صافرات إنذار وملاجئ تحميهم من القصف.. نيويورك تايمز: هكذا يعيش الإسرائيليون منذ 70 عاماً، فكيف لهم أن يشعروا بالسعادة الآن
حين أعلنت إسرائيل استقلالها عام 1948، سارع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، إلى الاعتراف بها. استغرق الأمر منه 11 دقيقة فقط، وغمرت البهجة الإسرائيليين، الذين كانوا على وشك خوض حربٍ للدفاع عن دولتهم الوليدة.
بعد 70 عاماً من ذلك اليوم، وتقريباً بعد فترة مماثلة منذ أن أعلنت إسرائيل مدينة القدس “عاصمةً أبدية” لها- ستفتتح الولايات المتحدة سفارتها بشكلٍ رسمي على قمة تل يقع على بُعد ميلين (3.2 كم تقريباً) جنوب حائط البراق.
تقول صحيفة The New York Times الأميركية إن نقل السفارة من تل أبيب واعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، يمثلان تغييراً لعقود من السياسة الخارجية الأميركية، يأتي في لحظةٍ مشحونة بالفخر والخطر، لدرجة جعلت الإسرائيليين يبدون مشوَّشين في مشاعرهم.
رفض دولي للقرار الأميركي
واستنكرت المجموعة الدولية، وفي مقدمها بريطانيا، أقرب حليف للولايات المتحدة، وروسيا، الإثنين 14 مايو/أيار 2018، نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والذي سبق أن رفضته 128 دولة من أصل الدول الـ193 الأعضاء بالأمم المتحدة.
وتسبب نقل السفارة، الإثنين، في مواجهات عنيفة على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، أوقعت أكثر من 41 قتيلاً و2000 جريح حتى ظهر الإثنين.
وجازف آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة بحياتهم، واحتشدوا مجدداً، الإثنين، على الحدود مع إسرائيل؛ تعبيراً عن غضبهم لانتقال السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
الخطر في كل مكان حولهم
وتقول “نيويورك تايمز”، في تقريرها: “يرى الإسرائيليون أنَّه من الصعب الشعور بالسعادة، في حين يجدون أنفسهم يكررون بعض الأمور نفسها التي قاموا بها عام 1948: سماع صافرات إنذار الدفاع المدني، وإعداد ملاجئ القصف، واستدعاء التعزيزات للتصدي للتهديدات التي تواجهها في الشمال والجنوب والشرق”.
وأشارت الصحيفة إلى المخاطر التي تحيط بالإسرائيليين؛ فهناك حربُ ظلٍ متصاعدة مع إيران إلى العلن، واضِعةً إسرائيل في مواجهة أقوى خصومها بالمنطقة. واندلعت احتجاجات حاشدة في غزة ضمَّت آلاف الفلسطينيين، بتشجيعٍ من حركة “حماس”، لمحاولة العبور إلى إسرائيل، التي قَتَلَ قنَّاصوها عشرات المحتجين وأصابوا الآلاف منهم. أدَّت إراقة الدماء إلى إعادة وضع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على الأجندة الدولية بعد سنواتٍ تراجع فيها إلى كونه قضية ثانوية.
وفي القدس الشرقية وباقي الضفة الغربية، تستعد الآن القوات الإسرائيلية وحرس الحدود لمواجهة أية أعمال للتعبير عن الإحباط المكبوت أو نفاد الصبر أو الحنق تجاه الولايات المتحدة بسبب ما يبدو أنَّه تخلِّيها عن أية ادعاءات متوازنة، وتجاه إسرائيل بسبب الاحتلال المستمر، وتجاه السلطة الفلسطينية بسبب ضعفها وفسادها، وتجاه عملية السلام نفسها بسبب الآمال الملهمة، التي ثَبُت مراراً وتكراراً أنَّها زائفة.
واستشهدت الصحيفة الأميركية بما قاله المؤرخ توم سيغف، مؤلِّف سيرة ذاتية جديدة لحياة رئيس وزراء إسرائيل المُؤسِّس، ديفيد بن غوريون، بعنوان “David Ben-Gurion: A State at All Costs”: “إذا نظرت إلى الوضع من الخارج، فستشهد واحدةً من أكثر القصص المثيرة الناجحة في القرن العشرين، وإنَّه بالنظر إلى قوة دولة إسرائيل الكبيرة وزيادة عدد سكانها اليهود أكثر من أي وقتٍ مضى، فإنَّ ذلك هو حقاً حُلم بن غوريون يُصبح واقعاً. لكن في الوقت نفسه، المستقبل مظلم للغاية، ولا تزال بعض المشكلات التي تركها لنا دون حسم حتى الآن”.
وترى الصحيفة أنه من الصعب على الإسرائيليين اليهود أن يشعروا براحة تامة بينما يعيشون منفصلين بعضهم عن بعض، ووجود ما يقارب مليونين من المواطنين العرب في بلادهم. وعن الملايين من الأشخاص في الدول المجاورة. يبدو أن التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين أمرٌ بعيد المنال تماماً بقدر ما كان على مدار أكثر من جيل.
العلاقة الدافئة مع العرب تقوِّي موقفها
وترى الصحيفة أنه رغم حصار الكثير من الإسرائيليين، لم تكن إسرائيل -بشكلٍ موضوعي- أقوى مما هي الآن، بكل ما تعنيه الكلمة تقريباً.
فجيشها يقضى بصورة روتينية على القوات المُعارِضة لها باستخدام المقاتلات والبطاريات المضادة للصواريخ، وأدوات تدمير الأنفاق الجديدة. ونقلَ الجواسيس الإسرائيليون معلومات من مستودعات مليئة بالأسرار على مرأى من أعدائهم. وتحقق شركاتها الناشئة عالية التقنية المليارات بشكل روتيني.
وترى الصحيفة أن العلاقات الدافئة مع السعودية ودول الخليج تبعث على الأمل بأنَّ إسرائيل قد تبدأ في توسيع دائرتها الصغيرة من الأصدقاء بالمنطقة.
ونقلُ الموقع الأميركي الرئيسي من تل أبيب الليبرالية، وهي عبارة عن نقطة زرقاء (ليبرالية) على الخريطة السياسية الحمراء (اليمينية المحافِظة) لإسرائيل، إلى عاصمةٍ أحلَّت إلى حدٍ كبير سكاناً إسرائيليين أكثر تديُّناً بدلاً من سكانها العلمانيين، يعكس بدقةٍ ما يجري لدعم إسرائيل في الولايات المتحدة.
وترى الصحيفة أنه بالنسبة لليهود الإسرائيليين، فإن افتتاح السفارة، الذي يجري الإثنين 14 مايو/أيار 2018، وكل ما تثيره هذه الخطوة، يُهدِّئان ويُعالِجان مجموعة مختلفة من المظالم، وفيما تُقدِّم إدارة ترمب تعبيراً مادياً عن عاطفتها تجاه إسرائيل، يبدو أنَّ صدعاً يتسع بين المركزين الرئيسيين للحياة اليهودية في العالم.
وبالطبع، يمكن أن تتلاشى التهديدات المباشرة للأمن الإسرائيلي. ويمكن أن يُشفى الصدع بين اليهود الأميركيين والإسرائيليين بمجيء إدارةٍ جديدة في أي البلدين، إن لم يكن قبل ذلك. وحتى الخطر الذي يُشكِّله نقل السفارة قد يثبُت -حين يجري التفكير فيه فيما بعد- أنَّه لن يُثبط الاحتفال بأكثر مما قد يفعل انكسار كوبٍ في عرسٍ يهودي.
لن يصدقوا أميركا
قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إنَّ عملية السلام في الشرق الأوسط “هي بالتأكيد ليست ميتة”، على الرغم من نقل السفارة، وقال لبرنامج “Fox News Sunday” إنَّ الولايات المتحدة لا تزال تأمل أن تكون قادرة على “تحقيق نتيجةٍ ناجحة” للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
إلا أن نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال الإثنين، إن افتتاح السفارة الأميركية في القدس سيخلق مناخاً من التحريض والإثارة وعدم الاستقرار بالمنطقة، مستبعداً استمرار واشنطن في دور الوسيط بعملية السلام في الشرق الأوسط.
وأضاف أبو ردينة: “بهذه الخطوة، تكون الإدارة الأميركية ألغت دورها في عملية السلام، وأساءت إلى العالم ولشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وخلقت مناخاً من التحريض والإثارة وعدم الاستقرار”.
وفي رسالة مسجلة لحفل الافتتاح، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الإثنين، إنه لا يزال ملتزماً بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الإثنين، عن “قلقه العميق” إزاء الوضع في غزة، حيث قُتل 41 فلسطينياً على الأقل، برصاص الجيش الإسرائيلي، في تظاهراتٍ احتجاجاً على تدشين السفارة الأميركية بالقدس.
وقال غوتيريش للصحفيين في فيينا: “نشهد تصعيداً في النزاعات (…)، أشعر بالقلق الشديد اليوم للأحداث في غزة مع سقوط عدد مرتفع من القتلى”.
وتدور مواجهات عنيفة بين متظاهرين فلسطينيين وجنود إسرائيليين، الإثنين، تسببت في مقتل 41 فلسطينياً ومئات الجرحى بقطاع غزة، في احتجاجات على تدشين السفارة الأميركية بالقدس.