علماء يطورون حاقن إبينفرين لعلاج إصابات النخاع الشوكي
العديد من السيناريوهات المحتملة لإصابات النخاع الشوكي قريبة منّا بشكل كبير؛ لنقُل إنك تطلي منزلك بنفسك، لأنك لا تريد دفع الكثيرَ من الأموال للمختصين، ولا يرغب أحدٌ في مساعدتك على طلاء منزلك، ثم تحاول الوصول إلى تلك النقطة البعيدة، لأن النزول ونقل السلم مرهق بعض الشيء، ولكن تبيَّن أنك بالغت في تقدير بُعد تلك النقطة عنك، لأن السلم بدأ يهتز من تحتك. تحاول الرجوع، ولكنك تأخَّرت، وتسقط من ارتفاع 20 قدماً على ظهرك، وتسمع صوت فرقعة هائلة قبل أن تغيب عن الوعي.
قد يصبح الوضع سيئاً جداً، بناء على مقدار الأضرار، قد لا تتمكن من السير ثانيةً، ولكن هناك بحث جديد يوضح طريقة محتملة للعلاج، قد تجعل تلك الحوادث الافتراضية أقل خطراً؛ «قلب إبينفرين» لإصابات النخاع الشوكي
بحسب موقع Big Think الأمريكي، نشر باحثون من جامعة ميشيغان مؤخراً ورقةً بحثيةً في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences تصف جهازاً رائعاً يمكنه التخفيف، وربما الوقاية من إصابات النخاع الشوكي والدماغ. وقال الباحث لوني شيا في تصريح رسمي:
«في هذا العمل، أظهرنا أنه بدلاً من محاولة التغلب على الاستجابة المناعية، يمكننا استغلال الاستجابة المناعية للعمل لصالحنا، من أجل تعزيز الاستجابة العلاجية. يزعم العلماء إمكانية الحد من شدة تلك الإصابات بشكل كبير، ومنع الإصابة المحتملة بالشلل، عن طريق حقن جسيمات متناهية الصغر، تحدُّ من الاستجابة المناعية للجسم».
كيف تحدُث إصابات النخاع الشوكي؟
يعتقد معظم الأشخاص أن الشلل يحدُثُ عندما يتضرَّر الاتصال بين الدماغ والحبل الشوكي، مثلما يحدث عندما ينكسر الظهر، ويتضرر الحبل الشوكي. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن في معظم الحالات يكون المسؤول هو استجابة الجسم الالتهابية للإصابة.
الدماغ والحبل الشوكي محاطان بحاجز طبيعي، يُعرف بـ «الحاجز الدموي الدماغي»، ولكنه يغطِّي النخاع الشوكي أيضاً، ويمنع وصول معظم الجزيئات إلى الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك الخلايا المناعية. ويعد الجهاز العصبي جزءاً بالغَ الحساسية من جسم الإنسان، قد يتضرَّر بمنتهى السهولة، نتيجة الاستجابة الالتهابية للجهاز المناعي.
عند حدوث إصابة للنخاع الشوكي، قد يتأثر هذا الحاجز، ويسمح بمرور خلايا الجسم المناعية. ليس من المفترض أن تصل تلك الخلايا إلى الجهاز العصبي، وقد يتسبب الالتهاب الذي تُحدثه تلك الخلايا في قتل الخلايا العصبية الحساسة، وتلف الأغشية الميلينية التي تسمح للخلايا العصبية بإرسال الإشارات إلى بعضها البعض، ووجود ندبة بالنسيج العصبي، تمنع تجدد خلايا الحبل الشوكي. وتكون النتيجة النهائية فقدان الإحساس وانخفاض القدرة الوظيفية في أجزاء الجسم أسفل الإصابة، تصل أحياناً إلى الشلل.
كيف يعمل هذا العلاج الجديد؟
في السابق، استخدم الأطباء مادة ستيرويد تُسمَّى «ميثيل بريدنيزولون» لتعطيل الاستجابة المناعية، تشبه كثيراً استخدام حواقن الإبينفرين لتجنُّب ردود الفعل التحسُّسية. ولكن هذه الطريقة كان لها بعض الأعراض الجانبية الخطيرة، حيث تتسبَّب في حدوث جلطات الدم، والالتهاب الرئوي، وغيرها من الآثار الجانبية التي تجعل الاعتماد على تلك الطريقة في غاية الخطورة.
ولهذا اختبر شيا وزملاؤه «الجسيمات متناهية الصغر» الجديدة على فأر بجامعة ميشيغان. وميزة استخدام الجسيمات متناهية الصغر أنها لا تحتوي على أي مستحضرات صيدلانية، مما يمنع أي احتمال لحدوث أعراض جانبية.
بعد حقن الفأر المصاب، لاحظ الباحثون أنَّ الجسيمات متناهية الصغر تلتصق بالخلايا الالتهابية المناعية، وتعيد توجيهها بعيداً عن موقع الإصابة، حيث تتسبَّب بأضرار بالغة. لا يكتفي ذلك بمنع حدوث الالتهابات المسببة للأضرار، بل يسمح أيضاً بالخلايا المناعية غير الالتهابية التي تدعم التجدد على الوصول إلى موقع الإصابة. ومن دون الالتهابات وتكوّن الندبة داخل النسيج العصبي، تصبح تلك الخلايا قادرةً على دعم تجدُّد وإعادة نمو الجهاز العصبي المتضرر.
وبالرغم من أنَّ هذا العلاج المستند إلى الجسيمات متناهية الصغر يستهدف إصابات النخاع الشوكي، قد تكون له استخدامات أخرى أيضاً. قال جونغيوك بارك، الذي عمل على المشروع أيضاً: «نأمل أن تفتح تلك التقنية آفاقاً جديدة لاستراتيجيات علاجية تفيد مرضى إصابات النخاع الشوكي، ومَن يعانون أيضاً من الأمراض الالتهابية المختلفة».
تأثير هائل
يعتبر الالتهاب جزءاً مهماً من الاستجابة المناعية للجسم، حيث يتسبَّب الالتهاب في تمدُّد الأوعية الدموية، والسماح بوصول المزيد من الدم والخلايا المناعية إلى الموقع المستهدف. حيث تصدر تلك الخلايا إشارات كيميائية لجذب المزيد من الخلايا المناعية التي تعمل على تطهير الجسم من المواد الغريبة، ولكن غالباً ما تنحرف تلك العملية عن أهدافها الرئيسية، وتتسبَّب في ظهور العديد من المشكلات الأخرى.
وقال شيا: «إن الجهاز المناعي مسؤول عن أمراض المناعة الذاتية، والسرطان، والكدمات، والتجدد، أي كل الأمراض المعروفة تقريباً. وتمثِّل الأدوات التي يمكنها استهداف الخلايا المناعية، وإعادة برمجتها لتحقيق الاستجابة المطلوبة، فرصاً واعدةً لعلاج أو التحكم في الأمراض».
لذا، هذه الطريقة الجديدة لعلاج إصابات النخاع الشوكي قد تجعل حوادث السلم الافتراضية أقل خطورة. ليس هذا فحسب، قد يكون لها تأثير هائل على تغيير طريقة علاجنا لعدد من أخطر الأمراض على البشرية.