سلطان بروناي يعيش حياة مترفة ويطبق الشريعة بقوانينها
حين طبَّقت سلطنة بروناي قوانين متشددة هذا الأسبوع، وجعلت من الزنا والمثلية الجنسية فعلين يُعاقَب عليهما بالرَّجم، لفتت البلاد انتباه المجتمع الدولي إلى حاكمها، السلطان حسن البلقية «72 عاماً»، الذي تسبَّبت ثروته الكبيرة وإنفاق أسرته في حلول اسمه ضيفاً على صحف التابلويد طيلة عقود.
وتبنَّى السلطان، باعتباره المُطبِّق الرئيسي للشريعة في البلد الواقع جنوب شرقي آسيا، في السنوات الأخيرة رؤية محافظة للدين تتعارض مع نمط الحياة المترف لأسرته. وإليكم نظرة على سلطاته، وخلفيته، والإدانات الدولية لقوانين بروناي الجديدة؛ بحسب ما نُشر في موقع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
سلطة واسعة
في بروناي، وهي سلطنة صغيرة فوق جزيرة بورنيو، يملك السلطان حسن سلطات أكثر من مجرد كونه عاهلاً. فوفقاً لسيرته الذاتية الرسمية، هو أيضاً رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، والمالية، والخارجية.
وكان قد أصبح ولياً للعهد عام 1961 وهو في سن 15 عاماً، وتُوِّج ليكون السلطان التاسع والعشرين لبروناي عام 1968، العام التالي لتنازل والده عن العرش.
ارتقى السلطان حسن إلى العرش حين كانت بروناي لا تزال محمية بريطانية، ودرس في أكاديمية عسكرية ببريطانيا قبل أن يصير سلطاناً. «درس كذلك في ماليزيا، وهي دولة مَلَكية أخرى مُحافِظة دينياً –ولو أنَّها ملكية دستورية- في المنطقة».
وبحلول الوقت الذي تولى فيه السلطة من والده، كانت بروناي بالفعل شديدة الثراءبفضل مواردها النفطية. وحين نالت البلاد استقلالها عام 1984، امتلكت البلاد واحداً من أعلى مُعدَّلات دخل الفرد في أي دولة بالعالم، وبلغ حينها دخل الفرد نحو 48650 دولاراً سنوياً بأسعار الدولار اليوم.
وظلَّت البلاد التي يبلغ عدد سكانها 430 ألف نسمة تقريباً، والتي تحصل على قوتها من شركة Brunei Shell Petroleum «بروناي شِل بتروليوم» للنفط –لُقِّبَت السلطنة بـ»دولة شِل للرفاه»، بسبب برامج الاستحقاق الاجتماعي فيها- منعزلة نسبياً مقارنةً بجيرانها.
قالت آمي فريدمان، الباحثة بمعهد Weatherhead East Asian Institute المعنيّ بشؤون منطقة شرق آسيا بجامعة كولومبيا الأمريكية:
«كانت بروناي مُحافِظة وذات قيود شديدة من الناحية الدينية منذ زمنٍ طويل. وفي التسعينيات، حين بدا أنَّ ماليزيا وإندونيسيا تشهدان توجهاتٍ أكثر انفتاحاً في ما يتعلَّق بالعادات والتقاليد الاجتماعية.
كانت بروناي بالفعل تمارس سيطرة قوية للغاية من جانب الدولة على التفسيرات والممارسات الدينية».
القصور والبولو
طيلة عقود، كان السلطان حسن يُعتبَر أحد أثرى الرجال في العالم، وكان ينفق طبقاً لذلك.
فجمع أكبر مجموعة في العالم من السيارات النادرة، بما في ذلك سيارة رولز رويس مطلية بالذهب، وبنى مجمَّعاً واسعاً للعبة البولو به حوالي 100 من مهور البوني ومزرعة خيول، وشيَّد قصراً ذا 1788 غرفة يُسمَّى «قصر نور الإيمان«، والذي يُعَد أكبر منزل خاص في العالم. واستعان بمايكل جاكسون لإحياء حفل عيد ميلاده الخمسين.
وأظهر بعض أقارب السلطان حسن نزعة مماثلة للإنفاق. إذ ينشر الأمير عبد المتين، وهو أحد أبناء السلطان البالغ عددهم 12، بانتظامٍ صوراً لنفسه على حسابه بموقع إنستغرام وهو في قاعاتٍ مذهبة أو يلعب البولو أو وهو مع هرماس «شبل النمر» وغيرها من مظاهر الثروة. وأفادت تقارير في عام 2007 بأنَّ الأمير عبد العظيم، وهو ابنٌ آخر للسلطان، نقل مجوهرات للمغنية ماريا كاري في طائرة خاصة.
وبنى الأمير جفري البلقية، الأخ الأصغر للسلطان، حديقة ترفيهية مفتوحة للزائرين بالمجان، واشترى فنادق حول العالم، واشتهر في الصحف الغربية بالقصور والعشيقات.
وبالغ جفري في الإنفاق بإسراف في التسعينيات –أثناء أزمة مالية شهدتها آسيا- لدرجة أنَّ السلطان قاضاه في عام 2000، مُتَّهِماً إيَّاه بإساءة إنفاق المليارات على 2000 سيارة و17 طائرة والعديد من اليخوت ومجموعة من الاستثمارات. «كان هذامجرد البداية لخلافٍ طويل بين الأخين».
وتملك هيئة الاستثمار في بروناي، وهي ذراعٌ حكومية، تسعة من أفخم فنادق العالم، بينها فندق Beverly Hills Hotel، وفندق Hotel Bel-Air بمدينة لوس أنجلوس، وفندق Dorchester في لندن، وفندق Hôtel Plaza Athénée في باريس.
قانون ورد فعل قوي
كانت المثلية الجنسية بالفعل مخالفة للقانون في بروناي حين أعلنت البلاد أول عقوبات مُخصَّصة للمثلية الجنسية والزنا والسرقة –والتي تضمَّنت بتر اليد وكذلك الرجم- قبل ست سنوات. لكنَّ الغضب الدولي آنذاك دفع البلاد إلى تأجيلها.
وأعقبت إدانات مماثلة الإعلان الأخير بشأن مضيّ بروناي قدماً في تطبيق تلك القوانين، التي دخلت حيز التنفيذ الأربعاء الماضي.
ودعا مشاهير ومسؤولون في لوس أنجلوس إلى مقاطعة الفنادق، وطلب دارسو كلية لندن الجامعية وجامعة أوكسفورد من جامعتيهم تجريد السلطان من درجاته الفخرية. وأدانت الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان أخرى تلك العقوبات.
وقال فرانشيسكو بينكوسمي، مدير أنشطة كسب التأييد في برنامج منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالفرع الأمريكي لمنظمة العفو الدولية، إنَّه من المستبعد أن يُقنِع الضغط العام السلطان بتغيير رأيه في الوقت الراهن.
وأضاف: «كلما زاد الغضب الدولي، ظهر السلطان أكثر بمظهر المُدافِع عن الرؤية المحافظة».
مع ذلك، قال بينكوسمي إنَّ استهداف الفنادق والشركات والأنشطة قد يؤدي إلى فرض ضغطٍ مالي على السلطان.
وأضاف: «هذا ليس مجرد أمرٍ أخلاقي أو التزام بالقانون الدولي وحسب، بل سيكون له تأثير كذلك على شركات الكثير من أفراد الطبقة المتوسطة والعليا من شعب بروناي».