طبول الحرب تقرع في المدينة الوحيدة خارج سيطرة حفتر شرق ليبيا.. المصالحات تتعثر ومخاوف من مصير بنغازي
قرعت طبول الحرب مجدداً في محيط مدينة درنة (شرق ليبيا)، بعدما أن أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر حشد قواته على تخوم المدينة استعداداً لاقتحامها أو تحريرها، حسبما صرحت قيادة غرفة عمليات عمر المختار التابعة له.
تزامن ذلك مع تحريض أحد قادة التيار السلفي المدخلي المتحالفين مع حفتر على قتل من اعتبرهم “خوارج”، في إشارة إلى مقاتلي مجلس شورى مجاهدي درنة المسيطرين على المدينة.
وفي ذات السياق، ذكر الناطق باسم الجيش التابع للبرلمان العميد أحمد المسماري في آخر ظهور رسمي له، أن قائد الجيش المشير خليفة حفتر لم يصدر أوامره بعد للبدء بالعملية العسكرية لـ “تحرير درنة”.
وأكد في الوقت ذاته أن القوات المسلحة على استعداد كامل للمعركة التي ستبدأ في أي لحظة، واصفاً إياها بالمعركة الحاسمة ضد “الإرهاب” في شرق البلاد، الأمر الذي يربطه مراقبون بالإعلان المرتقب عن موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام الحالي. ومن جهة أخرى قال آمر القوات الخاصة في بنغازي اللواء ونيس بوخمادة إنه أرسل تعزيزات إلى غرفة عمليات عمر المختار التابعة للجيش الذي يقوده حفتر على تخوم مدينة درنة شرق بنغازي.
مطالب لأهل درنة بتسليم المطلوبين
بوخمادة طالب في تصريحات تلفزيونية أهالي مدينة درنة بتسليم من وصفهم بالمطلوبين لعرضهم على المحاكم وتجنيب المدينة وأهلها ويلات حرب مرتقبة، بين قوات الجيش التابع للبرلمان والمسلحين الذين تتهمهم السلطات في الشرق بانتمائهم إلى القاعدة (مجلس شورى مجاهدي درنة) رغم طردهم تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة قبل أكثر من عامين بعد سيطرة الأخير عليها قرابة العام بين أكتوبر/ تشرين الأول 2014 الذي أعلن فيه متشددون بيعتهم لزعيم التنظيم في العراق أبي بكر البغدادي، وحتى نهاية يوليو/ تموز 2015 حين أعلن “مجلس مجاهدي درنة” سيطرته الكاملة على المدينة.
وتعد درنة الساحلية الواقعة على بعد نحو 380 كيلومترا شرقي بنغازي، هي المدينة الوحيدة حاليا خارج سيطرة قوات الجيش في كامل شرق البلاد،وبسيطرة حفتر عليها يكون قاد دان له الشرق الليبي كله.
الحصار دخل عامه الثالث
في 25 مارس/ آذار 2015، أعلنت الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني التابعة لمجلس النواب الليبي في طبرق، نيتها شن هجوم على مدينة درنة، لطرد من وصفتهم بـ”عناصر الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة” من المدينة.
قرار سبقته تحركات لوحدات تابعة للجيش الليبي بقيادة حفتر للسيطرة على القرى والمناطق والطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة الجبلية، وضرب حصار خانق دخل عامه الثالث تسبب في نقص في الوقود وبعض السلع الأساسية مما أدى إلى نزوح عدد من العائلات إلى مدن مجاورة، مع تجدد الاشتباكات بين الفينة والأخرى بين مقاتلين تابعين لـ”مجلس شورى مجاهدي درنة” وبين عناصر تابعة للجيش والحكومة المؤقتة في ضواحي المدينة.
واندلعت اشتباكات بالمدفعية الثقيلة بين قوات مجلس شورى مجاهدي درنة وقوات عملية الكرامة في محور الحيلة جنوب درنة. ودفعت قوات حفتر بمقاتلين وآليات ودبابات في محاور الحيلة والنوار والظهر لحمر (جنوب درنة)، في محاولة لاجتياح المدينة.
التدخل الخارجي
في منتصف فبراير ،2015 نفذت القوات الجوية المصرية هجوماً استهدف عدة مواقع بمدينة درنة، قتل على إثره العشرات بينهم مدنيون.
قالت القاهرة حينها إن الهجوم جاء رداً على مقطع فيديو انتشر على شبكة الإنترنت يصور قطع رأس 21 قبطياً مصرياً ينسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سرت الليبية غرب درنة بأكثر من 800 كيلومتر، هجوم تبعته هجمات أخرى لطائرات تتبع الجيش الليبي في طبرق قيل إنها بالتنسيق مع الجانب المصري وسط تحليق مستمر لطائرات أميركية دون طيار تتخذ من قواعد في جنوب إيطاليا نقطة انطلاق لها.
التنسيق بين القيادة العامة للقوات المسلحة التابعة للبرلمان في الشرق وبين الجارة مصر -أكبر الداعمين لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في ليبيا- أكده أكثر من مسؤول عسكري في الجانب الليبي، في حال بدء عمليات “تحرير مدينة درنة” من الجماعات “الإرهابية”، مؤكدين في الوقت ذاته أن توجيه ضربات مصرية لتلك التنظيمات تقوم إمّا بناءً على طلب ليبي أو تنسيق بين القيادة العامة للجيش والحكومة المصرية الحليف الأكبر للمشير خليفة حفتر رغم البيانات التي يصدرها المجلس الأعلى للدولة في طرابلس لإدانة ما وصفته بالتدخل العسكري المصري في ليبيا واصفاً إياه بـ”انتهاك صارخ لسيادة البلاد”.
هل بدأت الحرب فعلاً
المسؤول الإعلامي بغرفة عمليات عمر المختار التابعة للجيش الليبي صلاح بو جيدار أطلع “عربي بوست” على الوضع الميداني للمعركة، التي يبدو أنها بدأت فعلاً في المحور الجنوبي “الحيلة” مكان تمركز قوات “مجلس شورى مجاهدي درنة”، والذي سجل بين صفوفه 6 قتلى و12 جريحاً بحسب مصادر طبية من داخل المدينة.
وأكد بو جيدار وقوع 4 قتلى و5 جرحى من القوات التابعة للجيش بعد اشتباكات عنيفة منذ صباح الجمعة 4 مايو، في محاولة التقدم إلى المدينة من وسط منطقة “الظهر الحمر” جنوب درنة.
المسؤول الإعلامي أفاد بوصول تعزيزات من بنغازي وطبرق من أجل إحكام السيطرة على المدينة بعد وضع “خطة محكمة” لاقتحامها خلال ساعات أو ربما أيام قليلة من قبل القائد الأعلى للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، في آخر زيارة قام بها إلى غرفة العمليات على تخوم درنة، بحسب بو جيدار، الذي أكد في الوقت نفسه تنسيقهم مع عميد بلدية درنة من أجل دخول السلع الأساسية والسيولة النقدية إلى المصارف والسماح للأهالي بالخروج من المدينة بين السابعة صباحاً والسابعة مساءً بعد الحصار الخانق الذي تضربه قوات حفتر حول المدينة بالتعاون مع وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة.
جهود المصالحة غير مجدية
ورغم الاشتباكات التي بدأت فعلياً منذ يومين، أوضح صلاح بوجيدار نقلاً عن قيادات في الجيش الذي يقوده المشير حفتر أن “الباب مازال مفتوحاً أمام الجماعات الإرهابية لتسليم أنفسهم وأسلحتهم لتجنيب مدينتهم الحرب”، مطالباً أهالي درنة من منع تلك الجماعات من التحصن داخل المدينة.
وأكد أن الجيش يضمن تسليم المطلوبين إلى سجون رسمية تابعة لوزارة العدل بالحكومة المؤقتة لمحاكمتهم بشكل عادل أمام القضاء الليبي.
مطالب لا تبدو واضحة كما يرى أحد أعيان مجلس حكماء درنة خليل بن مسعود، الذي صرّح لـ”عربي بوست” أنهم لم يتسلموا أي قوائم تفيد بوجود مطلوبين بعينهم داخل المدينة حتى يتم التفاوض على تسليمهم.
وأضاف أن أولياء الدم من الطرفين ولابد من الوصول إلى حل يرضي الجميع. بن مسعود أكد أن جهود المصالحة لم تتوقف أبداً منذ أشهر لكنهم لم يجدوا آذاناً صاغية وسط كل هذا الحشد الإعلامي لقرع طبول حرب الفائز فيها خاسر على حد قوله، مستنكراً ما وصفه بأصوات الفتنة التي عجلت بالحرب على غير المتوقع.
جهود المصالحة التي يبذلها مجلس حكماء درنة تخللتها عدة لقاءات بمشايخ وأعيان وحكماء من كل أنحاء البلاد آخرها اجتماع بوفد عن قبيلة العبيدات في برقة، ولقاء مباشر برئيس مجلس النواب عقيلة صالح. لقاءات وحوارات يقول بن مسعود إنها لم تفض إلى شيء حتى الآن، مؤكداً محاولاتهم العديدة لفتح حوار مباشر مع المشير خليفة حفتر دون جدوى رغم وعود الوسطاء بترتيب لقاء مباشر بين قيادات المدينة وبين قائد الجيش الليبي أملاً في الوصول إلى حلول سلمية تجنب المنطقة حرباً جديدة ربما تكون أكثر دماراً من حرب بنغازي التي استمرت 3 سنوات.
هل يتكرر سيناريو بنغازي
طالب عضو المجلس الأعلى للدولة عن مدينة درنة منصور الحصادي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتهم تجاه الحرب التي بدا وأنها في طورها الأول، مطالباً بتجنيب المدنيين الصراع المسلح ومبدياً تخوفاته مما قد يلحقه القصف بالمدنيين، ودمار بالبنية الأساسية على غرار ما حدث في بنغازي إبان حرب “الكرامة”.
من جانب آخر قال ضابط بالجيش الليبي فضل عدم ذكر اسمه لـ”عربي بوست” إن مدينة درنة الجبلية “تتمتع بخصوصية جغرافية تجعل منها أرض معارك صعبة لكلا الطرفين، مما قد ينذر بدمار شامل للأحياء السكنية المتلاصقة والشوارع الضيقة في حال نقلت الحرب إلى وسط المدينة”، منوهاً إلى المكانة التاريخية للمدينة وما بها من معالم مهمة على غرار مسجد الصاحبة وغيرها من أماكن أثرية.