شقيقة هتلر الصغرى.. خدمت في بيوت الأغنياء اليهود واعتُقلت بسببه
في العام 1930، فُصلت باولا هتلر «Paula Hiedler» من وظيفتها في شركة تأمين في فيينا، بالنمسا، بالرغم من أنها كانت عاملة مجتهدة ومنتجة، لكن الشركة قررت أن تتخلى عنها فجأة، واتضح بعد ذلك أن اسمها الأخير كان السبب.
باولا هتلر، أخت أدولف الصغيرة
وفقاً لما جاء في موقع All That’s Interesting، كانت باولا هتلر ببساطة أصغر طفلة من عائلة ألمانية من الطبقة المتوسطة، ولدت في 21 يناير/كانون الثاني 1896، وكانت أصغر أطفال ألويس وكلارا هتلر، وهي آخر إخوة وأخوات أدولف الأشقاء (كان للفوهرر أخ شقيق آخر، وأخوان غير شقيقين من زواج والده الثاني). وعندما بلغت باولا السادسة من عمرها توفي والدها ألويس، وتولت والدتها كلارا رعاية الأسرة.
نقلت كلارا طفليها الصغيرين من منزل العائلة في ليوندنغ إلى شقة متواضعة في لينتس، وهي مدينة صغيرة في شمال النمسا. وكانوا يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة لسنوات طويلة، معتمدين على المعاش الحكومي الذي تركه ألويس لهم.
لم تلتحق كلارا بأي عمل، بل كرست حياتها لأطفالها، وهو ما سيجعل كلاً من أدولف وباولا يتذكرانها باعتزاز كأم محبة ومخلصة لأبنائها.
في العام 1906، لاحظت وجود تكتل بثديها، لكنها تجاهلت ذلك، وبعد مرور عدة أشهر خضعت لفحص الطبيب، الذي أخبر أطفالها بأن والدتهم مصابة بسرطان الثدي.
أدولف، كونه الأكبر سناً، تولى مسؤولية نقل الأخبار لأمه وأخته، وحينها أخبر والدته بإصابتها ما جعلها تستسلم لمصيرها، وفي هذه الأثناء كانت باولا لا تزال صغيرة لا تدري ما الذي يدور من حولها بشكل كامل.
في الحادية عشرة من عمرها بدأت باولا تعتمد بشدة على أخيها الأكبر، الذي كان يكبرها بسبع سنوات تقريباً، وتقلص اعتمادها على والدتها الموشكة على الموت.
ولسوء الحظ، توفيت كلارا بعد خمس سنوات فقط من وفاة زوجها، وبعد وفاتها انتقل أدولف إلى فيينا، وبقيت باولا هتلر في شقة عائلية صغيرة في لينتس. واعتمدا على ما تبقى من المعاش الحكومي لوالدهما، فضلاً عن راتب حكومي صغير مخصص لهما بحكم أنه لا عائل لهما.
وفي وقت لاحق، تخلى أدولف عن حصته من معاش والده، وقدم جزءاً من الراتب المخصص له لأخته الصغيرة، ورغم أن كلاً منهما كان يعيش في مكان منفصل إلا أن باولا ظلت تراسل أخاها أدولف.
أخت الفوهرر
بحلول أوائل العشرينات من القرن العشرين، انتقلت باولا هتلر إلى فيينا. ورغم أن شقيقها استمر في السعي لتحقيق أحلامه الكبرى في أن يصبح رساماً وزعيماً عاماً، فقد اختارت باولا حياة أكثر هدوءاً وبساطة. وعملت لفترة من الوقت مدبرة منزل للعديد من الأسر الغنية في فيينا.
وبعد أن تركت العمل كمدبرة منزل، كانت باولا تكسب رزقها بالعمل كسكرتيرة للعديد من الشركات في فيينا والمدن المحيطة، وفي وقت لاحق، خلال الحرب العالمية الثانية، عملت كسكرتيرة في مستشفى عسكري.
لا يُعرف الكثير عن ميول باولا هتلر السياسية، لكنها كانت تعمل في التجمعات السكنية لليهود، التي كانت تعرف آنذاك باسم المهاجع، ولم يوثق ضدها أي حادثة نفور من السكان، كما أنها لم تقدم أي نوع من الدعم لشقيقها، ولم تنضم أبداً للحزب النازي.
في عام 2005، اكتشف الباحثون أنها في وقت ما خلال بداية الحرب العالمية الثانية كانت مخطوبة لإرفين يكيليوس. وكان يكيليوس ضابطاً لدى الرايخ الثالث، وأحد كبار النازيين المختصين في عمليات القتل الرحيم، فقد كان مسؤولاً عن إرسال 4 آلاف شخص على الأقل إلى غرف الغاز.
لكن هتلر حال دون إتمام الزيجة واعتقل يكيليوس وأرسله إلى الجبهة الشرقية، حيث توفي في أحد معسكرات أسرى الحرب التابعة للسوفيت.
تعشق أخاها لكنه تكره أعماله..
يقول المؤرخ تيموثي ريباك: «بالنسبة لي، فإن اكتشاف أن باولا كانت ستتزوج من يكيليوس هو واحد من أكثر الاكتشافات المذهلة في حياتي المهنية. لقد كانت على اقتناع كبير به رغم معرفتها بطبيعة عمله.
وعلى الرغم من أنها كانت تعلم بوضوح ما كان يفعله هتلر للشعب الألماني، إلا أن انفصاماً غريباً كان في رأس باولا هتلر، ففي حين أنها وبشكل جلي لم تكن تدعم الإجراءات السياسية والاجتماعية لشقيقها، إلا أنها كانت تحبه إلى درجة الجنون، وكثيراً ما أعربت عن أسفها الشديد لأنها لم تكن على اتصال دائم به بعدما تركا منزل عائلتهما.
المقابلة الوحيدة.. والأخيرة
وفي مقابلة بتاريخ يونيو 1946، مع الجيش الأمريكي، قالت باولا إنها لا تعتقد أن شقيقها قد أمر بإبادة ملايين الأشخاص. هذا، بالنسبة لها، لم يتطابق وفكرتها عن أخيها الذي عرفته.
مع ذلك، وفي عام 2005، اكتُشفت صحيفة قديمة كانت تزعم وجود علاقة مضطربةبين الشقيقين كأطفال. فمثلما ضرب والد أدولف ابنه، ضرب أدولف شقيقته باولا بعد وفاة والدتهما. لكن باولا اعتقدت أن ذلك كان من أجل تقويمها، وأن أدولف لم يفعل شيئاً سوى إبقائها على الطريق الصحيح.
ويبدو أن أدولف كان يحمل مودة لأخته الصغرى، فبعد أن فقدت وظيفتها -بسبب علاقتها به- دعمها مالياً. وخلال الحرب وحتى انتحاره في عام 1945، واصل إرسال الأموال لها، والتعبير عن قلقه حول سعادتها.
ما بعد هتلر
في أعقاب الحرب، اعتُقلت باولا هتلر على أيدي ضباط المخابرات الأمريكية واحتُجزت للاستجواب. وأوضحت أنه على الرغم من أنها أحبت شقيقها وحصلت على دعم مالي منه، إلا أنها لم تره سوى مرة واحدة أو مرتين في السنة على مدار العقد الماضي، وكانت على تواصل محدود معه.
وقالت أيضاً إنها التقت إيفا براون، عروس شقيقها مرة واحدة خلال تلك السنوات العشر، وفي النهاية أُطلق سراحها من الاحتجاز الأمريكي وعادت إلى فيينا، حيث عاشت لفترة معتمدة على مدخراتها.
حياة هادئة ومستقرة
وحين نفدت الأموال التي حصلت عليها من شقيقها، حصلت على وظيفة في متجر للحرف اليدوية. وفي عام 1952، انتقلت إلى بيرتشسغادن، بألمانيا، الواقعة على جبال خارج سالزبورغ، وغيرت اسمها إلى باولا فولف «Paula Wolff»، و كان فولف هو الكنية التي أُطلقت على أخيها كطفل، واستخدمه طوال فترة تقلده منصب الفوهرر كاسم حركي.
خلال فترة وجودها في بيرشتسغادن، كانت باولا هتلر خاضعة للمراقبة عن كثب -ربما دون علمها- من قبل أعضاء سابقين في حرس إس إس الخاص بشقيقها، بالإضافة إلى عدد قليل من أعضاء دائرته الداخلية الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة.
عاشت باولا معظم حياتها في عزلة، منطوية على ذاتها، ومتجنبة للتجمعات الاجتماعية. ربما كانت تتذكر المعاملة التي لاقتها عندما علم الآخرون بعلاقاتها بهتلر أو ربما كانت لا تزال تبذل جهداً لمحاولة استيعاب حقيقة أن الأخ الذي عشقته كان «هتلر» الذي اعتبر من أكبر الديكتاتوريين عبر التاريخ، لكن المحصلة أن حياتها بعد الحرب كانت هادئة جداً
في عام 1959، وافقت على إجراء المقابلة التلفزيونية الوحيدة في حياتها، أجراها بيتر مورلي، وهو مراسل بريطاني ولد في ألمانيا وعمل لدى محطة تلفزيون Associated-Rediffusion ومقرها المملكة المتحدة،
وفُقدت المقابلة الألمانية الأصلية، لكن النسخة الإنجليزية لا تزال موجودة.
ودارت المقابلة عن أهم ما ميز حياتها حين كانت تعيش مع شقيقها هتلر، وأوضحت من خلالها أنها كانت على مدار حياتها تشعر بالإعجاب الشديد بأخيها، ولم تتمكن من تصديق أو استيعاب حقيقة أن هذا الشخص الذي أحبته فعل شيئاً سيئاً كالذي نسب إليه، وتجنبت الحديث عن كل ما هو سياسي.
يتذكر مورلي في وقت لاحق: «لقد كانت تكنّ له احتراماً كبيراً، وحين كنت أسألها عن أي شيء يمثل انتقاداً لهتلر، كانت كل إجاباتها تسير في طريق الدفاع عنه، فقد كانت تشعر بأن من واجبها الدفاع عنه» .
لكنها استعادت أيضاً ذكريات الطفولة المبكرة بشيء من الإدراك المتأخر المخيف، قالت: «عندما لعبنا ونحن أطفال لعبة الهنود الحمر كان أخي أدولف هو القائد دائماً. كل الآخرين فعلوا ما كان يقوله لهم. لقد كانت إرادته أقوى منهم بشكل غريزي» .
في عام 1960، وفي سن الـ64 توفيت باولا هتلر، منهية بذلك سلالة عائلة هتلر المباشرة. كان هناك أعضاء آخرون لعائلة هتلر، أبناء وبنات من إخوة أدولف غير الأشقاء، ولكن بالنسبة لعائلته المباشرة كانت باولا هي الأخيرة. كان موتها بمثابة نهاية لحياة هادئة، لكنها حياة مُعذبة أيضاً بسبب علاقتها بأخيها، وابتلائها بالأشياء التي فعلها.