طبول الحرب تُقرع في أحد آخر معاقل المعارضة بسوريا.. النظام كلّف أشرس قادته بالمعركة وتفاهمات روسية أميركية تحدد مصير الجنوب
عادت درعا إلى واجهة الأحداث مجدداً بعد أن باتت قوات النظام السوري والقوات المتحالفة معها على أعتاب المدينة التي يُطلق عليها “مهد الثورة”، على الرغم من وجود المنطقة ضمن اتفاقية تضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والأردن بمراقبة إسرائيلية شديدة.
النظام السوري بدا متحمساً بعد أن قضى على خصومه بمساعدة روسية، منتقلاً من منطقة إلى أخرى، دون أن تحرك المعارضة السورية ساكناً، وكأنها استسلمت لمصيرها المحتوم، حيث باتت تعوّل على الموقف الأميركي فقط لوقف التحركات العسكرية ضدها.
التذكير بمصير سكان الغوطة الشرقية بعد التهجير
بدأ النظام في التحضير للمعركة عبر إلقاء مروحياته مناشير ورقية على مناطق متفرقة في درعا، تحتوي على صور لسكان الغوطة الشرقية بريف دمشق أثناء رحيلهم إلى الشمال السوري، وكتب عليها تعليق: “إخوانكم في الغوطة الشرقية اتخذوا قرارهم الصحيح وشاركوا الجيش العربي السوري بإخراج المسلحين من بلداتهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية”.
وأوضح خالد أبازيد من درعا البلد أن عمليات إلقاء المناشير ما زالت مستمرة، وقال لـ”عربي بوست”: “يدعونا لمساعدته في طرد الجيش الحر”، وأضاف أن الصور التي شاهدها الناس جعلتهم “يشعرون بقلق ورعب كبير من مواجهة هذا المصير”.
الحشود العسكرية الضخمة ووصول قوات “النمر”
نشرت شبكات موالية للنظام خلال الأيام القليلة الماضية عدد من التسجيلات المصورة، تظهر وصول حشود عسكرية ضخمة إلى درعا، ورافق ذلك تحليق كثيف للمروحيات السورية فوق عدد من البلدات والمدن، وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قبل أيام أن عناصر الميليشيات ومنها حزب الله اللبناني، ارتدت زي قوات النظام واندمجت مع فرق الجيش السوري.
ولفتت وكالة “أنا نيوز” الروسية إلى أن “قوات النمر” التابعة للواء سهيل الحسن الذي يحظى بدعم روسي كبير، وصلت إلى المحافظة الواقعة جنوبي سوريا، وبيّنت أن قوام التعزيزات العسكرية بلغ نحو ٥٠ دبابة و٣٠ مدفعاً ثقيلاً، وأضافت أن هناك عملية “سرية” ستنطلق قريباً.
إثارة الفتنة مع السويداء
ميليشيات “الدفاع الوطني” الموالية للنظام في السويداء التي تسكنها غالبية درزية، قصفت مدن وبلدات درعا في الريف الشرقي بقذائف الهاون، وأصابت الأحياء السكنية، ما أدى إلى سقوط جرحى من المدنيين، ردت المعارضة السورية بقصف مماثل، وأصدرت فصائل الجنوب بياناً اعتبرت فيه أن أي هجوم من السويداء هو “تعدٍّ على حق الجوار”، وقالت إنها سترد على مصادر النيران والأطراف التي تقف وراءها.
وبيّن الناشط محمد الحريري أن النظام دفع ميليشيا “الدفاع الوطني” المشكلة من أهالي السويداء للبدء بعمليات القصف على درعا، ولفت إلى أن النظام يعرف أن قوات المعارضة سترد على هذا القصف، لتصوير ذلك فيما بعد على أنه حرب أهلية وطائفية وتضليل الصورة عن عملياته العسكرية ضد المدنيين، وأكد الحريري أن هذا الأسلوب اتبعه النظام في عمليات عسكرية سابقة.
سيناريو المعركة
المعارك الحقيقية لم تبدأ بين الطرفين، لكن كان هناك مناوشات متفرقة، اعتبرها مصدر عسكري أنها لتضليل حركة قوات النظام وأهدافه الرئيسية، وأضاف لـ”عربي بوست” أن الحشود العسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية تشير إلى وجود غاية رئيسية للنظام في البداية وهي عزل منطقة “اللجاة”، مرجحاً أن تنطلق أولى المعارك على محور بلدة “بصر الحرير”، التي في حال سيطرة النظام عليها ستقطع كافة الطرق عن “اللجاة”.
تحقيق ذلك سيعطي قوات الرئيس السوري موقعاً متقدماً على قوات المعارضة، مما يسمح للنظام باستخدام أسلوبه المعتاد بتشديد الحصار على المنطقة تزامناً مع قصف مستمر لكافة مرافق الحياة مما قد يؤدي في النهاية إلى الاستسلام دون خوض أي معارك، أو الدخول في مواجهة ومحاصرة السكان ثم تجويعهم، انتهاءً بإجبارهم على الخروج مع مقاتلي المعارضة إلى الشمال، كما حصل في الغوطة الشرقية بريف دمشق. وتُعد “اللجاة” من أصعب المناطق المعروفة بوعورتها الجغرافية الصخرية.
ولفت المصدر العسكري إلى أن هجوم النظام من المحور الأول سيشتت المعارضة السورية ليتمكن من الوصول إلى هدفه الرئيسي وهو الوصول إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، عبر خوض معارك أخرى داخل مدينة درعا والتي اعتبرها “الأكثر صعوبة”، مشيراً إلى أن الوصول إلى المعبر سيؤدي إلى قسم الجبهة الجنوبية إلى قسمين وهذا ما يضعف قوات المعارضة بشكل كبير.
وتحدث المصدر العسكري عن معركة ثالثة ستطلقها قوات النظام، وبيّن أنها ستكون باتجاه مدينة “الحارة” وتلها، الذي هو أعلى نقطة في المنطقة، وأكد أن سيطرة النظام على هذه النقطة ستعطيه القدرة على رصد كل تحركات المعارضة عسكرياً وتعطيه أفضلية كبيرة.
حالة من القلق تسود مناطق المعارضة السورية
على الرغم من التأهب العسكري لفصائل المعارضة السورية على كافة الجبهات في درعا إلا أن القيادي في المعارضة محمد أبو شام لم يخفِ قلقه مما قد يحدث، وقال في حديث خاص: “نحن متأهبون ومستعدون لصد النظام وسنكسرهم بإذن الله”.
وأضاف أن “القلق هو من حلفائنا.. لا نعلم إذا كانوا صادقين معنا أم لا”، ورجح أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لم تتوصلا إلى اتفاق جديد بعد، واعتبر أن تحركات النظام وموسكو العسكرية هدفها الضغط على واشنطن لتغيير بنود الاتفاق القديم، الذي ينص بصراحة على وقف إطلاق النار.
وكانت واشنطن قد حذرت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت من أن بلادها ستتخذ “إجراءات حازمة ومناسبة” رداً على انتهاكات النظام السوري لوقف إطلاق النار في درعا، ولفت مراقبون إلى أن ذلك جاء بطلب إسرائيل التي تخشى من الرد الإيراني على الهجمات الجوية المستمرة ضد مواقع قواتها في سوريا.
كتلة صلبة في الجنوب
تبدو فصائل المعارضة السورية في درعا، أكثر تماسكاً وقوة، بعد أن نجحوا في تشكيل تحالف قوي مؤلف من نحو ٥٠ فصيلاً عسكرياً عام ٢٠١٤، ووفق مركز “الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية” فإن هذا التحالف جاء نتيجة اشتراك الفصائل في مركز “قيادة عمليات سرية” في عمان تحت مسمى مركز قيادة الـ”موك”، (MOC: Military Operation Center)، وكان قد تم تشكيل هذا المركز من قبل دول غربية وعربية معارضة للنظام السوري، لكن يغيب عن هذا التشكيل العسكري أي قيادة مركزية أو هيكل تنظيمي مما يجعلها “اتحاداً فضفاضاً”، بحسب المركز.
يتركز نشاط “الجبهة الجنوبية” في كل من محافظتي درعا والقنيطرة الواقعة جنوب البلاد بمحاذاة الحدود الإسرائيلية والأردنية، وتصنف ضمن فصائل “المعارضة المعتدلة” التي تحمل فكراً إسلامياً معتدلاً.
وخاضت فصائل الجة الجنوبية معارك شرسة مع قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية في السابق، وأعنفها تلك التي حصلت عام ٢٠١٤ في مدينة “الشيخ مسكين” حيث كانت تعتبر مركز تجمع كبير للمليشيات الإيرانية، وانتهت بسيطرة المعارضة السورية على المدينة، ولكن في عام ٢٠١٦ استردت تلك الميليشيات المدينة، إضافة إلى معارك “اللواء ٥٢” وهو أكبر منشأة عسكرية في محافظة درعا على الحدود مع الأردن، وشكلت سيطرة المعارضة على المنشأة ضربة قوية للنظام وإيران باعتبارها المفتاح للدفاع عن الطرق الشمالية المؤدية إلى دمشق.
المعركة السياسية بين واشنطن وروسيا
مصير المنطقة الجنوبية يتوقف بشكل كامل على التفاهم الأميركي الروسي، كما حدث في السابق حيث توصل الطرفان إلى اتفاق على “خفض التصعيد” يقضي بوقف كافة أشكال القتال وتبادل القصف.
ولفت مصدر مطلع لـ “عربي بوست” إلى أن المسؤولين الأميركيين لم يحضروا الاجتماع الأخير الذي دعت له موسكو، وهو ما اعتبرته الأخيرة بمثابة “عدم وضع اعتبار لهم”، بحسب المصدر، الذي أضاف أن ذلك “دفع إلى تأزيم الوضع بشكل أكبر”.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية الأربعاء: “ذهبنا باتجاه الجنوب ونعطي المجال للعملية السياسية، إن لم تنجح فلا خيار سوى التحرير بالقوة”.
هل تلجأ المعارضة للاستعانة بإسرائيل؟
القيادي في المعارضة السورية محمد أبو شام شدد على أنه مهما حدث “لن نستعين بإسرائيل.. سنعتمد على أنفسنا”، ولفت إلى أن إسرائيل “هي من تدعم بقاء الأسد ولا يريدون سقوطه”، وأضاف: “نحن ندرك القلق الإسرائيلي من اقتراب المليشيات الإيرانية من الحدود معهم.. لكن نحن نعتبر أنها معركتنا وليست معركتهم (إسرائيل)”.
الباحث في مركز عمران للدراسات ساشا العلو أوضح أن إسرائيل ما زالت تعتمد على نفسها في شن ضربات جوية نوعية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية، معتبراً أن هدف تل أبيب الحالي هو تأمين الحدود من تمدد المليشيات الإيرانية وإحباط محاولات إنشاء معامل إيرانية سواء للتصنيع الصاروخي أو التصنيع الكيميائي، بالإضافة إلى تحجيم أي قواعد عسكرية.
دوافع معركة الجنوب
وأكد الباحث ساشا العلو أن سعي إيران للوصول إلى الجنوب الملاصق لإسرائيل يندرج ضمن نطاق تحسين شروط التفاوض لديها، وكسب أوراق جديدة، وخاصة بعد الضغط الأميركي والإسرائيلي عليها للخروج من سوريا.
فيما بيّن رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد رمضان أن روسيا هي من ترغب في فتح معركة الجنوب لتوسيع نفوذها في الأراضي السورية من خلال عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية على غرار الصفقة التي تم عقدها مع تركيا في الشمال.
واعتبر رمضان في تصريح لـ”عربي بوست” أن الهدف من ذلك هو حصول موسكو على مستوى من النفوذ يؤهلها لفرض حل سياسي وفق أجندتها وتصورها للحل، مشيراً إلى أن المسؤولين الروس حاولوا مرات عديدة تمرير أجندتهم السياسية في السابق إلا أنهم اصطدموا بواقع معقد جعلهم يعيدون التفكير.