عامل بمنزل أمير سعودي سرق ماسة زرقاء و90 كيلو خواتم وأساور مرصّعة بالياقوت والألماس.
آنذاك بَدَت خطةً مثاليةً. كان بستانياً تايلاندياً متواضعاً يعمل لدى أمير سعودي ثريّ كان يملك أكثر مما يحتاج إليه من الجواهر الثمينة. الزمن عام 1989، الحدث اندلاع حرب سُميت حرب الماسة الزرقاء بين السعودية وتايلاند والتي راح ضحيتها 18 شخصاً، بينهم أربعة سعوديين.
أصبحت هذه القصة مادة للأساطير، عملية سرقة جنونية حتى بالنسبة للأفلام السينمائية ووضعت معياراً جديداً لمخطَّطات «الثراء السريع».
كان البستاني كيرانجكراي تيتشامونج يملك سبيل الوصول إليها، والثقة الكافية بالنفس، واستراتيجية خروج. بالتأكيد لن يتأثر الأمير فيصل بن فهد بفقدان القليل منها، و «القليل» هنا يعني جواهر تقدَّر بنحو 20 مليون دولار كان كريانجكراي يضع عينه عليها، حسب تقرير موقع”ديلي بيست” الأمريكي.
لقد وقعت عينا البستاني على كمية هائلة من المجوهرات التي كانت بحوزة الأمير. فخطط لسرقة بعضها ظناً منه أن الأمير لن يلحظ ذلك.
استطاع البستاني التسلل إلى غرف النوم عند غياب أصحابها، ليسرق المجوهرات على دفعات كبيرة، ووصل مجموع ما سرقه إلى 90 كيلوجراماً من القلادات والخواتم والأساور المصنوعة من الأحجار الكريمة والذهب، وساعات مرصعة بالياقوت والألماس، حسب شبكة BBC.
خطته اشتملت على فراره إلى وطنه الأم
نجح كريانغكراي في البداية، مع أن خطته اشتملت على فراره إلى وطنه الأم، فهو لم يتوقَّع أن يتلافى جميع الشبهات. لكن فور عودته إلى تايلاند، تدهورت الأمور تدهوراً كبيراً وعلى نحو سريع.
استمرَّت توابع هذه القضية لما يزيد على عقدين من الزمان. وفي أعقاب السرقة، ازدادت قائمة شخصياتها لتضمَّ مسؤولين تايلانديين سيِّئي السلوك، ومحقِّقين سعوديين قتلى، وشرخاً دبلوماسياً عميقاً بين الدولتين.
في النهاية، لم يواجه أيٌّ من المشتركين في القضية تقريباً أية عواقب، وما زالت كميةٌ كبيرةٌ مما سُرِق مفقودةً، بما فيها ألماسة زرقاء بوزن 50 قيراطاً يُقال إنها أكبر من «ماسة الأمل» الشهيرة.
يضيف موقع The Daily Beast أنه ذات ليلة، تحت ستار الظلام، بدأ البستاني تطبيق خطته. تسلَّق السور الخارجي للقصر، وتسلَّل إلى الداخل عبر أحد نوافذ الطابق الثاني، وأخذ 90 كيلوغراماً من المجوهرات من خزنة العائلة.
ومع أنه لم يُفصَح عن التفاصيل الدقيقة للسرقة، فتزعم بعض الروايات أنه انسلَّ هارباً بما سرقه عن طريق تخزينها في كيس مكنسة كهربائية وجرِّها إلى الخارج. (لم يكن أحد ليشكَّ فيه لو رآه؛ ففي بعض الأحيان كان كريانغكراي يؤدي دور عامل القصر).
ليس الماسة الزرقاء فقط
استولى على غنيمةٍ لم تكن تشمل فقط الماسة الزرقاء الشهيرة، وإنما أيضاً قلادةً من الياقوت الأزرق بقيمة مليونَي دولار، وقلادةً نادرةً من الألماس الأخضر، وعدَّة ساعات ذهبية، ووفقاً لصحيفة The Washington Post، «ياقوتات بحجم بيض الدجاج».
بغض النظر عن طريقة تهريبه لغنيمته خارج القصر، فلم يضيِّع كريانغكراي أي وقت في الابتعاد بها عن مسرح الجريمة. إذ شحنها إلى تايلاند من خلال شركة DHL وتبعها إلى هناك بُعَيد ذلك بقليل.
وسرعان ما اكتُشِفت السرقة، ولما حدث هذا، كان من الواضح هوية المسؤول عنها. وتواصل السعوديون مع المسؤولين في تايلاند، الذين ألقوا بدورهم القبض على كريانغكراي.
لكن المجوهرات لم تعد بحوزته. فبعد الوصول إلى وطنه، باع كريانغكراي غنيمته -بأقل بكثير من قيمتها الحقيقية- إلى صائغ يُدعى سانثي سيثاناكان. وأسرع بالإفصاح عن اسم تاجره في مقابل تخفيف الحكم عليه.
هنا تنتهي القصة في أنجح تحقيقات السرقة. إذ يُلقى القبض على مرتكبي الجريمة، وتُستَرجع السلع المسروقة، وتعود الحياة إلى مجراها. لكن هذه هي قضية الماسة الزرقاء، حيث لا يتبع أي شيء الوصفة المعهودة.
استعاد المسؤولون التايلانديون كنز السعوديين المفقود وأعادوه إلى مالكه الشرعي. لكن الأمير اكتشف أن 20% فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه حقيقية، أما الباقي فمزيفة.
تم استرداد المسروقات.. لكن بعضها كانت زوّرت
اتُّهم مسؤول بارز باختلاس بعض المجوهرات، وتم استردادها منه وأعيدت للأمير عام 1991، إلا أن الكمية كانت صغيرة، ولم تكن الماسة الزرقاء من بين المجوهرات المستردة.
أثناء اكتشاف السعوديين أن مجوهراتهم الثمينة كانت في الحقيقة قطعاً زائفةً عديمة القيمة، بدأت زوجات بعض كبار المسؤولين التايلانديين يظهرن في الحفلات في أنحاء البلاد وهن يرتدين ما يُزعَم أنها إكسسوارات جديدة بدت شبيهةً على نحو مريب بالمجوهرات المعروفة سابقاً بكونها مجوهرات الأمير فيصل.
كانت إهانةً سافرةً ما كان السعوديون ليتجاهلوها. فقرروا إرسال مجموعة من المبعوثين إلى تايلاند لمحاولة التوصُّل إلى حقيقة الأمور.
في الأول من فبراير/شباط 1990، قُتِل 3 من الدبلوماسيين السعوديين الوافدين حديثاً إلى بانكوك في ظروف غامضة. وفي وقتٍ لاحق من ذلك الشهر، اختفى المندوب الرابع -وهو رجل أعمال سعودي- ويُفتَرض أنه لقي المصير نفسه.
وكمعظم مفاجآت قضية الماسة الزرقاء، لم تُكشف الحقيقة وراء هذه الاغتيالات قط. يزعم السعوديون أن أفراد الشرطة التايلانديين المتورطين في عملية السرقة المستمرة هم المسؤولون عن جرائم القتل. وليس من الواضح إن كان هذا صحيحاً، إذ اقترحت برقية أمريكية سرية أُرسلت عام 2010 أن حزب الله ربما هم من ارتكبوا هذه الجرائم، لكن ليس معنى هذا أن السلطات التايلاندية بريئة.
مع استمرار إزالة آثار الفضيحة، ومع تهديد سُمعة عديد من كبار المسؤولين التايلانديين وحريتهم، واصلوا التستُّر على أية أخطاء اقترفوها.
عام 1994، اختُطِف تاجر المجوهرات سانثي لثلاثة أيام، وقد كان شاهداً أساسياً في القضية نظراً لقدرته على تحديد أسماء المشترين. وفي العام نفسه، عُثِر على جثَّتَي زوجته وابنه في سيارة.
في حوار مع The New York Times عام 1994، صرح محمد سعيد خوجة، أحد كبار الدبلوماسيين السعوديين في تايلاند، قائلاً: «الشرطة هنا أكبر من الحكومة نفسها. أنا مسلم، وما زلت هنا لشعوري بأنني أصارع الشياطين».
ومع تواصل أحداث القصة العارمة، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وفقد العمال التايلانديون في السعودية تصريحات عملهم ورُحِّلوا إلى بلادهم.
فيما قلَّلت المملكة السعودية تعاملاتها الدبلوماسية مع الدولة. وحتى عام 2010، ظَل آلاف المسلمين التايلانديين مُهمَلين بانتظار الحصول على تأشيرات سفر لأجل الذهاب إلى مكة لتأدية فروض الحج. وبدا أن السعوديين كانوا يمارسون الضغط بالتأشيرات مبرِّرين ذلك بـ «أسباب فنية».
لو كان هذا أحد أفلام السرقة، لتحقَّقت العدالة في هذه النقطة، ولقُدِّمت الحلول، ولعُثِر على ماسة زرقاء نادرة بوزن 50 قيراطاً، ولعادت الأمور إلى نصابها.
لكن عمليات السرقة في عالم الواقع أكثر تعقيداً.
موظفون حكوميون بين العصابة التي سرقت
في النهاية وُجِّهت تهمٌ لخمسة شرطيين، ولكن ما أثار غضب السعوديين أن رُفِضت الدعوى ضدهم عام 2015 بموجب عدم وجود أدلة كافية.
ما زالت الماسة الزرقاء مفقودةً، بينما بيعت أخواتها بملايين الدولارات في المزادات. (في 2016، أصدرت CNN تقريراً عن وجود «هوسٍ» ما بماسةٍ زرقاء في عالم المزادات. وفي نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، بيعت نسخة منها بوزن 12.03 قيراط باسم «القمر الأزرق» مقابل 48.4 مليون دولار).
ربما الطرف الوحيد في القصة الذي وجد السلام هو الرجل الذي بدأها كلها.
فقد كشفت مجلة Foreign Policy الأمريكية عام 2016 أن كريانغكراي قد قرَّر الترهبن. وكان الحكم الذي تلقاه نظير جريمته خفيفاً إلى حد ما؛ إذ قضى البستاني السابق 3 سنوات من فترة سجنه. لكن لا يعني هذا أنه لم يتعرض لأنواع أخرى من العقاب أيضاً، كما هي عادة القصص الخرافية عن الألماس المسروق ولَعناته.
وقال كريانغكراي في حديث مع Foreign Policy: «أنا واثق أن جميع مصائبي هي نتيجة لعنة من الماسة السعودية التي سرقتها، لذا قررت الترهبن لبقية حاتي من أجل التكفير عن أخطائي».
وكما ذكر المقال، فهو ربما لم يطهِّر روحه من هذه القضية بالكامل. فبعد أن صار راهباً بوذياً، أُعطي كريانغكراي اسماً جديداً. وهو يُعرف الآن بـ «صاحب المعرفة عن الألماس».