ضد رغبة أمريكا.. ماكرون بذل جهداً مكثفاً لجعل مصطفى أديب رئيساً لحكومة لبنان.. فهل ينجح؟
لم تكن عملية إقناع كبرى القوى السياسية في لبنان لتسمية مصطفى أديب رئيساً جديداً للحكومة سهلة، بل إن العقبات أمام الرجل لا تزال كبيرة حتى بعد اتفاق القوى السنية والشيعية والتيار الوطني عليه بمباركة فرنسية.
وأظهرت عملية اختيار القوى الرئيسية لمصطفى أديب حجم الخلاف الكبير بين فرنسا والولايات المتحدة حول شكل الحكومة القادمة؛ إذ تصر واشنطن على أن تكون حكومة اختصاصات دون محاصصة حزبية ودون حزب الله، بينما يسعى الرئيس الفرنسي ماكرون إلى تكوين حكومة وحدة وطنية.
الساعات الأخيرة قبل الاختيار
وكانت اللحظات الأخيرة قبل الاختيار توحي بأن اختيار رؤساء الحكومات السابقين سيكون المفاضلة بين وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن أو الدكتور خلدون الشريف المستشار السياسي لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. يأتي هذا في ظل سرية من قِبل رؤساء الحكومة على اسم مرشحهم.
لكن قوى الثامن من آذار (حزب الله وحركة أمل) مارست ضغوطاً لمعرفة مرشح الأكثرية السنية التي يتزعمها سعد الحريري ومعه الرؤساء السابقون للحكومة. وكان صلة الوصل بين الفريقين هو الوزير علي حسن خليل الذي زار منزل الحريري على مدى يومين في محاولة لاستشراف موقف الحريري وفريقه من تسمية رئيس للحكومة.
ماكرون يتدخل
وقبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان اليوم الإثنين 31 أغسطس/آب، تدخّل ماكرون من أجل محاولة حسم اسم المرشح والضغط على القوى المختلفة لنبذ الخلافات.
جاء هذا بعد أن أبلغ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ماكرون امتعاضه من موقف الحريري ورؤساء الحكومات السابقين من خلال ما سماه “احتجاز اسم المرشح لديهم من دون التشاور مع باقي الأطراف”.
اضطر ماكرون – بحسب المصادر الدبلوماسية – للاتصال بالحريري والضغط باتجاه الإفراج عن الاسم المرشح من قبلهم، فأكد الحريري لماكرون أنه وزملاءه يدرسون مجموعة من الأسماء، هم القاضي غسان عويدات، ومدير عام طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، وسفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب.
حينها قال ماكرون للحريري إنه سيتشاور مع عون في الأسماء ليختار اسماً نهائياً منها لرئاسة الحكومة. وفي ذات الوقت، أكد الحريري لماكرون أن هذه الأسماء ستتم مناقشتها والحسم بشأنها في اجتماع كتلة المستقبل النيابية، وفي اجتماع رؤساء الحكومة السابقين، قبل تسليم الاسم إلى رئيس البرلمان نبيه بري.
وخلال مشاورات بين ماكرون وعون أكد الأخير لنظيره الفرنسي أن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) ومعهما تيار صهره (التيار الوطني الحر) لا يحبذون عويدات أو الحوت، كونهما من صقور تيار المستقبل.
عاد واتصل ماكرون بالحريري ليبلغه موقف باريس المؤيد لتولي أديب رئاسة حكومة لبنان كونه يحمل الجنسية الفرنسية، وعلى علاقة قوية مع بعض الدبلوماسيين الفرنسيين، بالإضافة لعلاقته الوثيقة بالرئيس السابق نجيب ميقاتي الذي عمل لسنوات مديراً لمكتبه ومستشاره.
أبلغ أديب باختياره لهذه المهمة واستدعي إلى لبنان على عجل حيث التقى بسعد الحريري ونجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
يأتي هذا في وقت فشل فيه ماكرون في الضغط على السعودية للقبول بسعد الحريري على رأس الحكومة، لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – بحسب مصادر دبلوماسية – كان يكرر رفضه المستمر للقبول بالحريري على رأس أي حكومة قادمة، كون الحريري غير قادر على مواجهة تمدد حزب الله والتيار الوطني الحر.
المعارضة مع الأمريكيين
بعد ذلك اتصل ماكرون برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وطلب منه التصويت لمصطفى أديب، لكن جنبلاط أبلغ ماكرون أنه قد يصوت لنواف سلام بعد التشاور مع كتلته وحلفاذه.
فيما حسم حزب القوات اللبنانية موقفه لناحية تسمية السفير السابق نواف سلام، الذي تتبناه قوى المعارضة وتدعمه واشنطن، بعد اجتماع استمر حتى فجر اليوم لكتلة القوات.
مصر على الخط .. وزراء غير موالين لتركيا
خلال جولة المفاوضات بين الأطراف، نشط على خط المبادرة وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي تواصل مع الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة.
أبلغ الرجلان شكري أن الأطراف تتجه للاتفاق على رئيس للحكومة، وطلب الحريري من شكري بحسب أوساط مقربة من تيار المستقبل، توسط مصر لدى السعودية لدعم خيار الرؤساء السابقين للحكومة.
تواصل شكري مع السعوديين الذين أكدوا لشكري توافقهم مع الإدارة الأمريكية لناحية تسمية نواف سلام وأن أي حكومة تمنح شرعية لحزب الله وشركائه لن يتوفر لها دعم سياسي أو مالي.
وتؤكد المصادر أن شكري طلب من الحريري والسنيورة ضرورة ألا تضم أي حكومة مقبلة أصدقاء لتركيا في ظل تنامي الدور التركي في لبنان، بحسب شكري، وأن يتم اختيار الوزراء وفق كفاءتهم وعلاقتهم بمحيطهم العربي.
من الذي أقنع الفرنسيين؟
تتحدث مصادر خاصة لـ “عربي بوست” أن الملياردير طه ميقاتي شقيق الرئيس نجيب ميقاتي تولى من خلال وجوده في باريس مهمة إقناع الفرنسيين بمصطفى أديب.
وتضيف المصادر أن رجل الأعمال المتواجد في فرنسا تربطه علاقات وثيقة بالمسؤولين الفرنسيين، واستطاع بغضون أيام إقناع المسؤولين في الإدارة الفرنسية بشخص الرجل كونه حاصلاً على الجنسية الفرنسية وتربطه علاقات واسعة مع معظم القوى السياسية.
رفض واشنطن.. أبرز تحديات أديب
تتزامن زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون مع حدثين مهمين، الأول أنه سيزور لبنان بعد أن يتم تكليف مرشحه لرئاسة الحكومة، والثانية زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر خلال يومين.
وتتحدث مصادر دبلوماسية خاصة أن واشنطن غير مقتنعة بالمبادرة الفرنسية طالما أنها تعيد إنتاج المنظومة السياسية التي ساعدت حزب الله في تجذره في الدولة اللبنانية، وأن شينكر لن يلتقي سوى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اللبناني.
وترى المصادر أن واشنطن تريد توجيه رسالة للمسؤولين في لبنان بأنها لا تدعم ولا تغطي مبادرة ماكرون.
وتشكك المصادر في قدرة الرئيس المكلف على إنجاز إصلاحات طالما أن القوى المتحكمة هي التي ستسمي الوزراء، وأن دول الخليج وعلى رأسها السعودية كانت قد أبلغت ماكرون أنها لن تدعم حكومة لا تلبي طموحات الشارع ويكون على رأسها شخصية كنواف سلام.
وتشدد المصادر على أن أديب لن يستطيع زيارة أي عاصمة مثل خلفه حسان دياب، كون واشنطن وحلفائها لن يمنحوا الحكومة غطاء دولياً وإقليمياً.
وتختم المصادر بالقول إن اللقاء الذي سيجمع شينكر مع قوى الحراك المدني والثوري سيعزز تحركات في الشارع ستتم الدعوة لها لرفع الغطاء الشعبي عن الحكومة المرتقبة في ظل التشكيك بإمكانية تشكيلها قبيل الانتخابات الأمريكية.
من هو مصطفى أديب؟
ليس صحيحاً أن مصطفى أديب بعيد عن أروقة السياسة اللبنانية كما ذكر البعض، فالرجل فاعل في المشهد السياسي ولو في كواليسه.
عمل أديب مديراً لمكتب رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي منذ كان ميقاتي وزيراً في حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري.
ثم تولى أديب مهمة تمثيل ميقاتي في اللجنة المكلفة بوضع قانون للانتخابات البرلمانية عام 2005، وتولى منصب المستشار الدبلوماسي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال حكومته التي استمرت سنتين (2011-2013).
تم تعيينه بعدها سفيراً للبنان في برلين، حيث يتمتع الرجل بعلاقات واسعة عززها من خلال موقعه الدبلوماسي وتحديداً مع وزير الخارجية السابق جبران باسيل، والذي لم يرفض ترشيح الرجل.
السفير أديب يبلغ من العمر 48 عاماً من مدينة طرابلس، شمالي لبنان، ويحمل أديب دكتوراه في العلوم السياسية وهو أستاذ جامعي، بدأ حياته المهنية مدرساً للقانون الدولي العام والقانون الدستوري والجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية في جامعات مختلفة بلبنان وفرنسا.
في عام 2000، شرع بالتدريس في كلية بيروت الحربية، وأصبح أستاذاً متفرّغاً في الجامعة اللبنانية.
كما يتبوأ أديب منصب رئيس الجمعية اللبنانية للقانون الدولي والجمعية اللبنانية للعلوم السياسية، وعضو في جمعية خريجي الجامعات الفرنسية، والجمعية العربية للعلوم السياسية، والجمعية الدولية للقانون الدستوري، والمرصد من أجل السلم الأهلي الدائم.
الحراك: لا فرصة للحكومة، والانتخابات هي الحل
يؤكد المهندس إبراهيم منيمنة، الناشط السياسي في المعارضة، أن ما جرى من اتفاق على شخص السفير مصطفى أديب ليس سوى استمرار مباشر لمسرحية حكومة دياب والتي زعمت القوى الحاكمة أنها حكومة اختصاصيين ومستقلين، لكنها أظهرت وجهها الحقيقي كحكومة مستشارين مقنعة.
ويرى منيمنة في حديثه لـ “عربي بوست” أن الحديث عن إعطاء فرصة لأديب وحكومته هي هرطقة وتضييع للبوصلة، على حد تعبيره.
ويدعو منيمنة قوى ثورة 17 تشرين لاستكمال نضالها في وجه مؤامرة حكومة السلطة، والتي ستفرض على اللبنانيين داخلياً وخارجياً، ويرى منيمنة أن الحل هو بالدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة تطيح بالمجموعة الحاكمة التي أوصلت لبنان للإفلاس ووضعته في خانة الدول الفاشلة، على حد وصفه.