“شمس الدين السخاوي”.. كبير مؤرخي عصر «المماليك»
“وأنت أيها المسافر في الأوطان.. علام تبحث وهل وصلت لمبتغاك” مسافرنا في هذه الجولة هو العالم الفقيه “شمس الدين السخاوي” أحد كبار المؤرخين وأعلام عصر المماليك، ارتحل بين القرى والمدن والبلدان لينهل من العلم ويحصل الكثير من الأمور سافر بين ما يزيد من 80 بلد ومدينة وقرية، فكان كثير السفر، واستطاع في حياته أن يؤلف ما يزيد على مائتي كتاب، وفي المدينة المنورة كانت نهاية الرحلة ليحط بها راحلته ويموت بها.
وشمس الدين هو محمد بن عبدالرحمن بن محمد السخاوي، نسبة إلى “سخا” في شمال مصر ولد في 831 هـ، بحارة بهاءالدين بالقرب من باب الفتوح بالقاهرة، وانتقل بعد ذلك لمنزل بجوار دار العلامة ابن حجر العسقلاني ، الذي كان فيما بعد شيخه الذي لازمه حتى وفاته، و كان له أعظم الأثر في تكوينه الثقافي.
نهل من العلم كثيرا وفيه ظهرت موهبته وقدرته على التحصيل والتلقي عن الشيوخ والعلماء، وكان لا يألوا جهدا في الارتحال بين القرى والبلدان ليحصل العلم، فكان العلم لديه رسالة عليه تحصيلها، وكان يحصل معارفه من كل من قابله حتى أنه كان يأخذ عن من هم أعلى ومن هم دونه حتى الشعراء أيضا، حتى زاد عددهم عن 1200، وأجيز له الإفتاء ولم يكن قد بلغ الـ20 من عمره.
وقد لعب “شمس الدين السخاوي” دورا هاما في التأريخ وضعه بين أحد أهم المؤرخين الذين كان لأعمالهم حضور، و له من بين أهم أعماله المؤلف الموسوعي “الضوء اللامع لأهل القرن التاسع” وفي هذا الكتاب قدم سيرا لأهل القرن التاسع من علماء، قضاه، رواه، أدباء، شعراء، خلفاء، ملوك، أمراء، وزراء.
يقول عنه في تقديمه:”جمعت فيه من علمته من أهل هذا القرن الذي أوله سنة إحدى وثمانمائة – ختم بالحسنى – من سائر العلماء والقضاة والصلحاء والرواة والأدباء والشعراء والخلفاء والملوك والأمراء والمباشرين والوزراء مصريا كان أو شاميا حجازياً أو يمنياً رومياً أو هندياً مشرقياً أو مغربياً، بل وذكرت فيه بعض المذكورين بفضل ونحوه من أهل الذمة اكتفاءً في أكثرهم بمن أضفتهم إليه في عزوه لأنه اجتمع لي من هو الجم الغفير وارتفع عني اللبس في جمهورهم إلا اليسير”.
ومن بين أعماله الأخرى على صعيد الاهتمام بالتاريخ جاء كتابه “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ” وبهذا الكتاب تحول السخاوي إلى التأريخ النقدي، وهو طابع كان غير مسبوق في مجال فلسفة التاريخ والذي يقول عنه المستشرق “فرانز روزنثال” بأن السخاوي قد أقام به نصبا قيما لعلم التأريخ العربي، وقد كتبه وكما يظهر من العنوان للدفاع عن دراسة التأريخ كموضوع ثقافي مساعد في مناهج الدراسة الدينية.
ويشير فرانز بأن السخاوي رجل مفعم بالحماس لجمع التفاصيل، والذي يمثل نهاية حقبة عظيمة من البحث في معضلات كتابة التاريخ، وقد كانت نتيجته كتابا يكون عرضا شاملا وأحيانا رائعا لعلم التأريخ الإسلامي مؤكدا على أن الكتاب صورة مضبوطة لانجازات السخاوي النهائية ولمواطن فشله.
وإضافة إلى تراثه في التاريخ فإن للسخاوي بصمته الهامة في الحديث ومن بين مؤلفاته:” المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، الأخبار المكللة في الأحاديث المسلسلة، الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، شرح الشمائل النبوية للترمذي، التحفة المنيفة فيما وقع من حديث أبي حنيفة، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث”.
وقد يزداد الرواه والمؤرخين عن الشخصيات وخاصة العلماء والفقهاء فتجد ما يكتب عن هذا وذاك لكن مع السخاوي فإنه يمكنك أن تتعرف إلى حياته وأثره، وارتحاله بين البلدان منه هو إذا لم يغفل أن يضع نفسه ضمن مؤلفه الموسوعي ” الضوء اللامع لأهل القرن التاسع”، ويترجم لنفسه فيما يزيد على 30 صفحة تعد بحق بمثابة توثيق تأريخي قام به الرجل عن نفسه، وحياته، ويظهر فيها مدى إجلاله لعلماءه،ومشايخه وتبجيله لهم، كما يتحدث فيها عن كتبه التي قدم لها وسفره داخل مصر، وإلى بلاد الشام، والحجاز (مكة والمدينة).