يحتاج العمل الفني التشكيلي ليتكوّن، إلى عناصر اكتمال يتكامل معها ويتوافق مع مُسبّباتها المادية والحسية والجمالية والذهنية والنقدية، تلك التي تخلق همزة الوصل بين الفنان والعمل والمتلقي وبالتالي هي التي تطرح الانتماء الداخلي لتلك العناصر، وهي تشكّل الرموز والمفاهيم وتندمج معها في تجريبها المتداخل مع الأفكار وما تحمله في ذلك الاندماج من إحساس وتماثل وتصوّر.
Brenda louie
ومن بين تلك العناوين الكبرى التي تثير جدليات الاكتمال في علاقتها البصرية بالمادي هي الضوء واللون والفراغ، ذلك العنصر الأساسي الذي يطرح التساؤل عن أهميّته في هذا التكوين وفاعليّته وهل هو أساس أو تفاعل بين اللون والضوء وهندسات المساحة وزوايا الفضاء المقترح لخيال الفكرة البصرية، وهل هو قادر على إثارة الحركة والجمود. فاللون وتداخله الجمالي المتماهي مع الطبيعة بصيغها التشكيلية وتبادلاتها، ليس بمعزل عن بقية التصنيفات الحسية مثل الضوء والخامة والمُسطحات ومساحاتها لأن الكثافة والاشباع والتداخل والخفوت والتجلي المتسع والضيق المتلاشي في الحجم والتفعيل إنما هو تحريك قيمي ومبدأ توافق بين العناصر. 
Farouq Lambz
لذلك فإن الفراغ في علاقته بالعمل الفني لا يطرح مدى امتلاء المساحات، كما أنه ليس مجرد هباء تكويني تصوره مجرد عبث لأنه الأساس التكويني لتوازن العمل الفني، ومن خلاله تظهر عبقرية الفنان فلسفيا في قياساته للعمل ولمدى توافقه مع الأزمنة والأمكنة والأحجام والأبعاد ومدى تواصله مع الألوان والضوء، وبالتالي له القدرة على خلق الحيوية في التعبير التشكيلي وانتشال العمل من جموده. 
ralph-berko
ولعل ذلك يآلف بين العناصر ما يعبّر عن تكامل العملية التنفيذية لصياغة العمل الفني بصريا خلال عملية البناء والإنشاء وحساب ارتكازاتها في تناسق اللون، لأن الفراغ يتجلى في منح العمل المُتنفس التعبيري من خلال ما يطرحه من حركة التركيب والابتكار والمرونة وبالتالي تمنح لبقيّة العناصر أدوارها وعمق أبعادها فلا يُعد في اكتماله مع العناصر تلك مجرد لاشيء بل كل شيء في التكوين بما أنه يعبّر عن احتواء كل شيء في فلسفة المفاهيم ومعالجاتها الحسية والذهنية لمدى التلقي البصري. 
Abdel-Raouf Chamoun
إن التكامل الذي يخلقه كل عنصر في العمل الفني لا يساعد الفنان فقط في طرح مستوى تعبيراته وتشكيلها حسب مستوى عناصره بل يسمح للمتلقي بتجاوز السطح في التواصل البصري فالعمق وحركته تتأتى من الأحجام والمساحات والفضاءات. 
Mohamad Abla
إن اللون والضوء وعلاقة المساحة بالفراغ وعناصر المكان والزمان والشخوص والأحجام تمنح الثقل والخفة للعمل وتستدرج تفاصيل نحو العمق الفهمي من خلال الامتزاج والتركيب والتدريج وهو ما يدخل بدوره في تحديد قيمة الخيال والتدقيق على التفاصيل الأطر الزمكانية ومدى التوافق في الضوء والظلال والأحجام ما يعطي فيها صبغة التمازج الذي يؤثّر على المفاهيم ورمزياتها. 
Adnan Al-Masri
فالتعامل التعبيري بين الظلال واللون وانكساراتها المتدرجة مع الفراغ تبدو مستفزة في التجارب التجريدية والحروفية من حيث حركتها الهندسية وتعبيراتها المنطلقة باللون وكذلك السريالية التي تحاول اتباع أثر الأمكنة وعلاقاتها بالوقت والزمن وسيرورته الهلامية في التفعيل الوجودي والتفاعلي مع حركة التكوين ومدى شحن الفراغات بالحركة وتطويع الفضاءات بالأحداث وبصخب التجلي العميق الذي يفصلها عن السطح فاللون بتطوراته العميقة يمنح نفسه للفراغ حتى يتوغل في عمق تفاعله ليطرحه بأكثر قيمة معنوية وتجل تعبيري. 
Samia Halabi
إن التعامل الأساسي مع الحركة والجمود والتصور والتفاعل من خلال العناصر الترتيبية لتوليفات المنجز التشكيلي ثير الطاقة الاستيعابية للواقع ومداراته وعلاقته بالخيال الذي يسير في تواتراته نحو التجريب ونحو العمق والخصوصية. *الأعمال المرفقة: متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية Farhat Art Museum Collections
