سوريا: أكثر من 400 ضربة استهدفت منطقة إدلب ومحيطها
في الزمن المستقطع من الجمود السياسي، تبدي فصائل المعارضة السورية انسجاماً تاماً مع ضامنها الدولي، ورغبة واضحة في الحفاظ على خطوط التماس الرئيسة للاتفاق الذي عقده مع موسكو حول آخر منطقة منخفضة التصعيد شمال غربي سوريا، في منتصف أيلول/سبتمبر من العام الفائت، وذلك بما يتوافق مع السياسة التركية وانتشارها العسكري في المنطقة، وترسيخ تواجدها ضمن مناطق نفوذها، من أجل الدفاع عن حدود تلك المنطقة ونقاط المراقبة العسكرية المنتشرة فيها.
ويحمل هجوم فصائل المعارضة عدداً من الأهداف والدلائل، عسكرياً وسياسياً، وذلك في ظل مواصلة الجيش التركي دفعه بالتعزيزات العسكرية ووحدات المرابطة إلى داخل سوريا وشريطه الحدودي معها، بشكل يومي، وذلك حسب وكالة الأناضول، التي أشارت الأربعاء، إلى وصول دفعة جديدة من الآليات العسكرية إلى ولاية شانلي أورفا المتاخمة للأراضي السورية؛ بهدف تعزيز قدرات الوحدات العسكرية التركية العاملة قرب الحدود.
ووفق المصدر، فإن التعزيزات الجديدة وصلت منطقة «آقجه قلعه» التابعة لشانلي أورفا، في فوج مكون من 20 مركبة عبارة عن شاحنات محملة بالذخيرة، ودبابات، ومدافع الهاوتزر، مقبلة من قيادة اللواء 20 مدرعات، وجرى تسليم هذه التعزيزات إلى قيادة الفوج الثالث حدود بمنطقة «آقجه قلعة»، ومن المنتظر القيام بنشرها في عدد من المواقع على خط الجبهة المتاخم للحدود السورية.
ويقول خبراء إن الهجمات العسكرية العنيفة التي شنتها فصائل معتدلة وأخرى مصنفة أمنياً هي بمثابة «فركة أذن» ورسالة من تركيا إلى روسيا، وذلك رداً على استهداف نقاط مراقبتها في ريف حماة. وتقرأ الرسالة، حسب رأي المحلل العسكري مهند الزيات لـ»القدس العربي»، «بضرورة حفاظ روسيا على حصة أنقرة، مقابل مراعاة الأخيرة لمحاذير موسكو بعدم الاقتراب من منطقتها أو قضم أي جزء منها، ما يهدد قواعد روسيا العسكرية وانتشار قواتها في حميميم وسقليبية».
قراءة عسكرية وسياسية
وبالرغم من أنها ليست المرّة الأولى -خلال العام الجاري- التي تقوم فيها تركيا بإرسال تعزيزات إلى حدود هاتاي مع سوريا، إذ سبق ذلك إرسال قوات خاصة وأسلحة نوعية في مايو الماضي، إلا أن إرسال هذه التعزيزات اليوم يحمل رسائل مبطنة، حسب رأي الباحث السياسي المختص بالشأن السوري، عبد الوهاب عاصي، الذي قال إنّ هذه التعزيزات لا تبدو احترازية، أي أنها لا تتعلق باحتمال اندلاع مواجهة أو تصعيد مباشر مع روسيا، لا سيما أنّ هذه الأخيرة على أعتاب تسليم منظومة صواريخ إس 400 إلى تركيا.
لكن في المقابل، غالباً ما يراد من هذه التعزيزات التأكيد المستمر على أهمية منطقة خفض التصعيد بالنسبة لتركيا، والحفاظ على حدود ونقاط المراقبة فيها، والعمل على تسهيل إمداد نقاط المراقبة في جبل التركمان وسهل الغاب بالمعدّات والقوات اللازمة، من أجل الرد على أيّ انتهاكات محتملة قد يقوم بها النظام السوري، إلى جانب دعم جهود المعارضة السورية في مواجهة الحملة العسكرية العنيفة في محافظة إدلب ومحيطها.
وكانت فصائل المعارضة السورية قد شنت هجوماً عسكرياً واسعاً على مواقع النظام في جبل التركمان على جبهة الساحل، وتمكّنت من التقدم إلى 15 نقطة، من بينها 3 تلال حاكمة، والوصول إلى أطراف تلة عطيرة وجبل زاهية الإستراتيجيين، إلّا أنّ الفصائل أعلنت الانسحاب من المواقع التي تقدمت إليها، وتسبّب الهجوم بمقتل 30 عنصراً من قوات النظام السوري، وأسر 4 آخرين، في حين قُتل 3 عناصر من القوات الروسية الخاصة.
ولم يكن هدف الفصائل من الهجوم، حسب معلومات دقيقة لدى الباحث السياسي، هو تثبيت مواقعها في النقاط التي تقدمت إليها، رغم وجود إمكانية عسكرية لذلك، لا سيما في ظل تجاوز مشكلة القصف الصاروخي والجوي عبر استخدام أساليب قتالية مناسبة وبيئة جبلية صعبة، وصعوبة توقّع روسيا الهجوم والمحاور التي انطلق منها، وكذلك بالنسبة لقدرات الفصائل الهجومية والدفاعية.
لذلك، يحمل الهجوم عدداً من الأهداف والدلائل، عسكرياً وسياسياً، وهي حسب ما يقول لـ»القدس العربي»، تعمل فصائل المعارضة من خلالها على تمكين سيطرتها في خطوط جبل التركمان، عبر العمليات الوقائية التي تضعف قدرات النظام السوري على الهجوم والمبادرة. إضافة إلى ذلك، تعمل الفصائل على تخفيف الضغط عن جبهات ريفي حماة وإدلب، لأن من شأن الهجوم الواسع والانهيار الذي لحق بالنظام في جبهات الساحل ذات الأهمية الإستراتيجية أن تدفعه إلى إعادة توزيع ونشر قواته، وهو ما يعزز من قدرة الفصائل على المبادرة والمناورة بشكل أكبر في جبهات مختلفة.
إنسانياً
وأبرزت الفصائل العسكرية قدراتها العالية عبر الدمج بين الهجمات التقليدية وغير التقليدية، إذ يُمكن اعتبار الهجوم الذي جرى تنفيذه في جبل التركمان أحد الأساليب القتالية الهجينة، في ظل الاعتماد على توسيع خط النار لتشتيت قوات العدو عسكرياً ومعلوماتياً، بشكل يجعلها غير قادرة على تكوين معطيات سليمة حول قدرات وإمكانيات الفصائل في الهجوم والدفاع.
واعتبر عاصي أن فصائل المعارضة ما زالت قادرة على تهديد مصالح روسيا الحيوية، سواء فيما يخص قاعدتها العسكرية في حميميم أو حتى القوات العسكرية الخاصة التابعة لها، كون السيطرة نحو التلال الحاكمة المتقدمة يجعل تلك المصالح في نطاق الأهداف الحيوية التي يُمكن استهدافها وإصابتها بشكل مباشر.
لكن مع ذلك كله، تأتي هذه التحركات في إطار الكر والفر لمحاولة كل طرف الحفاظ على مكتسباته الميدانية والعسكرية، إلى حين حصول تقدم في الملف السياسي الذي يشهد حالة من الجمود.
وأجبرت المعارك العنيفة مئات آلاف المدنيين المعارضين للنظام على تحمل أعبائها، في الأمتار الأخيرة المتبقية لهم من سوريا، فقد قتل ستة مدنيين وأصيب 10 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، جراء استهداف مدينة جسر الشغور بريف إدلب، الأربعاء، بغارتين جويتين، حملت كل منهما ثلاثة صواريخ فراغية استهدفت الأحياء السكنية ومشفى المدينة. وقال فريق الخوذ البيضاء إن «شيئاً لم يسلم من نيران الأسد وحليفه الروسي»، إذ أعلن خروج مشفى مدينة جسر الشغور عن الخدمة، بعد استهدافه بصواريخ موجهة من الطيران الحربي السوري.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن عدد القتلى ارتفع إلى 15، بينهم 4 من عائلة واحدة، ثلاثة منهم أطفال، قضوا ضمن منطقة خفض التصعيد، جراء قصف جوي وبري واستهدافات في مدينة جسر الشغور ومحيطها غرب إدلب.
وارتفع عدد الغارات التي نفذتها طائرات النظام الحربية، الأربعاء، إلى أكثر من 430 ضربة، توزعت ما بين غارة وقذيفة وبرميل متفجر، إذ استهدفت كلاً من مدينة جسر الشغور ومحيطها وجبل الأربعين وخان شيخون وبابولين وحيش وبسيدا وأريحا وتلمنس وتل مرديخ وبلدة سراقب وأطرافها ضمن ريف محافظة إدلب، ومحاور في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي بـ42 غارة، يضاف إليهم 31 برميلاً متفجراً ألقاها الطيران المروحي على كل من خان شيخون والتمانعة، ومحيط قريتي كنيسة نخلة وبشلامون بريف جسر الشغور الشرقي، ومحور كبانة بجبل الأكراد، وقرية السرمانية في سهل الغاب، في حين ارتفع عدد القذائف الصاروخية والمدفعية التي استهدفت ريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وريف حلب الجنوبي، إلى 365.