سيناريو كارثي يهدد السفر جواً.. والسبب «رسوم جمركية» يستخدمها ترامب سلاحاً
يبدو أن استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي ليس مقتصراً على الأعداء مثل الصين وروسيا، بل يهدد الآن باستخدامه ضد حلفائه في أوروبا، وهذه المرة يستهدف شركة إيرباص الأوروبية، فما الذي يمكن أن يحدث في هذه الحالة؟
موقع ليز إيكوس الفرنسي تناول القصة في تقرير بعنوان: «ماذا سيحدث لو توقفت الولايات المتحدة عن شراء طائرات إيرباص؟»، ألقى فيه الضوء على السيناريوهات الكارثية التي من الممكن أن تشهدها شركات الطيران على جانبي الأطلسي في تلك الحالة.
إذا نجحت الولايات المتحدة بتنفيذ تهديداتها بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على وارداتها من طائرات (إيرباص) فستضطر الشركات الأمريكية لإلغاء طلبات شراء الطائرة؛ مما يخاطر برد فعل مساوٍ على أقل تقدير من جانب أوروبا ضد طائرات (بوينغ).
ما الذي سيحدث إذا وجدت خطوط الطيران الأمريكية نفسها فجأة غير قادرة على شراء طائرات (إيرباص)؟ وفي المقابل، لم تعد الشركات الأوروبية قادرة على شراء بوينغ؟ هذه الفرضية ستكون كارثية بكل المقاييس بالنسبة لشركات النقل الجوي الأمريكية، التي تتجاوز طلباتها من (إيرباص) 700 طائرة، وكذلك نظيراتها الأوروبية التي تبلغ طلبات شرائها من (بوينغ) 886 طائرة.
ومن ثم، فلن يكون لدى الشركات على جانبي المحيط الأطلنطي أي خيار سوى اقتطاع عشرات الآلاف من رحلاتها خلال الشهور وحتى السنوات القادمة، وكذلك تسريح آلاف العمال نتيجة نقص الطائرات. إضافة إلى ذلك، ستتدفق عواقب متتابعة على جميع أطراف قطاعي النقل الجوي وصناعة الطائرات. ومقارنة بما سيحدث، سيبدو حظر الطيران على طائرات بوينج من طراز «737 ماكس»، وغيرها من الأزمات التي يواجهها القطاع، وكأنها مزحة.
أسوأ سيناريو محتمل
يبدو هذا السيناريو غاية في الجنون؛ فهو ما قد يحدث في حال قررت السلطات الأمريكية تنفيذ تهديداتها بفرض رسوم جمركية إضافية على طائرات إيرباص وغيرها من مئات المنتجات الأوروبية؛ وذلك رداً على الدعم «غير القانوني» الذي تمنحه الدول الأوروبية لشركة إيرباص. لذا سيكون لدى واشنطن كامل الحق في اتخاذ هذه الخطوة.
فعقب معركة قضائية استمرت 15 عاماً، أصدرت منظمة التجارة العالمية في شهر مايو 2018 حكماً نهائياً بأنَّ الاتحاد الأوروبي استمر في تقديم الدعم لشركة (إيرباص) بالمخالفة للقانون؛ مما أفسح الطريق أمام الولايات المتحدة لاتخاذ تدابير انتقامية. ووفقاً لوزير التجارة الأمريكي روبرت لايتيزر، كل ما تنتظره واشنطن هو صدور تقييم من منظمة التجارة العالمية حول مدى الضرر الذي تسبب به هذا الدعم في 30 سبتمبر، لتفرض رسوماً جمركية ذات أثر مماثل على الصادرات الأوروبية.
رسوم جمركية بقيمة 100% على مبيعات إيرباص
نشرت وزارة التجارة الأمريكية، التي قدَّرت حجم الخسائر بـ11.2 مليار دولار، في الشهور القليلة الماضية قائمة بالمنتجات الأوروبية التي من المرجح أن تطالها الرسوم الجمركية التي تخطط لفرضها. وتنوعت القائمة ما بين نبيذ وجبن وزيتون وجبن بارميزان وويسكي إلى طائرات وسلع ترفيهية.
لكن منتجات شركة (إيرباص) المدنية هي التي ستنال الحصة الأكبر من هذه الإجراءات الانتقامية. إذ تعتزم واشنطن بلا شك فرض رسوم بنسبة 100% على صادرات الشركة الأوروبية إلى الولايات المتحدة؛ مما سيدفع بأسعارها للارتفاع إلى الضعفين. ووفقاً لمصدر مطلع: «تهدف هذه الخطوة إلى إجبار الشركات الأمريكية على إلغاء طلبات شرائها» من طائرات (إيرباص). وستشمل هذه الرسوم العقابية أيضاً قطع غيار هيكل طائرة (إيرباص) من طراز «إيه-320» التي تستوردها نقطة التجميع Airbus Mobile الموجودة في مقاطعة موبيل بولاية ألاباما الأمريكية.
مخاطر التصعيد
على الجانب الآخر، لن يرضخ الأوروبيون أمام هذه الرسوم العقابية. فمنظمة التجارة العالمية أدانت أيضاً الولايات المتحدة لتقديمها دعماً غير قانوني لشركة بوينغ. فحتى وإن كانت واشنطن تسبق بخطوات الدول الأوروبية في هذا النزاع، من المتوقع أن تؤكد منظمة التجارة العالمية خلال الربيع المقبل إمكانية فرض الأوروبيين رسوماً جمركية مماثلة على الصادرات الأمريكية إليها؛ وذلك تعويضاً عن الدعم غير المشروع لشركة (بوينج). وبقيمة أعلى من الخسائر التي لحقت بالولايات المتحدة، يُقدِّر الاتحاد الأوروبي الخسائر التي لحقت به نتيجة هذا الدعم بـ12 مليار دولار، أي ما يكفي لحظر دخول منتجات بوينغ للأسواق الأوروبية على أسوأ تقدير.
إمكانية التوصل لاتفاق
ومع ذلك، فللوقت الحالي، لا يزال يحدو المسؤولون الأوروبيون أملٌ بالتوصل لاتفاق بين واشنطن وبروكسل قبل دخول الرسوم العقابية الأمريكية حيز التنفيذ، وهو ما لن يحدث قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فمن جانبه، قال جيوم فري الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص، في حديث مع صحيفة Les Echos الفرنسية: «لأنَّ الولايات المتحدة وأوروبا هما أكبر فاعلين في مجال صناعة الطيران، فسيكون للعقوبات تأثيرٌ سلبي مباشر على الاثنين معاً. لذا فالحل الوحيد الممكن هو أن يتوصل الجانبان لاتفاق». أما وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير فصرح أول أمس الخميس الماضي، 19 سبتمبر، خلال انعقاد المجلس الاقتصادي والمالي الفرنسي الألماني في باريس، قائلاً: «نستمر في التواصل مع حلفائنا الأمريكيين للوصول إلى حل ودي.. لكن في حال قررت الولايات المتحدة فرض العقوبات علينا.. فنحن جاهزون للرد تحت مظلة منظمة التجارة العالمية».
خسارة أكثر منها ربح
برغم كل ذلك، لم يضِع الأمل تماماً. فالحواجز الجمركية الأمريكية التي تخطط لها واشنطن ستُكبِّد صناعة الطيران الأمريكية أكثر من الأوروبية. فعلى عكس بوينغ، تمتلك شركة (إيرباص) العديد من المواقع الصناعية في الولايات المتحدة، وتبلغ مشترياتها من السلع الأمريكية 17 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، تبيع شركة بوينغ في أوروبا طائرات أكثر مما تبيعه إيرباص في الولايات المتحدة. وأخيراً، إذا أثنت الرسوم الجمركية الإضافية الشركات الأمريكية عن شراء المنتجات الأوروبية، فستسبب طلبات الشراء غير المُلباة للشركات الأمريكية تراجعاً في الميزانية العامة للولايات المتحدة.