً، وربما طلاء عازل للصوت يساعد في كتم صوت التشغيل الاعتيادي.
ولكن على عكس غواصات الصواريخ الباليستية الضخمة التي تعمل بالطاقة النووية في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وروسيا حالياً، تعمل غواصات كيلو بالديزل والكهرباء وحجمها أصغر بكثير. كما أنها تفتقر إلى حجيرات إطلاق الصواريخ العمودية، وتؤدي بدلاً من ذلك دوراً هجومياً، ومصممة للتجول في المياه الساحلية لترصد سفن العدو السطحية والغواصات الأخرى.
هناك عاملان من المحتمل أن يعرقلا (أو ربما يجعلا من المستحيل) العمليات الأمريكية المضادة للغواصات في الخليج العربي ومضيق هرمز، حسب تقرير آخر لمجلة The National Interest الأمريكية.
الأول ضحالة الخليج نسبياً والثاني أنماط الحرارة غير المتوقعة (المرتفعة)، هذان العاملان يجعلان السونار المضاد للغواصات “عديم الفائدة تقريباً” بسبب الصعوبات في تشغيل السونار في الأعماق الضحلة.
تتفاقم المشكلات الموجودة في مياه الخليج بالظروف المعقدة في مضيق هرمز.
إذ إن الإمداد الضئيل من المياه العذبة إلى الخليج (بسبب عدو وجود أنهار تصب فيه)، إلى جانب درجات الحرارة المرتفعة التي تسبب قدراً كبيراً من التبخر ينتج عنه بيئة شديدة الملوحة. هذه البيئة عالية الملوحة تخلق “تيارات معقدة تحت الماء تجعل الكشف الصوتي المضاد للغواصات عن الكيلوغرامات المغمورة شبه مستحيل”.
وفي الوقت ذاته من الصعب جداً تتبع الغواصات الإيرانية من طراز كيلو.
ويرجع جزء من الصعوبة إلى الغطاء عديم الصدى (يمنع عكس الترددات) الذي تم تجهيز أجزاء من هياكل الغواصات فئة كيلو به. الغطاء عديم الصدى عبارة عن بلاطات مطاطية كبيرة مدمجة مع فقاعات هواء بأحجام مختلفة تنحرف أو تمتص السونار.
على الرغم من الصعوبات في العمليات المضادة للغواصات في كل من الخليج العربي ومضيق هرمز من قبل البحرية الأمريكية، فإن حركة الغواصات الإيرانية نفسها ستكون محدودة للغاية بسبب الأعماق الضحلة، حيث إن “ثلث مساحة المياه الضيقة في الخليج غيرعميقة بما يكفي لتلبية الحد الأدنى لمتطلبات العمق المغمور للغواصات الإيرانية من طراز كيلو البالغ 100 قدم”.
من المحتمل أن يحد هذا من فائدة غواصات كيلو الإيرانية داخل الخليج، على الرغم من أنها ستشكل تهديداً خطيراً للغاية خارج الخليج، حسب تقرير المجلة الأمريكية.
محاولة محلية لجعلها قادرة على إطلاق الصواريخ الباليستية
لم تكن أي من الغواصات الإيرانية قادرة على إطلاق صواريخ باليستية أو صواريخ كروز.
ابتداءً من التسعينيات، أطلقت إيران برنامجاً للحصول على ألغام بحرية وطوربيدات أو إنتاجها محلياً لجميع غواصاتها.
في عام 2005 ورد أنها أطلقت خطين محليين لإنتاج طوربيدات بمدى يصل إلى 20 كيلومتراً.
كما طورت إيران منذ ذلك الحين تكنولوجيا الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز لغواصاتها.
في 24 فبراير 2019 أعلن عن نجاح إيران في اختبار إطلاق صاروخ كروز من إحدى غواصاتها من فئة غدير. تزعم وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) أن غواصات طارق (كيلو) وفتح لها نفس القدرة.
في يونيو 2012 ذكر مسؤول إيراني أن علماء بلاده كانوا في “المراحل الأولية لتصنيع الغواصات الذرية”. وزعم الإيرانيون أنهم نجحوا في تعديل إحدى الغواصات المستوردة من فئة كيلو (بعد أن رفضت روسيا القيام بذلك) واعتبر ذلك دليلاً على تقدم البلاد في تطوير الغواصات على الرغم من التأخير في البرنامج.
في سبتمبر 2017، قالت القيادة البحرية الإيرانية إن الوكالة النووية الإيرانية بدأت في إنتاج مفاعلات نووية للتزود بالوقود وأنظمة الدفع.
ومع ذلك يؤكد العديد من المحللين أن تصنيع مفاعل نووي لاستخدام الغواصات يتجاوز قدرات إيران الحالية وهو ببساطة رد على زيادة العقوبات الأمريكية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.
مشكلات متعددة
منذ وصولها إلى إيران أصبحت غواصات كيلو الأفضل في البحرية الإيرانية، ورغم قِدَمها، لم تتمكن التصاميم الخاصة بالجمهورية الإسلامية من منافستها.
ومع ذلك عانت هذه الغواصات في السابق من مشكلات تبريد البطارية، وضعف التدريب، وعدم كفاية الصيانة، وبحلول إبريل/نيسان 2001 تم اعتبار اثنتين من الغواصات بالفعل غير عاملة. كما يعتقد أن هذا النوع من الغواصات الإيرانية واجه على وجه الخصوص مشكلات في الطلاءات عديمة الصدى، (طبقة من المطاط مثبتة على بدن الغواصة الفولاذي لتقليل الضوضاء).
تم تصنيع بطاريات هذه الغواصات للمحيطات الباردة والمياه غيرالدافئة التي تعمل فيها البحرية السوفييتية عادةً، وليس المياه الساحلية الدافئة نسبياً للخليج العربي.
ولكن يعتقد أنه بمساعدة من الهند، تمكنت إيران من تصنيع بطاريات بديلة تم تحسينها لتتكيف مع عمليات المياه الدافئة.
ليس من الواضح مقدار الترقية الداخلية التي تلقتها هذه الغواصات. عادةً ما تكون أهم ترقية لغواصة كهربائية تعمل بالديزل غير نووية هي بطاريات جديدة أعلى تصنيفاً وأكثر أماناً لضمان بقاء الغواصة تحت الماء لفترة أطول.
خارج الخدمة
يعتقد أن هذه الغواصات الإيرانية أصبحت خارج الخدمة لبعض الوقت، إذ تشير بعض التقارير التي أعدها عدد من خبراء البحرية المعروفين إلى أن الغواصات الإيرانية الثلاث من طراز كيلو خارج المياه منذ حوالي شهر.
وجاء أحد أولى المؤشرات على حدوث مشكلات في غواصات كيلو أواخر العام الماضي 2020، حين صُوِّرت إحدى غواصات كيلو الإيرانية أثناء نقلها براً في شاحنة نصف نقل، ربما لإجراء إصلاحات كبيرة أو صيانة مكثفة. وتشير حقيقة وجود جميع غواصات كيلو الإيرانية الثلاث خارج المياه في الوقت نفسه، وليس على فترات، إلى أن ثمة مشكلة كبيرة تواجه أسطول طهران الصغير من غواصات كيلو.
يقول الخبير البحري إتش آي. ساتون: “كانت إحدى هذه الغواصات في حوض جاف في بندر عباس منذ عام 2019، وفقاً لصور الأقمار الصناعية. واستقرت أخرى في ساحة الشهيد درويشي غرب المدينة منذ أشهر. وفي منتصف ديسمبر، وضعت الثالثة أيضاً في حوض جاف في بندر عباس”.
ورغم صعوبة تخمين أسباب وجود هذه الغواصات، التي يمكن القول إنها تشكل العمود الفقري للقوة البحرية الإيرانية، على البر وليس في البحر، فقد تكون نقص قطع الغيار، أو محدودية المعرفة التقنية الماهرة بالإصلاحات، أو قيود القوى العاملة (ربما بسبب جائحة فيروس كورونا) أو مزيجاً من كل ما سبق.
أياً كان الأسباب فإن الانهيار المحتمل لأسطول الغواصات الإيرانية من طراز كيلو يجعل المزاعم الأخيرة من طهران بشأن غواصة جديدة تعمل بالطاقة النووية قيد التشغيل تبدو بعيدة المنال.