عاد الأذان بالعربية وأدخل بلاده حلف الناتو.. كل ما تريد معرفته عن عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي الذي انقلب عليه الجيش قبل 58 عاماً
في مثل هذا اليوم، 27 مايو/أيار، قبل 58 عاماً، عاشت تركيا ما يعتبره قطاع واسع من أبنائها “أسوأ يوم في تاريخ ديمقراطيتها”؛ إذ شهد انقلاب الجيش على رئيس الوزراء، عدنان مندريس، قبل إعدامه، بالرغم من إنجازاته السياسية والاقتصادية، وخصوصاً في مجال الحرية الدينية، على مدار 10 سنوات من الحكم.
المولد والنشأة
ولد علي عدنان مندريس عام 1899 في ولاية أيدين (غرب)، من أب يدعى أدهم، وأم تدعى توحيدة، وعقب وفاة والديه وشقيقته وإنهائه دراسته انتقل إلى مزرعة في قرية “تشاكير بيلي”، ورثها عن جده.
وفي 1928 تزوج مندريس من السيدة “فاطمة برين”، وهي تنتمي إلى أسرة معروفة في ولاية إزمير الساحلية (غرب)، ورزق منها بثلاثة أطفال ذكور هم “يوكسال”، و”موتلو”، و”أيدن”.
الحياة البرلمانية
كان مندريس عضواً في حزب “الشعب الجمهوري”، الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، وأصبح نائباً عن الحزب إثر انتخابات عام 1931، وفاز بالمنصب في ثلاث مرات متتالية بعدها، آخرها في انتخابات عام 1943.
وفي 7 يونيو/حزيران عام 1945، قدم مندريس مع 3 نواب آخرين عن “الشعب الجمهوري”، وهم فؤاد كوبريلي، جلال بيار ورفيق كورالتان، اقتراحاً إلى الكتلة البرلمانية لإزالة المواد المناهضة للديمقراطية في النظام الأساسي للحزب، وهو ما يُعرف في الحياة السياسية التركية بـ”التقرير الرباعي”.
وفي 21 سبتمبر/أيلول 1945 قرر ديوان الحزب، الذي اجتمع برئاسة رئيس الوزراء آنذاك، شكري سراج أوغلو، إبعاد مندريس وكوبريلي عن الحزب، لدفاعهما عن الديمقراطية في البلاد.
ولاحقاً، أبعد الحزب كورالتان، عقب انتقاده قرار إبعاد مندريس وكوبريلي، فيما استقال بيار، بعد رفض الحزب مقترحاً لتعديل المادتين 17 و50 المقيدتين لحرية الصحافة.
تأسيس الحزب “الديمقراطي”
أُسس الحزب “الديمقراطي” في 7 يناير/كانون الثاني 1946، على أيدي جلال بيار، عدنان مندريس، فؤاد كوبريلي ورفيق كورالتان، إثر تلك الخلافات في “الشعب الجمهوري”.
في العام نفسه، فاز “الشعب الجمهوري” بالانتخابات البرلمانية، وحصل مندريس على مقعد برلماني عن حزبه الجديد، إلا أنه طالب بإلغاء النتائج بسبب أعمال تزوير، ولم تتم الاستجابة للطلب.
قررت حكومة حزب “الشعب الجمهوري” إجراء تعديلات على قانون الإعلام، لكنها اقتصرت على المادة 50 من القانون، وهو ما عرضه للانتقادات، وطالب مندريس بأن يشمل التغيير المواد المقيدة لحرية الفكر والتعبير.
الفوز بانتخابات 1950
حصل الحزب “الديمقراطي” على 53% من أصوات المقترعين في انتخابات 14 مايو/ أيار 1950، ما مكنه من حصد 84% من مقاعد البرلمان.
وفاز مؤسسو الحزب الأربعة بمقاعد برلمانية.
وصف مندريس فوز حزبه بالانتخابات قائلاً: “سيُذكر يوم 14 مايو دائماً باعتباره يوماً تاريخياً استثنائياً، أنهى حقبة وبدأ حقبة جديدة. سنذكر هذا اليوم على أنه يوم نصر ليس لحزبنا فقط، ولكن للديمقراطية التركية”.
بعد الانتخابات اختارت الكتلة البرلمانية للحزب “الديمقراطي” جلال بيار رئيساً للجمهورية، وكلف بدوره مندريس بتشكيل الحكومة.
شكل مندريس حكومته في 22 مايو/أيار 1950، وأعلن برنامجه في 28 من الشهر نفسه.
عودة الأذان بالعربية
خلال تولي حزبه الحكم، أنهى مندريس سياسات عديدة لم تكن مقبولة لدى الشعب التركي، حيث سمح برفع الأذان باللغة العربية، بعد 18 عاماً من حظر بدأ في 1932.
كما أعاد مندريس مادة التربية الدينية إلى المناهج التعليمية، بعد منعها بدعوى علمانية المؤسسات التعليمية.
وبدأ تدريس مادة التربية الدينية اعتباراً من السنة الرابعة للمرحلة الابتدائية، بشرط أن يطلب ذلك أولياء أمور الطلاب.
الحرب الكورية وعضوية الناتو
قررت حكومة مندريس، في 25 يوليو/تموز 1950، إرسال قوة عسكرية تركية إلى كوريا الجنوبية، لمساعدتها في الحرب ضد جارتها الشمالية.
وهو قرار انتقده حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، لـ”عدم استشارة الحكومة للحزب وللبرلمان”.
حقق الجنود الأتراك نجاحاً عسكرياً في كوريا الجنوبية، ما لعب دوراً مهماً في حصول أنقرة على عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في 1952.
تنمية اقتصادية كبيرة
منذ اليوم الأول لوصوله للسلطة، انتهج مندريس سياسة اقتصادية ليبرالية، وشهدت تركيا في عهده تنمية اقتصادية كبيرة، وانتقلت إلى اقتصاد السوق الحر.
ورفعت حكومة مندريس جميع القيود أمام الواردات، وخفضت نسبة الفائدة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار.
وأقرت الحكومة تعديلات قانونية لخصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية، بهدف تشجيع دخول الأموال الأجنبية إلى تركيا.
واستفادت الحكومة من مخصصات “مشروع مارشال” الأميركي، لبناء منشآت صناعية جديدة في تركيا، كما تم تأسيس بنك “وقف” التركي، في 1954.
وخلال هذه الفترة حقق الناتج القومي الإجمالي لتركيا نمواً بنسبة 9 بالمئة.
محاولة “خنق” مندريس
وقعت أحداث واحتجاجات بين طلاب؛ جراء أخبار كاذبة تناقلها الإعلام آنذاك، وكان أكبرها في ميدان “قزل آي” وسط العاصمة أنقرة، في 19 أبريل/نيسان 1960.
وفي 5 مايو/أيار اجتمع الطلاب مجدداً في “قزل آي”، فذهب مندريس إلى الميدان الذي يحتجون فيه ضده، واختلط بين المتظاهرين.
في هذه الأثناء لفّ شاب يديه حول عنق مندريس محاولاً خنقه، فسأله مندريس: “ماذا تريد (؟)”.
وأجاب الشاب: “أريد حرّية”، فرد مندريس: “أنت الآن تلفّ عنق رئيس للوزراء.. هل توجد حرية أفضل من هذه (؟!)”.
وفي مظاهرة بجامعة إسطنبول، قُتل شاب برصاص الشرطة.
وتناقلت وسائل إعلام أخباراً كاذبة ادعت أن مندريس “جمع الطلاب وفرم لحمهم في مفرمة، وألقاها على قارعة الطريق”.
وهو ما أثار ضجة كبيرة في تركيا، ولم تُكشف حقيقة هذا الادعاء الكاذب إلا بعد انقلاب 1960.
الانقلاب العسكري
في صباح 27 مايو/أيار 1960، أعلنت لجنة الاتحاد الوطنية، التي تشكلت من 38 جنرالاً وضابطاً من القوات المسلحة التركية، وضع يدها على السلطة في البلاد.
كان مندريس يقوم بجولة في ولاية كوتاهيا، في اليوم نفسه، فألقي القبض عليه واقتيد إلى أنقرة، وبعدها سُجن مع باقي كوادر حزبه في جزيرة “ياسسي أدا” ببحر مرمرة.
بدأت محاكمة مندريس، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1960.
وفي 15 سبتمبر/أيلول 1961، حكم القاضي بإعدام كل من: مندريس، حسن بولات قان وفطين رشدي زورلو.
وبعد 29 عاماً، صادق البرلمان التركي، في 11 أبريل/نيسان 1990، على قانون أعاد فيه الاعتبار إلى عدنان مندريس وأصدقائه الذي أعدموا معه.
وبموجب هذا القانون، نُقل رفات مندريس، بولات قان وزورولو من جزيرة “إمرالي” في بحر مرمرة، ودفنوا بمراسم رسمية في شارع الوطن بإسطنبول، يوم 17 سبتمبر/أيلول 1990.