صدام الحضارات يهيمن على سياسات أغلب دول العالم
اعتبرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أن نظرية صدام الحضارات التي كان تحدث عنها الأكاديمي الأميركي صامويل هانتغتون قبل 30 عاماً باتت هي المحرك الرئيس لسياسات بلدان العالم في الفترة الأخيرة.
وكتب الصحفي جدعون راتشمان، كبير محللي الشؤون الخارجية مقالا “فاينانشال تايمز” البريطانية، حول ما يُعرف بنظرية الإسلاموفوبيا، أو ما يُطلق عليه (رُهاب الإسلام)، باعتباره المهيمن الآن على قرارات أغلب دول العالم، فيما ترد الدول الإسلامية هي الأخرى بسياسات مماثلة.
وقال راتشمان نقترب الآن من مرور 20 عاماً على الهجمات التي استهدفت نيويورك وواشنطن، في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم تعد فكرة وجوب تنظيم السياسة الدولية حول «الحرب على الإرهاب» رائجة. لكنَّ الشك في العالم الإسلامي والكراهية له، الناتجين عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يختفيا بمرور الوقت. بل على العكس، باتت ظاهرة الإسلاموفوبيا (رُهاب الإسلام) كما يُطلَق عليها في كثيرٍ من الأحيان الآن، باتت جزءاً محورياً من السياسة في معظم مراكز القوى الكبرى في العالم، بدءاً من الولايات المتحدة حتى الاتحاد الأوروبي، ومن الصين حتى الهند.
وأضاف في الوقت نفسه، تشهد الدول التي كانت تُعتَبَر يوماً معاقل للإسلام المعتدل (تحديداً تركيا، وإندونيسيا، وباكستان) صعوداً في الإسلاموية المتشددة. لكنَّ الصورة الكاملة هي أنَّ العالمين الإسلامي وغير الإسلامي يصبحان أقل تسامحاً تجاه بعضهما البعض بصورة متنامية، وذلك في ظلِّ جنوح المزيد والمزيد من السياسيين إلى تبنِّي الرؤى المدفوعة بالخوف تجاه العالم.
الصين تسجن أكثر من مليون مسلم
كان التطور الأحدث والأكثر ترويعاً هو قرار الصين سجن أكثر من مليون من الإيغور المسلمين في إقليم شينجيانغ، الواقع شمال غربي البلاد في معسكرات اعتقالٍ جماعية، في مسعى لـ «إعادة تلقينهم». ويبدو أنَّ هذه السياسة هي استجابة مُبالغٌ فيها إلى حدٍّ كبير لتهديدٍ بسيط للإرهاب المحلي، ممتزجاً ببارانويا (هوس جنوني) الحزب الشيوعي المتزايدة تجاه الانسجام الاجتماعي والسياسي والمناطقي داخل البلاد. وتتكشَّف عملية الاعتقال منذ مطلع 2017 وتؤدي، متأخراً، إلى الإدانات الدولية. فدعت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة الصين لإطلاق سراح الإيغور المعتقلين بصورة غير قانونية. وباتت تركيا هذا الشهر، فبراير/شباط، أول بلد إسلامي كبير يدين رسمياً سياسة بكين تجاه هذه المجموعة السكانية.
المسلمون في الصين
وينبع تباطؤ العالم الخارجي في الرد على أفعال الصين في شينجيانغ جزئياً من التردد في استعداء تلك القوة الكبرى الناشئة. لكنَّه قد يعكس كذلك موقفاً عدائياً متزايداً تجاه الأقليات المسلمة في مناطق أخرى من العالم.
إذ تخضع الهند، القوة الكبرى الأخرى الناشئة في آسيا، لحكم حزب بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي) الهندوسي القومي منذ 5 سنوات تقريباً. ولا يُخفي متشددو الحزب حقيقة أنَّهم يعتبرون الإسلام غريباً على الهند. ويُمثِّل المسلمون نحو %14 من سكان الهند، لكن لم يكن هناك أي مسلم ضمن أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا البالغ عددهم 282 الذين انتُخِبوا في البرلمان الوطني عام 2014. وتزايد الخوف من الإرهاب الإسلامي في الهند بعد تفجيرٍ انتحاري في كشمير أسفر عن مقتل 44 من أفراد الشرطة شبه العسكرية. وفيما تلوح الانتخابات في الأفق، تبدو زيادة التوترات الطائفية أمراً مُرجَّحاً، بحسب المقال.
تفجَّرت المشاعر المعادية للمسلمين كذلك في ميانمار، حيث اضطر أكثر من 700 ألف من مسلمي الروهينغيا إلى النزوح من البلاد بسبب هجمات الجيش، وسط تقارير تتحدث عن وقوع حوادث اغتصاب وقتل. ويعيش معظم هؤلاء الآن باعتبارهم لاجئين في الجارة بنغلاديش.
ارتفاع نبرة العداء للإسلام
وبحسب المقال، فإن محنة اللاجئين المسلمين ليست قضية ذات شعبية كبيرة في الغرب. منذ الحادي عشر من سبتمبر، سقط ضحايا من المدنيين الأمريكيين في حوادث إطلاق النار في المدارس أكبر مما سقط على يد الجهاديين الإسلاميين، لكنَّ الخطاب المعادي للإسلام الذي يتبنّاه السياسيون بات أكثر وضوحاً. فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرةً، زار الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن مسجداً، وشدَّد على أنَّ «الإسلام سلام»، لكن بعد 15 عاماً فاز دونالد ترامب بالرئاسة، بعدما قاد حملة انتخابية روَّج فيها لمنع كل المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
وفي السنوات الأخيرة، ضرب الإرهاب أوروبا أكثر من الولايات المتحدة بكثير، وعانت فرنسا تحديداً بشدة. وأدَّى الخوف من الإرهاب، ممزوجاً بوصول اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى تصاعد في دعم الأحزاب القومية المعادية للإسلام. وباتت الأحزاب التي دشَّنت حملات انتخابية مناوئة للهجرة الآن في الحكم في كلٍّ من المجر والنمسا وإيطاليا وبولندا، كما باتت تُمثِّل هذه الأحزاب قوى معارضة قوية تصيغ النقاش العام في كلٍّ من ألمانيا وفرنسا.
رد الفعل الإسلامي
يتزامن التطرُّف المعادي للإسلام خارج العالم الإسلامي مع صعود الإسلاموية المُتعصِّبة في بعض البلدان الإسلامية، التي اعتادت أن تكون مُحصَّنة نسبياً من تلك الأيديولوجيا، بحسب المقال.
يسوء الوضع في باكستان منذ عقود؛ إذ تطبق في البلاد قوانين التجديف سلاحاً لاضطهاد الأقليات الدينية والمعارضين السياسيين. وتعرَّض سلمان تيسير، وهو حاكم سابق لإقليم البنجاب جاهر برأيه المناوئ لقانون التجديف، للاغتيال عام 2011. وبات قَاتِله بطلاً بالنسبة للحركة الإسلامية، ويدافع رئيس الوزراء الحالي عمران خان عن قانون التجديف.
المسلمون في الهند
أصبحت الحملات ضد التجديف أيضاً سلاحاً سياسياً في إندونيسيا، أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم. إذ تعرَّض باسوكي تجاهاجا بورناما (المعروف باسم «أهوك»)، الحاكم السابق المسيحي لجاكرتا، للسجن في عام 2017 بعد إدانته بالتجديف. كان أهوك مقرَّباً من الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، المعروف باسم «جوكوي». لكنَّ الرئيس، الذي تراجع خوفاً من صعود تيار المد الإسلامي، اختار رجل دينٍ مسلماً مُحافِظاً ليكون رفيقه في ترشُّحِه بالانتخابات الرئاسية التي تُجرى في أبريل/نيسان المقبل.
بعد الحادي عشر من سبتمبر مباشرةً، كانت هناك نقاشات لا تنتهي حول وجود «صدام حضارات» بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي. لم تعد مناقشة هذه الفكرة أمراً مألوفاً كثيراً. لكن مع ذلك، هناك شيءٌ يشبه بصورة كبيرة «صدام الحضارات» آخذٌ في الظهور.