سيدتان قد تصبحان أول مسلمتين في الكونجرس جراء سياسة ترامي ورغبتهما بتغيير نظرة الأمريكيين
تستعد كل من رشيدة طالب الأمريكية الفلسطينية وإلهان عمر التي تنحدر من أصول صومالية، لأن تكونا أول مسلمتين في مجلس النواب الأميركي الكونجرس ، وذلك خلال انتخابات التجديد النصفي شهر نوفمبر المقبل.
ويقول تقرير لمجلة The Atlantic الأميركية، قريباً سوف تصبح رشيدة طالب أول أميركية مسلمة وامرأة فلسطينية في مجلس النواب الأميركي في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، فازت رشيدة بالانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطيبفارق 1% بالضبط، ولن تواجه تحدياً في الانتخابات العامة.
ومن المرجح أنَّها سوف تشارك في حمل لقب أول امرأة مسلمة في الكونغرس مع إلهان عمر، الديمقراطية من مينيسوتا التي خاضت الانتخابات خلفاً لكيث إليسون، أول رجل مسلم انتخب في مجلس النواب الأميركي الكونغرس عام 2006. تواجه إلهان مرشحاً جمهورياً في انتخابات شهر نوفمبر/تشرين الثاني، لكنَّ هذه الدائرة الانتخابية تنتخب الديمقراطيين منذ الستينيات، ما يجعل منها المرشحة الأوفر حظاً بوضوح.
البداية كانت بانتخابات على مستوى الولاية
كانت إلهان (36 عاماً) قد اشتهرت في عناوين الصحف عام 2016 لكونها أول صومالية أميركية منتخبة لعضوية مجلس تشريعي على مستوى الولاية. ومع أنَّ حملتها للكونغرس العام الجاري لم تتهرب من هويتها، فقد استندت إلى منصةٍ من السياسات التقدمية، ولسيرتها الذاتية من المشاركة المدنية والانخراط السياسي على المستوى المحلي ومستوى الولاية.
وقالت رشيدة، متحدثةً عن نفسها وعن إلهان: «كلانا متجذرتان في أحيائنا. نحن لم نأت من الفراغ. نحن نركز على عددٍ من القضايا التي كنا نعمل عليها بصفتنا أمهات، وسيدات ملونات، وبعضها متعلق بكوننا مسلمتين في أميركا».
وقالت رشيدة (42 عاماً) النائبة عن ولاية ميشيغان: «لقد وُلد نشاطي بطرقٍ عديدة بسبب إرثي الفلسطيني. لكنَّ نوعية الهواء والعدالة البيئية، هذان أمران أنا شغوفةٌ بهما للغاية. ولما كنت قد تربيت في ذلك الحي، كنتُ أظن أنَّ الروائح الكريهة كالبيض الفاسد أمراً طبيعياً».
لكن الغريب أنهما كانتا تفوزان بدوائر انتخابية «معظمها من البيض»
لم تخض أيٌ من المرشحتين الانتخابات في دائرة انتخابية ذات كتلة تصويتية مسلمة ضخمة، فدائرة إلهان معظمها من البيض، بينما أغلب دائرة رشيدة من الأفارقة الأميركيين، على الرغم من أنَّ هذا الأمر كان افتراضاً واجهته كل منهما. (ذلك أنَّ ديربون، وهي ضاحية ذات كثافة عربية كبيرة تقع خارج الدائرة الانتخابية لرشيدة، كما هو الحال مع الكثير من التجمعات الصومالية بالقرب من الدائرة الانتخابية لإلهان).
وقالت إلهان: «يحب المنتقدون السياسيون أن يتكلموا عن أنَّ الأشخاص الذين يشبهونني قد انتخبهم أشخاص يشبهونني. لكنَّ الحقيقة أنَّنا قد انتُخبنا لأنَّنا كنا أفضل المرشحين في السباق. نحن فخورتان بهويتينا، ونحن فخورتان بحقيقة أنَّنا نركز على القضايا، وأنَّنا حريصتان على إحداث التغيرات الإيجابية ودفع أجندات تقدمية بقوة تؤدي إلى الرخاء للجميع».
كانت رشيدة وإلهان من بين نساءٍ مسلمات أخريات خضن انتخابات العام الجاري في انتخاباتٍ حطمت بالفعل الأرقام القياسية في عدد المرشحات النساء.
ونظراً إلى أنَّ أولئك المرشحات قد جئن من خلفياتٍ إثنية وعرقية واجتماعية اقتصادية مختلفة، فقد تحدين الصورة النمطية عن المجتمع المسلم الأميركي المترابط التي عادةً ما تسود في السردية الإعلامية. وقالت داليا مجاهد، المدير التنفيذي لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، عن التنوع بين هؤلاء النساء: «هذا انعكاس عظيم للواقع».
رغم أن ثلثي المجتمع الأميركي المسلم مستاء!
وبحسب استطلاع رأي أجرته منظمة داليا، فإنَّ أكثر من ثلثي المجتمع الأميركي المسلم مستاء من اتجاه سياسات البلاد. وبالنسبة للنساء المسلمات والمسلمين السود، فقد كانت النسب أكبر. وقالت داليا: «من الملهم حقاً أن ترى كيف وُجِّهت هذه الطاقة إلى نشاطٍ مدني أكبر».
وقالت داليا إنَّ حقيقة أنَّ الكثير من النساء المسلمات اللواتي خضن الانتخابات النصفية الأولية للوصول إلى مجلس النواب الأميركي الكونغرس يملن أكثر ناحية اليسار من منافسيهم ربما تعكس أيضاً حقيقة أنَّ المجتمع المسلم يميل ناحية الديمقراطيين. والمجتمع أيضاً أصغر سناً ويتكون في غالبيته من الأشخاص الملونين. وقالت داليا: «فكرة العدالة الاجتماعية متجذرة بعمق في كيفية تفسير المسلمين لدينهم، وهؤلاء المرشحات يضخمن من هذه القيمة بطرقٍ كثيرة للغاية».
وهو ما جعل الكثير من المسلمات يفكرن في خوض انتخابات الكونغرس
وبينما كانت سياسات إدارة ترمب هي ما دفعت ببعض المرشحات إلى خوض الانتخابات، فهن أيضاً قد سئمن من قيادة الحزب الديمقراطي التي اعتبرت أصوات الناخبين المسلمين أمراً مسلماً به.
وهذه أحد الأسباب التي جعلت طاهرة أمة الودود، وهي محامية في قانون الأسرة من ماساتشوستس، تقرر تحدي النائب الديمقراطي الحالي ريتشارد نيال، العضو البارز في لجنة الطرق والوسائل، الذي كان يفوز لـ15 فترة انتخابية.
وقالت طاهرة: «دائرتنا الانتخابية صاحبة ثاني أعلى معدل فقر من بين الدوائر التسع لماساتشوستس، والأخيرة في متوسط الدخل. لذا فقد قلت لنفسي: لدينا هذا السيد في لجنة الطرق والوسائل منذ عددٍ كبير من السنوات، فكيف إذن تفشل دائرتنا؟».
وشمل برنامجها الانتخابي دعماً لقانون توفير الرعاية الطبية للجميع، فضلاً عن الدعوة للوصول إلى الإنترنت عالي السرعة في المنطقة الريفية، حيثُ لا يحظى آلاف الناخبين بنفس نوعية الخدمة التي يحظى بها سكان المدن.
والمهم بالنسبة لهن هو التحدي
في الأسابيع الأخيرة لحملة طاهرة، التي كانت متأخرةً بكثيرٍ في المرحلة الأولية، بدأت حملتها تشبه حملة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التي هزمت واحداً من أقوى الديمقراطيين في الكونغرس ، وهو النائب جوي كراولي، في الانتخابات التمهيدية بنيويورك.
ومع أنَّ زخم أوكاسيو كورتيز ساعد طاهرة على جمع التبرعات خلال الفترة الأخيرة من انتخاباتها التمهيدية، فلم يكن ذلك كافياً لدفعها إلى الفوز.
وما زالت طاهرة ترى في خسارتها فوزاً يتمثل في الطاقة التي تمكنت من الاستفادة منها في المجتمعات التي كانت تشعر سابقاً أنَّ أصواتها غير مسموعة. وتشير طاهرة إلى أنها قد جمعت نحو 3% من ميزانية حملة كرولي البالغة 2.4 مليون دولار، ومع ذلك فقد خرجت بنحو ثلث الأصوات في الانتخابات التمهيدية.
وقالت طاهرة: «كنت أخوض انتخابات للفوز بمقعد في دائرة انتخابية ذات أغلبية بيضاء، وأنا أميركية إفريقية مسلمةٌ بوضوح، فضلاً عن أنني امرأة. أبلغ من العمر 44 عاماً، لكنني أتذكر عندما كنت فتاة صغيرة وواجهت صعوبة في أن أجد دمية باربي سمراء البشرة. عندما تفكرون في أهمية التمثيل، أفكر في أنني أحب باربي لكنني لم أجد دمية تشبهني. أتمنى أنَّ يراني الناس في أنحاء البلاد شخصيةً تُمثِّلهم مثل فتاةٍ صغيرة لا تبحث عن دمية باربي، وإنما عن نموذج يحتذى به».
لكن هذا لا يمنعهن من مواجهة بعض الصعوبات «العرقية»
أما بالنسبة لسمينة مصطفى، وهي أميركية مسلمة من جنوب آسيا تحدَّت المرشح الديمقراطي الحالي مايك كويغلي في مجلس النواب الأميركي عن ولاية إلينوي في الانتخابات التمهيدية في شهر مارس/آذار، فقد وجدت من الصعب الالتفاف حول شعار «تغيير الديمقراطيين السيئين» في هذا الوقت المبكر من الانتخابات.
وقالت سمينة: «لم يكن أحد يغطي فعلاً الأسباب التي تحديت من أجلها مايك كويغلي. هذا رجل لا يدعم الرعاية الطبية للجميع، في دائرةٍ انتخابية فاز فيها بيرني ساندرز».
وقد أدركت سمينة أنَّ هذه التفاصيل لم تُبرَز بالكيفية ذاتها التي أُبرِزَت بها هويتها. وقالت: «كان من الأسهل بكثير للصحافيين أن يقولوا إنها مسلمة تخوض انتخابات أو امرأة تخوض انتخابات مجلس النواب الأميركي «.
وأشارت سمينة إلى أنَّ الرجال البيض الذين يخوضون الانتخابات لا يُسألون أبداً عن أهمية هوياتهم في تمثيل دوائر انتخابية متنوعة. ومع ذلك، فهي مسألة واجهتها النساء الملونات في البلاد، ومن الممكن أن تستمر رشيدة وإلهان في مواجهتها بعد أداء اليمين الدستورية أمام الكونغرس.
إلا أن الهدف يبقى هو خدمة الأميركيين
وفي أثناء الوقت الذي قضته رشيدة في مجلس نواب ميشيغان كانت جزءاً منحركة محلية لتخليص مدينة ديترويت من فحم الكوك النفطي، وهو منتج ثانوي ضار من تكرير النفط يجري التخلص منه بطرق غير رسمية في المدينة. وقد بنيت شهرتها على انخراطها مع الناخبين بصفتها حليفة ومدافعة، وهو ما ساعدها على التواصل مع الناخبين أثناء الاضطلاع بحملتها في المنطقة.
وتفكر رشيدة بالفعل، قبل شهور من استلام منصبها، في كيفية الحصول على مُرشِّحات مياه أفضل للمدارس في منطقتها، وإنهاء أسعار التأمين الجشعة والباهظة التي تؤثر في أصحاب الدخول المنخفضة من القاطنين في ديترويت.
وقالت لي رشيدة بينما كانت تمر بين السيارات التي تضرب الأبواق من خلفها: «لم يحصل والداي على درجة جامعية، ولم يأتيا من خلفية ثرية. كافحنا مثل أي شخص آخر، أغلب العائلات الأميركية تكافح يومياً».
كان والدها يعمل في مصنعِ قريب من شركة Ford، وينفق على رشيدة و13 شقيقاً آخر. وعندما بدأت المدرسة لم تكن تتحدث الإنكليزية، لكنَّها شقت طريقها في نظام المدارس العامة والكلية، وعملت لاحقاً في وظيفةٍ بدوام كامل بينما كانت تدرس في كلية الحقوق.
ثم قررت رشيدة عدم الانضمام إلى عالم المؤسسات بعد التخرج، وانضمت إلى جمعية غير ربحية تساعد المهاجرين العرب في منطقة ديترويت. وساعدتها العلاقات التي كونتها هناك على بدء العمل في السياسة، حيث عملت على توسيع الخدمات الاجتماعية وخدمة الناخبين.
والدفاع عن القضايا المهمة بالنسبة لهم في مجلس النواب الأميركي
وبينما كانت رشيدة تمر يوماً ما في شارعٍ مكتظ بالسيارات التي تضرب أبواقها عند مفترق أحد الطرق في ديترويت، أخبرتني عن خططها لتقديم قانون العدالة للجميع المعنى بالحقوق المدنية ليكون أول مقترحٍ تشريعي لها، لتجلب بذلك شهرتها في الدفاع عن قضايا الطاقة وحماسها تجاهها إلى واشنطن.
وقالت رشيدة: «لقد جاء هذا نتيجة السعي من باب إلى باب والمحادثات المجتمعية». وقالت إنَّ هذا التشريح يعيد تقديم روح قوانين الحقوق المدنية ونَصِّها في حقبة الستينيات، التي ركزت على آثار القوانين التمييزية بدلاً من المقصود منها.
ويشمل المقترح قضايا العدالة الجنائية والرعاية الصحية والتعليم ولوائح الخدمات. وقالت رشيدة: «عندما تضغط على مجتمعٍ ما وتتنمر عليه، فإنَّ الصمت لا يكون خياراً لهذا الجيل».
وأيضا مواجهة قوانين فرضها الرئيس دونالد ترمب
أما بالنسبة لإلهان، فإنَّ حملتها التي تخوضها استناداً إلى برنامج انتخابي يشمل معارضة حظر السفر الذي فرضته إدارة ترمب، والذي استهدف دولاً ذات أغلبية مسلمة، كانت شخصيةً بقدر ما كانت سياسية. فلو كانت إلهان تسعى للحصول على وضع لاجئ في الولايات المتحدة اليوم، لما تمكنت من ذلك لأنَّ الصومال واحدة من الدول التي تواجه تقييدات على الهجرة وطلبات اللجوء.
وحتى برنامجها السياسي الذي يستهدف إلغاء هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والجمارك قد حدَّدته تجاربها السابقة، إذا جاءت إلى الولايات المتحدة وهي في عمر الثانية عشرة من بلدٍ في خضم حرب أهلية. وقالت لي إلهان: «كنت الشخص الوحيد القادر حقاً على فهم معنى عبور حدود بعيدة عن الولايات المتحدة».
ومع أنَّ الكثيرين من التقدميين ينادون الآن بأنَّ هذه الوكالة غير قابلة للإصلاح وخطرة في ضوء أزمة فصل الأسر التي خلقتها على الحدود الأميركية المكسيكية، فإنَّ إلهان قد مرت شخصياً بواقع الهجرة إلى الولايات المتحدة عبر وكالات أمن قومي متعددة. وهي عملية قد تستغرق سنوات، وعادةً ما تؤخرها فحوصٌ أمنية زائدة على الرغم من المخاطر المباشرة التي يواجهها معظم اللاجئين في بلدانهم الأصلية.
وقالت إلهان: «عندما كنت أتكلم في الخارج مع الناس عن إلغاء هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والجمارك، وأننا رأينا مدى وحشية هذه المؤسسة، وكيف أثَّرت فينا، كانت هويتي كمهاجرة لاجئة مسلمة سوداء تُربَط مباشرةً بالنقاشات التي نخوضها حول المخاطر التي تهددنا جميعاً».
وهو ما نجحن فيه لحد الآن
ولدى إلهان، التي تتحدث بنبرة هادئةٍ ليِّنة، موهبةٌ في إشعار ناخبيها بأنها تُنصِت إليهم، حتى في الوقت الذي كانت تروج فيه لسياساتها في الحملة الانتخابية. وتعتنق خطاباتها الأمل والتفاؤل اللذين يُعلِّقهما ناخبوها ومواطنون آخرون في أنحاء البلاد على ترشّحها للفوز بمقد في مجلس النواب الأميركي .
وفي ليلة فوز إلهان، أدلت بلقاء صحافي مبهج مع قناة صومالية أميركية على يوتيوب بلغتها الأم. (ومن بين جميع الأشياء التي حازت فيها السبق، ستكون إلهان أيضاً أول عضو في مجلس النواب الأميركي الكونغرس مولود في قارة إفريقيا).
وقالت إلهان للحشد المبتهج تلك الليلة: «نؤمن أنَّ بإمكاننا جميعاً تحقيق آمالنا وضمان حصولنا على أميركا التي نؤمن بها ونستحقها. هذا النصر ليس لي وحدي، وإنما هو نصر لكم جميعاً».
وترى داليا مجاهد في صعود رشيدة وإلهان إلى المسرح السياسي الوطني درساً. إذ قالت، في إعادة صياغة لما قاله توني موريسون: «إنَّ أحد الأشياء التي يهدف التعصب إلى تحقيقها هو تشتيتك، لئلا تفعل شيئاً غير الدفاع عن نفسك وإثبات إنسانيتك. والأمر الثاني الذي يحاول التعصب فعله هو جعلك تشعر بقلة العدد والعزلة. والآن لقد رأينا بوضوح أنَّ هذا غير صحيح».