عام على حكم عمران خان لباكستان.. العملة المحلية تراجعت والتضخم يؤلم المواطنين
محمد طارق، واحد من ملايين الباكستانيين الذين صوّتوا في انتخابات يوليو 2018 لصالح رئيس الوزراء عمران خان، وحملته الانتخابية من أجل بناء دولة إسلامية خالية من الفساد تحظى بالرفاهية، وتوفر فرص عمل أفضل، وخدمات مدنية.
لكن بالنسبة إلى طارق، سارت الأمور «من سيئ إلى أسوأ» خلال العام الأول لحكومة خان. وخلافاً لسلفه رئيس الوزراء المنتخب ثلاث مرات نواز شريف، ورث خان اقتصاداً مستقراً نسبياً بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 5.4%، وتراجعاً في حدة أزمة الطاقة، وتحسناً في إنفاذ القوانين بشكل كبير في البلاد.
العملة فقدت 30% من قيمتها
علاوةً على ذلك، يتمتع خان بعلاقة طيبة مع جيش البلاد القوي، الذي ظلت علاقاته سيئة بالحكومتين السابقتين. ورغم كل هذا، انخفضت الروبية الباكستانية منذ ذلك الحين مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 30%، وارتفعت معدلات التضخم إلى رقم مزدوج (تجاوزت 10%)، ومن المرجح أن ترتفع بضع نقاط مئوية أخرى في الأشهر المقبلة، وفقاً للمصرف المركزي للبلاد.
وعلى عكس وعوده الانتخابية، شهدت أسعار الكهرباء والغاز والنفط عدة ارتفاعات، في محاولة للحد من العجز المزمن لميزان المدفوعات في البلاد.
قروض بمليارات الدولارات
بالإضافة إلى ذلك، اقترضت الحكومة 16.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والسعودية، والإمارات، والصين، وقطر لدعم احتياطيات النقد الأجنبي المنخفضة، ومعالجة أزمة تضخم ميزان المدفوعات.
يقول طارق، الذي يعمل في شركة توفر خدمات سيارات الأجرة عبر الإنترنت في العاصمة التجارية للبلاد كراتشي: «لم أكن أتوقع أن يقوم (خان) بمعجزة، لكن كان ينبغي أن يكون هناك بعض الارتياح في حياتنا».
ويضيف طارق، في حديث للأناضول: «بدلاً من الارتياح ساءت الأمور العام الماضي، ارتفعت أسعار كل شيء، الخضراوات والأدوية والبنزين والكهرباء؛ ما جعل من الصعب علينا تحمل تكاليفها».
خيبة أمل كبيرة
ويتفق مع طارق في الرأي، عمران علي، وهو أحد سكان العاصمة إسلام آباد، وصاحب قصة مماثلة ليرويها. ويقول عليّ، وهو موظف في شركة للهاتف المحمول: «أشعر بخيبة أمل كبيرة إزاء خان، الذي لم يفِ حتى بوعد واحد خلال العام الماضي».
ويشير في حديث للأناضول إلى أنه صوّت لصالح خان بناءً على موقفه المؤيد للتغيير، معتبراً أن الأخير «أخفق في تحقيقه على الأقل خلال عامه الأول في السلطة».
ويلفت عليّ (35 عاماً) وهو أب لطفلين ويعيش بشقة مستأجرة في حي بسيط نسبياً، إلى أن ارتفاع التضخم «أضر بشدة بميزانيته الشهرية».
ويتابع: «لم تحدث أي زيادة في راتبي، لكن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بنسبة تتراوح بين 50% – 100% خلال العام الماضي، لقد أخذت الأمور في التدهور بشكل بائس بالنسبة للطبقة التي تعمل مقابل أجر».
البعض لا يزال يراه قادراً على صنع المعجزات
لكن على النقيض، لا يزال بعض مؤيدي خان يعتقدون أن بطل الكريكيت السابق يمكنه أن يصنع المعجزات في السنوات المقبلة. وفي هذا الصدد، يوضح اقتدار شميم، وهو مدير شركة بناء في كراتشي: «أقر بأن الأمور ليست مُرضية كما ينبغي أن تكون، لكنها ليست سيئة بقدر ما يجري تصويرها».
ومتهماً الحكومة السابقة بتخريب الاقتصاد، يضيف: «لقد ورث خان اقتصاداً منهاراً. لم يكن أمامه خيار آخر سوى زيادة أسعار الغاز والطاقة والبنزين وغيرها من السلع الأساسية، لإنقاذ الاقتصاد من كارثة كاملة». ويردف: «متأكد من أن الأمور ستكون أفضل بكثير بحلول نهاية عامه (خان) الثاني».
خان استبدل فريقه الاقتصادي بالكامل
وإثر إخفاق فريقه الاقتصادي في إعادة اقتصاد البلاد المتأرجح إلى مساره الصحيح، اضطر عمران خان إلى استبدال الفريق بالكامل، وأبرزهم وزير المالية السابق أسد عمر.
ويضم فريقه الجديد موظفين سابقين في صندوق النقد الدولي، بمن فيهم القائم بأعمال وزير المالية عبدالحفيظ شيخ، الذي شغل المنصب في الحكومات السابقة للحاكم العسكري السابق برويز مشرف، وحكومة «حزب الشعب الباكستاني» (يسار وسط). وكان محافظ البنك المركزي الذي عُين مؤخراً، باقر رضا، يشغل منصب الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في مصر.
وقالت المعارضة إن نحو نصف مليون باكستاني فقدوا وظائفهم بالفعل العام الماضي، وسط انكماش اقتصادي مستمر.
أداء أقل من المتوسط
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي شهيد حسن صديقي، المقيم في كراتشي، أنه «على الصعيد الاقتصادي، كان أداء حكومة عمران خان العام الماضي أقل من المتوسط».
ويشير، في حديث للأناضول إلى أنه بالمقارنة مع معدل النمو السابق البالغ 5.4%الذي ورثته الحكومة عن سابقتها، بلغ معدل النمو الحالي بالبلاد 3.3%، بينما قفز التضخم من 3.9 إلى أكثر من 10%. ويلفت إلى أن متوسط معدل النمو لهذا العام والعامين المقبلين من المرجح أن يكون أقل من معدل نمو 5.4% الذي تحقق عام 2018.
كما يوضح أن «الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض بنسبة 45% (هذا العام) مقارنة بالعام الماضي، وانخفض معدل الزيادة في الضرائب، وارتفاع الدين الداخلي والخارجي أعلى بكثير من متوسط النمو في السنوات العشر الماضية». ويتابع: «على الرغم من الانخفاض الهائل في قيمة الروبية، لم تحدث زيادة في صادرات البلاد، وهو مؤشر آخر يدعو للقلق».
الحكومة نجحت في خفض العجز التجاري
ومع ذلك، يشيد صديقي بالحكومة لأنها حققت انخفاضاً كبيراً في العجز التجاري والعجز في الحساب الجاري، وهو ما يُعزى بالأساس إلى انخفاض الواردات. وينوّه الخبير الاقتصادي الباكستاني بأنه كانت هناك بعض الزيادة في التحويلات الأجنبية خلال العام الماضي.
في المقابل، أفاد مساعد رئيس الوزراء لشؤون الإعلام، افتخار دوراني، بأن الحكومة كانت تهدف لإرساء اقتصاد مترنح جراء قروض أجنبية ثقيلة وأزمة في ميزان المدفوعات، ما اضطرها إلى زيادة أسعار الغاز والبنزين والطاقة.
ويضيف: «اضطررنا إلى اتخاذ قرارات صعبة لإنقاذ الاقتصاد. لكن هذه القرارات الصعبة لم تؤثر على الفقراء إلى حد كبير». ويقول مفسّراً: «أسعار السلع الأساسية ارتفعت بلا شك، ولكن فقط بالنسبة لأولئك الذين كانوا يستطيعون تحمل تكلفتها في الماضي ويمكنهم تحمل تكلفتها اليوم أيضاً».
كما ينوّه بأن الحكومة دفعت قرابة 10 مليارات دولار في خدمة الديون (سداد فوائد الديون)، بالإضافة إلى تجديد العديد من الشركات التي تديرها الدولة. غير أن صديقي يعارض ما قاله دوراني بشأن وراثة حكومة خان اقتصاد فقير عن الحكومة السابقة.
ويمضى: «بالطبع كانت هناك بعض المشكلات، لكن الاقتصاد كان في حالة أفضل بكثير مقارنة بالاقتصاد الذي ورثته إدارة مشرف عن حزب الشعب الباكستاني عام 2008».
ويختتم بالقول: «حكومة عمران خان، التي ورثت عجزاً في الحساب الجاري بنسبة 5.4% من حكومة شريف، اقترضت – ليس فقط من صندوق النقد الدولي- بل أيضاً من السعودية، والإمارات، والصين، والبنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي».