عام 2018 هو الأفضل للسياحة في مصر منذ الثورة
أشارت عقارب الساعة للواحدة ظهراً، عندما جلس محمد صالح (55 عاماً) أمام متجره لبيع التحف والهدايا التذكارية في منطقة خان الخليلي السياحية، ممسكاً بالجريدة ليحلّ الكلمات المتقاطعة، وهو ينفث دخان شيشته التي تشكِّل سحباً فوق رؤوس عماله الأربعة الذين ينتظرون وصول الحافلات التي تُقل السياح.
فقبل أسابيع من حلول الذكرى الثامنة للثورة المصرية، يرى التاجر الذي يعمل في قطاع السياحة منذ قرابة 20 عاماً، أن السياحة في مصر بدأت تتعافى بشكل تدريجي في القاهرة مرة أخرى، بعد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.
«الوضع الآن أفضل من السابق، ولكن السياحة القادمة حالياً رخيصة، لا تشتري الكثير من البضائع، على عكس السياح قبل 2011″، على حد وصفه.
واضطر صالح للاستغناء عن نصف العمالة في متجره لبيع التحف والهدايا التذكارية في منطقة خان الخليلي السياحية الشهيرة، في قلب العاصمة القاهرة، بعد ثورة 2011، إثر التراجع الحاد للسياحة، أحد أهم قطاعات الاقتصاد المصري، التي تُمثّل أحد أهم موارد العملة الأجنبية لأكبر بلد عربي من حيث عدد السكان.
قبل الثورة كان لدى صالح 8 عمال في البازار (المتجر)، يعملون لفترات تغطي 20 ساعة يوميا طوال 7 أيام في الأسبوع، ولكنه الآن لديه أربعة فقط ويعملون من 12 ظهراً حتى منتصف الليل، وأغلب الوقت ينتظرون مرور سائح ليشاهد أو يشتري المعروضات.
ارتفاع بنسبة 40% للسياح
قالت الدكتورة رانيا المشاط، وزير السياحة، إن أعداد السائحين الوافدين إلى مصر تزايدت بنسبة 40% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 «في دفعة قوية بعد ركود طيلة سنوات».
وأضافت: «لم نصل لتلك المستويات التي شهدتها البلاد في 2010، لكننا نتوقع أن نقترب من ذلك بحلول نهاية 2018».
وأوضحت لشبكة بلومبيرغ الأمريكية، منذ أيام، أن «قطاع السياحة يشهد انتعاشاً كبيراً، ونحاول أن نضع الصناعة على قاعدة تنافسية بالمقارنة مع نظرائنا»، مشيرة إلى تخطيط للإعلان عن صندوق أسهم خاص جديد لتطوير الفنادق، بالإضافة إلى فرص استثمارية جديدة فى جزر البحر الأحمر.
وكانت السياحة تمثل أكثر من عُشر الناتج المحلي الإجمالي لمصر قبل ثورة 25 يناير 2011.
وزار نحو 14.7 مليون سائح مصر في 2010، الأمر الذي حقق عائدات للبلاد بنحو 12.5 مليار دولار، لكن هذا العدد انخفض في 2011 إلى 9.8 مليون سائح بعائدات بلغت 8.8 مليار دولار.
عودة السياح في خان الخليلي
في الطريق إلى شارع خان الخليلي الضيق، الذي تصطف متاجر الهدايا التذكارية على يمينه ويساره، وكانت الحافلات التي تقل السياح تظهر مجدداً الآن أمام ساحة مسجد الحسين. يدخل السياح المساجد الأثرية في المنطقة، وأبرزها الجامع الأزهر وشارع خان الخليلي وسط إجراءات أمنية واضحة.
وتنوعت جنسيات السياح بين الإسبان والجنسيات الآسيوية ذات الملامح الشهيرة والقامة القصيرة، ودفعت الصعوبات الاقتصادية وتراجع السياحة في مصر البالغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، صالح وأقرانه للتساهل مع السياح.
يوضح صالح: «نبيع للسياح بأي عملة يدفعونها، نقرب الثمن من الجنيه المصري إلى أقرب عملة، سواء بالدولار أو اليورو أو الإسترليني، وأيضاً الين واليوان، المهم أن يدفع السائح».
المبيعات أفضل كثيراً
أضاف صالح وهو يشير إلى الممر الضيق المتفرع من خان الخليلي «قبل الثورة كنت لا تستطيع التحرك بحرية في هذا الممر، من زحام السياح الذين كانوا يتوافدون بكثرة على المحلات لشراء الهدايا والتذكارات، أما الآن فتستطيع أن تعد وتحصي عدد البلاطات (الحجارة) في الأرضية».
لكنه استدرك «بفضل الله، الآن يأتي سياح من ألمانيا وإنكلترا وفرنسا، والجديد الصينيون الذين يأتون بعد انتهاء اجتماعاتهم التجارية إلى الخان لشراء الهدايا، والآن بدأنا نرفع حجم بضاعتنا المعروضة».
الشاب محمد علي، الذي يقف في محل صغير لبيع مستلزمات الشيشة (النرجيلة) وبدل الرقص الشرقي والعصي المطعمة بالأحجار والعاج، يقول إن «المبيعات الآن أفضل كثيراً من السنوات القليلة الماضية».
وأضاف الشاب ذو الجسد الضئيل، خفيف الحركة، وهو يحمل مجموعة من البضائع لرصّها أمام المحل الصغير الذي لا تزيد مساحته عن مترين في مترين «السياح الآن أصبحوا شطار في الفصال (المفاوضة).. يجادلون كثيراً في البيع، ولكن المهم لنا أن يشتروا في النهاية».
وتابع الشاب الأسمر «بضائعنا رخيصة بالنسبة إلى عملاتهم، بعد تعويم الجنيه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أصبحت عملتنا لا قيمة لها بالنسبة لهم، ما جعلهم يشترون بكميات كبيرة».
سياح من اليابان
من خان الخليلي، إلى المتحف المصري الذي يقع في ميدان التحرير الشهير، أيقونة ثورة يناير/كانون الثاني، التي كانت أحد أسباب تراجع أعداد السياح، كان المشهد مشابهاً إلى حد كبير.
الحافلات تقترب من المتحف المحاط بتأمين مشدد، ينزل السائحون ويدخلون عبر بوابات إلكترونية على ثلاث مراحل، ثم يقطعون التذاكر، ويدخلون إلى بهو المتحف لمشاهدة الآثار.
وسط مجموعة كبيرة من السائحين بملامحهم الآسيوية، عبرت اليابانية سوكي ببعض الكلمات الإنكليزية البسيطة عن سعادتها في «هذا المكان العظيم».
تقول سوكي (38 عاماً) إنها جاءت مع مجموعة من اليابانيين بعدما «حصلوا على عرض مميز من شركة سياحية لزيارة القاهرة وشرم الشيخ لمدة أسبوع بالانتقالات، بتكلفة 2000 دولار».
لم تخفْ سوكي من زيارة القاهرة «قرأت وبحثت عن الأوضاع في مصر ووجدتها آمنة، قبل 3 سنوات لم أكن أفكر على الإطلاق في تلك الزيارة، بسبب الحادثة الشهيرة للطائرة (طائرة شرم الشيخ)»، التي تسببت في مقتل 239 شخصاً كانوا على متن طائرة ركاب روسية، انفجرت بعد دقائق من إقلاعها من مطار شرم الشيخ، في اليوم الأخيرة من أكتوبر/تشرين الأول 2015.
أفضل سنة للسياحة منذ 2010
في مدينة دهب السياحية على البحر الأحمر في جنوب سيناء، عادت البضائع المستوردة مرة أخرى هذا العام إلى متجر محمد سيد، بعد أن غابت لسنوات بسبب تراجع السياحة، في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وما تلاها من اضطرابات أمنية وسياسية، كانت ذروتها سقوط الطائرة الروسية قبل ثلاث سنوات.
يمتلك سيد (42 عاماً) متجراً صغيراً لبيع البقالة في قلب مدينة دهب منذ 20 عاماً، وعاصر كل التغيرات السياسية والأمنية التي شهدتها المدينة السياحية، بدءاً من تفجيرات دهب عام 2006، وحتى سقوط الطائرة الروسية، مروراً بثورة يناير/كانون الثاني 2011 وتبعاتها.
عانى محمد من غياب السياح وما نتج عنه من تأخر سداد الإيجار لعدة أشهر، كحال كثيرين من العاملين في ذلك القطاع، الذي كان أحد أهم مداخل العملة الأجنبية إلى الاقتصاد المصري.
يقول سيد في اتصال هاتفي مع «عربي بوست» إنهم يتوقعون موسماً سياحياً جيداً، يبدأ مع بداية شهر ديسمبر/كانون الأول، وهي فترة إجازات أعياد الميلاد للمسيحيين الغربيين، وبداية يناير للمسيحيين الشرقيين.
وأوضح أن 2018 هي أفضل سنة للسياحة منذ عام 2010، مبرراً ذلك بـ «عودة السياحة الإسرائيلية بكثافة مرة أخرى إلى دهب وطابا ونويبع بعد غياب سنوات».
وأضاف: «نستطيع تقسيم أنواع السياح القادمين إلى دهب، الأول هم المصريون سواء طلاب الجامعات أو الرحلات الصغيرة التي تأتي لمدة 3 أيام، والنوع الثاني هم فلسطينيو الداخل، الذين يأتون بكثرة في فترة الأعياد ويحجزون أسبوعاً كاملاً أو أكثر، والنوع الثالث سياح روس وأوكرانيون وألمان يأتون ترانزيت لعدم عودة الطيران المباشر إلى شرم الشيخ».
أما تامر حسن، مالك شركة سياحة في مدينة شرم الشيخ، فيرى أن «العام 2018 هو الأفضل سياحياً في شرم منذ سقوط الطائرة الروسية 2015، إذ كان العمل منتظماً ومستقراً بشكل كبير بعد 2011 على عكس القاهرة وباقي المدن».
يقول حسن البالغ 48 عاماً في اتصال هاتفي مع «عربي بوست»، إنهم لم يتأثروا بتفجيرات شرم الشيخ عام 2005، بعد أن حضر الرئيس حسني مبارك في اليوم التالي، وكانت رسالة طمأنة للسياح، ولكن حادثة الطائرة في 2015 «كانت قاصمة (ضربة موجعة) بعد أن راهنا على الموسم السياحي وقتها».
فترة عصيبة مرّت بهؤلاء
يتذكر الرجل طويل القامة الفترة التي وصفها بالعصيبة «كثير منا كانت عليهم ديون متراكمة، البعض لم يحتمل وغادر شرم الشيخ التي تحولت إلى مدينة أشباح، أما نحن الشرماوية (سكان شرم) فقد تمسكنا بالمدينة لأننا نعرفها جيداً، ونعرف أنها ستعود أقوى».
وأوضح حسن أن نسبة الإشغال الآن في فنادق ومنتجعات شرم الشيخ تصل إلى 70%، ولكن أغلبها بسبب المؤتمرات التي تعقد في المدينة مثل منتدى شباب العالم ومؤتمر البيئة، إلى جانب مؤتمرالكوميسا، في ديسمبر/كانون الأول 2018″.
حفلات لأبرز النجوم
وقال عاملون في شرم الشيخ إن نسبة الإشغال في ازدياد مع موسم أعياد الكريسماس ورأس السنة، أغلبهم من السياح الأجانب.
وقال حسن إن «أحد الفنادق الكبرى يقيم حفلاً لعمرو دياب، يوم 30 ديسمبر، وآخر لتامر حسني يوم 1 يناير سعر التذكرة للحفل الواحد تصل إلى 10 آلاف جنيه، ويشترط أن يكون من نزلاء الفندق لمدة ثلاث ليال على الأقل».
بدأت مظاهر الحياة السياحية تعودة بقوة إلى شرم الشيخ، بحسب تامر حسن، إذ يقول «أربعة فنادق أعادوا الافتتاح مرة أخرى مطلع هذا العام، بعد إغلاق دام 3 سنوات، كما أن الفنادق الكبرى الشهيرة لديها حجوزات حتى إجازة منتصف العام، في فبراير/شباط المقبل، وفنادق أخرى بدأت رفع السعر على المصريين حتى توفر غرفاً للسياحة الأجنبية».
الجنسيات الأكثر زيارة لشرم الشيخ بحسب الحجوزات لدى شركة تامر حسين حالياً هي الإيطالية، وتليها الأوكرانية والألمانية.
أما السياحة الروسية فسوف تصل شرم الشيخ الشهر المقبل، ولكن ليس عبر المطار، وإنما ترانزيت مطار إيلات الإسرائيلي، ومنه إلى داخل شرم الشيخ عبر الحافلات.
الأقصر سعيدة
ومن شواطئ دهب وشرم الشيخ إلى جنوب مصر، وتحديداً مدينة الأقصر، التي تحتضن ما يقرب من ثلثي آثار العالم، وكانت عاصمة لمصر القديمة.
قال مدير أحد الفنادق الشهيرة على نيل الأقصر، الذي طلب عدم نشر اسمه، في اتصال هاتفي مع «عربي بوست»، إن «الأقصر وأسوان لم تتأثرا بشكل كبير بتراجع السياحة كالقاهرة أو المنتجعات السياحية الشاطئية على البحر الأحمر، نظراً لهدوئها واستقرارها أمنياً».
وتابع «لم نشهد في الأقصر احتجاجات أو حوادث إرهابية كالقاهرة. الإشغالات في الفنادق الآن جيدة بفضل تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الشهر الفائت، واحتفالات الكريسماس ورأس السنة الشهر المقبل».
ويتفق الباحث الاقتصادي محمود كمال مع الآراء التي تتحدث عن تعافي قطاع السياحة في مصر، بعد سنوات من التدهور وعدم الاستقرار.
قال كمال في اتصال هاتفي مع «عربي بوست» إن هناك عدة أسباب ساهمت في تعافي هذا القطاع، أبرزها زيادة التأمين في المطارات بعد حادث شرم الشيخ، والترويج في خارج مصر لبرامج السياحة.
وأضاف «من أبرز تلك الأسباب أيضاً قرار تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار قبل عامين (التعويم)، ما ساهم في زيادة عدد الليالي التي يقضيها السائح في مصر نظراً لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار».
لا ينتقد كمال السياحة «الرخيصة» كما أطلق عليها عدد من العاملين في الفنادق والبازارات، بل يقول إنها «ساهمت في حماية عدد من المنشآت السياحية من قرار الإفلاس والغلق.
أرقام مشجعة
وزادت أعداد السائحين في مصر بنسبة 40%، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، في دفعة قوية بعد ركود طيلة سنوات في أعقاب انتفاضات الربيع العربي.
وتشهد مدن مثل الأقصر وأسوان توافد الكثير من السياح، حتى إن بعض الفنادق تم حجزها بالكامل.
وقالت مجموعة ترافكو للسياحة المصرية، لوكالة رويترز، إنها رفعت أسعارها بمصر بين 30 و35% بداية من الموسم الشتوي الحالي.
وقال الرئيس التنفيذي للمجموعة إن مستوى الحجوزات السياحية، خلال موسم الشتاء الحالي، لقضاء العطلات في مصر واعد، خاصة من أسواق ألمانيا وإيطاليا وبولندا وأوكرانيا.
واستأنفت أغلب الدول الغربية والشرقية رحلاتها إلى مصر، وعلى رأسها روسيا، إذ استقبل مطار القاهرة الدولي، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أفواجاً سياحية قادمة من الصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وبولندا، لزيارة المعالم السياحية والأثرية في القاهرة الكبرى والمحافظات المصرية.
وكان عام 2017 قد شهد تخطي عدد السياح الوافدين إلى مصر حاجز 8.3 مليون سائح، بعائدات تقدر بنحو 7.6 مليار دولار، وفقاً لمؤشرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، بزيادةٍ قدرها 44% مقارنة بعام 2016، حيث بلغ عدد السياح 5.3 مليون سائح فقط.