سكينة جانسيز: حياتي كلها صراع!! (الحلقة السابعة)
“آه يا ولدي، لقد قُتِلَ حسين جواهر!”
إن معلّمتي ابتداءاً من الصف الثالث الابتدائي، “أديبة أباجي أوغلو”، هي من أصول عربية. إنها امرأة سمراء البَشَرة، بدينة قليلاً، ولكنها رشيقة عموماً. وعادةً ما ترتدي النظارات، وتُدمِن التدخين، ما جعل شفتَيها زرقاوَي اللون، لكنّ ضحكتها ما فتئت جذابة. وقد أحببتُها كثيراً، ولم أَنسَها قط. كان خطي جميلاً وواضحاً وخالياً من الأخطاء، ما جعلَها تخصّني بالكتابة على دفتر التفقد ودفتر جدول الدروس. كنتُ في تلك السنة عريفةَ الصف، وأتكفل -بالتالي- بكتابة جدول الحصص اليومية على السبورة، في حال غياب المعلمة. يبدو أن قامتي أيضاً كانت طويلة حينها. لذا، كنتُ قادرةً على البدء بالكتابة من أعلى السبورة.
أما مدير المدرسة “مظلوم كاياي”، فهو جارُنا في المساكن. كما كان “مصطفى سويلماز” مديراً مؤقتاً لمدرستنا، وكنتُ أحبه بقدر محبتي لأبي، نظراً لأنه كان زميل أبي في الدراسة ولتشابُهِ بعض مزاياه مع خصال أبي. وبما أنه جار لنا أيضاً، فقد ارتقى هذا بصداقتهما إلى المستوى العائلي. تعملُ زوجتُه “عائشة خانم” ممرضةً وقابلةً قانونية في المساكن. وهي امرأة خفيفة الظل، دمثة الأخلاق، ومحبوبة من الجميعِ لهمّتها العالية ولذكائها وحيويتها. بينما يُعَدُّ العم مصطفى أكثر هدوءاً وصمتاً، ولكنه كان يراعي الغير.
تقطن معلمتي في الحي السفلي من المساكن، ويعمل زوجها موظفاً في دار الحكومة. ولديهما ابنان: الأكبر “كامل” كان في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية، بينما كان ابنهما الأصغر في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية. واضحٌ أن الأبوَين بقيا يتحسران على إنجاب ابنة. تَسكنُ زميلَتَاي في الصف، “نسيبة” و”فريدة”، في نفس الحيّ الذي تقطنه معلمتي. وبما أنهما من أصول تركية، فإنهما تشعران أنهما أقرب إلى المعلمة. وعموماً، كنتُ أحبهما كثيراً وعلاقتي معهما حميمة. اتسمَت نسيبة بهدوئها، على عكس فريدة المتمردة والنّكِدة.
بذلَت معلمتي جهوداً حثيثة كي تعلّمنا بجدية بأسلوبها الجذاب. لكنها كانت متسلطة وعصبية. فمَن لا يقوم بواجبه المنزلي، أو لا يقص أظافره، أو لا يحافظ على نظافة يدَيه ومنديله، كانت تعاقبه بشَدّ أذنَيه، أو بضربه بالمسطرة في الحالات النادرة حين يَكون مزاجها عصبياً.
تتدفق مياه الشرب من الصنابير في ديرسم في أيام معينة وفي ساعات الصباح غالباً. وفيما عدا ذلك، تُعَقَّم المياه ولا تُستخدَم للشرب. عادةً ما يوجد خدَمٌ في منازل الحي السفلي، وقلّما تتواجد مستَخدَماتٌ نساء للتنظيف اليومي. إذ لَم ترجّح النساء الخدمةَ في المنازل بسهولة. لذا، كان هناك بضعة نساء محدودات، يتداولن تنظيف كل البيوت فيما بينهن بشكل دوريّ. وعادةً ما تلجأ معلمتي إلى هؤلاء النسوة لتنظيف منزلها أو لغسل الثياب.
بِتُّ أعرف تفاصيل حياةِ معلمتي خارج المدرسة بكل جوانبها تدريجياً. وفي أحد الأيام، نظرَت فجأةً إلى ساعتِها اليدوية أثناء الدرس وقالت: “آه… تعالي يا ابنتي سكينة”. تحمّسَ الجميعُ من تأوهها. ذهبتُ بسرعة إلى جانبها. أخرجَت المعلمةُ حزمة المفاتيح من جيبِ سترتِها، وأمسكَت بأحدها، وأَرَتني إياه قائلةً بدقة: “أترَين هذا المفتاح؟ لا تخلطيه مع المفاتيح الأخرى. مرسومٌ عليه حرف التاء “T”. خذيه واذهبي مباشرةً إلى منزلي. أظن أنك تعرفينه. ذاك المنزل الذي أتيتُموه يوم العيد. افتحي الباب. ثمة حمّام على اليمين في أول المنزل. هناك خرطوم موصول إلى سخّان الحمّام. املأي السخّان بالماء، وانتبهي كي لا ينسكب الماء فيتصدأ الموقد. ثم عبّئي الجالونات والأباريق التي في المطبخ، وتعالي. وإلا، فسنبقى بلا ماء. فابني كامل ليس موجوداً هناك”.
توجهتُ ركضاً إلى الحي السفلي، وفتحتُ الباب، وملأتُ الخزان والجالونات والأباريق بالمياه كما قيل لي. لكني فعلتُ أشياء أخرى أيضاً أثناء ذلك. ذلك أن صالون المنزل مبعثر جداً، والمطبخ يعجّ بالأواني المتّسخة، ويكاد لَم يَبقَ إناء نظيف على الرف. كذلك هي حال الغرف الأخرى. فالبيجامات والثياب مبعثرة هنا وهناك، والمنافض مليئة بأعقاب السجائر. لم أستطع حسم الأمر فوراً. فهل من الصائب أن أدخل كل أنحاء المنزل دون استئذان؟ ألن يُساء فهمُ ذلك؟ لكنّ معلمتي طاعنة في السن. بل وليس لديها بنات. تألمتُ لحالها في الصميم. إذ ليس من الصواب أن أترك المنزل على هذه الحال. وأخيراً اتخذتُ قراري: غسلتُ الأواني أولاً وسريعاً، وصففتُها على صينية كبيرة حتى تجف. راعيتُ أن أصفّ كل نوعٍ على حدة: الملاعق، الصحون، والكؤوس الخ. هكذا، كنتُ أملأ الأواني بالمياه من جهة، وأرتّب المنزل وأنظّفه من جهة أخرى. استطعتُ أن أفعل كل ذلك بمفردي وبسرعةٍ قصوى.
لدى رجوعي سريعاً إلى المدرسة، كان الوقتُ الدراسي قد انتصف. سلّمتُ المفاتيح للمعلمة، فشكرَتني خجِلةً وربَّتَت على رأسي. عدتُ إلى مكاني مسرورةً، وأستشعر في أعماقي الغبطةَ التي ستختلج معلمتي حين عودتها إلى منزلها. كنتُ أحب أن أُسعِدها كثيراً. وقد اختَلَجتني السعادة لأجلها، حتى قبل أن تعلمَ هي ما قد حصل. شرحتُ الأمر لأمي حين عودتي إلى المنزل. لم تستسغ أمي الأمرَ كثيراً، لكنها لم تغضب.
في اليوم التالي، حدّقَت فيّ معلمتي من بعيد فرِحةً مسرورة، وكأني بها تودّ أن تحضنني بقوة. وعندما توجهتُ إليها، وضعَت رأسي على صدرها، وضغطَت بيدِها على كتفي قائلةً: “يا بُنيّتي، هل أنتِ مَن فعل ذلك؟ كيف فعلتِ كل ذلك بهذه السرعة؟ كم هو أنيقٌ عملُك! أنا حقاً لا أستطيع التنظيف ولا ترتيب الأواني مثلك أنت. هل تعملين في المنزل أيضاً؟ أيّ امرأةٍ هي أمُّك؟ سأراها بالتأكيد، وسأبارك تربيتَها لك”. لقد قالت حينها أموراً جمة وكأنها تُتَمتِم. أما أنا، فخجلتُ كثيراً من ثنائها، وسعدتُ جداً لسعادتها، وتأكدتُ أنني فعلتُ الصواب.
قصَّت معلمتي الأمرَ على كل زملائها في غرفة المعلمين، بل وعلى ضيوفها في المنزل. كما أثنَت عليّ أمام زوجها وأولادها، وكأنني قمتُ بعمل عظيم. بل ودَعَتني إلى منزلها كي تُعَرِّف نساءَ الحيّ عليّ. ذهبتُ مع زميلتي في المدرسة “آيسل آغيرجان”. قبَّلَتني المعلمة أولاً، ثم قبَّلني أغلب ضيوفها، بينما اكتفى البعضُ بمصافحتي. ثم أجلَسَتنا بين كل هؤلاء النسوة، وخدَمَتنا بنفسها. مع ذلك، لم أحتمل الجلوس، فهَمَمتُ لتوزيع الشاي معها. إلا إنها أصرّت على أنني ضيفتُها، وأنه عليّ ألاّ أفعل شيئاً في ذاك اليوم. أكلتُ بخجل القليلَ من الـ”مانتي باللبن”. رَصَدَ الجميعُ كل حركاتي، من جلوسي إلى احتسائي الشاي إلى تناوُلي الطعام. ما جعلني أزداد ضجراً وارتباكاً. رغم ذلك، أكلتُ وشربتُ بحذر، بل واستطعتُ أكلَ الـ”مانتي باللبن” بالملعقة الصغيرة، وتناوُلَ الكيكة بالشوكة، دون أن أُسقِطَ شيئاً من الطعام أو أن أدخل في مواقف حرجة. عزَّزَت مهارتي في هذا الشأن وفي شؤون أخرى من ثقتي بنفسي ومَكَّنَت طلاقتي في الكلام. ومع الوقت، خَفَّ خجلي، وتبدَّد ضجري.
ذهبتُ لاحقاً عدة مرات لتعبئة السخّان والأواني بالماء، ولكنْ برفقة زميلتي “آيسل آغيرجان”، التي كانت تنشغل بما حولها وبما يثير فضولها أكثر من اهتمامها بالعمل. إذ انشغلَت مطوَّلاً بعلبة السجائر التي في غرفة الضيوف، والتي بمجردِ فتحِ غطائها، يبدأ تمثال الأنثى الذي يَعلوه بالدوران على أنغام الموسيقى التي تنبعث من العلبة. كما كانت آيسل تميل إلى التدخين في عُمرها ذاك. فوضعَت سيجارة في فمها، وأشعلَتها بالولاّعة التي هي من نفس طاقم علبة السجائر، وبدأَت بالسعال من أول نفَس. ضحكتُ على حالها، وأنَّبتُها على فِعلتِها. لم أستسِغ تناوُلَها أي شيء دون استئذان، ولا تدخينَها السيجارة. لكنّ آيسل لم تَكتفِ بذلك. بل وأكلَت من صحن “الرز بحليب” الذي كان في الثلاجة، وسكبَت الماء مكانَه كي لا تنكشفَ فِعلتُها. أنَّبتُها قائلةً: “إذا انتبهَت المعلمة، فلن تثق بنا بعد الآن”. تَصبَّبَ العرَق مني خجلاً، وكأنّ المعلمة علمَت بما حصل. لكنني مضغتُ على مضض قطعة السكر التي ناولَتني إياها آيسل من علبة السكاكر الموجودة في غرفة الضيوف، بعد أن تناولَت هي قطعة أخرى.
كان زوجُ معلمتي موجوداً في البيت، مستيقظاً لتوه من النوم، عندما ذهبتُ إلى هناك بمفردي ذات يوم. وبعد أن جلبتُ الماء إلى المنزل، أردتُ الخروجَ دون انتظار. لكنه أوقفَني، محاوِلاً دَسَّ ليرتَين ونصف الليرة في جيبي. رفضتُ مستاءةً ومذهولة، لأنني عَدَدتُ ذلك بمثابةِ أَجرٍ على المساعدة. فأنا لستُ خادمةً تعمل في البيوت مقابل أجر. بل أودُّ فقط مساعدةَ معلمتي محبةً فيها وإكراماً لها. وقد قبلتُ بذلك عفوياً. وبالأصل، ما عادت معلمتي تطلب مني جلب الماء، لأن ساعات تدفق مياه الصنابير إلى الأحياء كانت تتبدل بين يوم وآخر.
أخذتُ إلى منزلها سطلاً صغيراً مليئاً بطبيخ العاشوراء في شهرِ عاشوراء. ولَمّا ذهبتُ في اليوم التالي لاستلامِ السطل، وجدتُ طعامَ العاشوراء مرمياً في سلة المهملات. غضبتُ قائلةً في قرارة نفسي: “إذاً، لم تُعجبهم العاشوراء التي طبَخناها!”. لكنّ رمي الطعام حرام! فكيف تفعل معلمتي ذلك؟ لم أودّ تصديق ذلك.
كان لي أختان توأم. وقد قمنا بتربية بقرةٍ في مستودع الحطب ذاك الشتاء، كي نُؤَمّن الحليب لهما. ونظراً لصعوبةِ تأمين الحليب آنذاك، أنبأَتنا معلمتي أنها تستطيع شراء الحليب منا، فورَ علمها بامتلاكنا للبقرة، وأنها ترفض تماماً أخذَه منا دون مقابل. كانت تشتري نصفَ كيلو من الحليب يومياً. وكنتُ أتكفلُ بإيصالِ الحليب إلى منزلها.
زارَتنا معلمتي ذات مرة، فاحتضنَت أمي وقبَّلَتها قائلةً: “كيف ربَّيتِ سكينة؟ حقاً لقد أصابني الفضول. وقد ذكرتُ ذلك أمام الجميع”. ردّت أمي عليها بلغتها التركية الركيكة. كنتُ أتدخل كلما عجزَت أمي عن التعبير. عادةً ما كنتُ أخجل من عدم إتقان أمي الكلامَ باللّغة التركية. لم أَدرِ لماذا كنتُ أخجل من ذلك، ولكني كنت أخجل على أي حال. تفحَّصَت معلمتي بطرف عينيها بساطةَ صالوننا الكبير. من المؤكد أنها لم تَكُن تبحث عن الراحة. فمنزلها أيضاً متواضع. لكننا كنا من عائلة كادحة ونظيفة. أعتقد أن هذا ما تأثرَت به بالأكثر. وعلى أي حال، فقد ضاعفَت زيارةُ معلمتي هذه من محبتي لها.
مع دخولي الصف الخامس من المرحلة الابتدائية، تعلمتُ أموراً جديدة. إذ حصلَت سلسلةٌ من الأحداث التي لم أفهمها أو أميِّزها. كنتُ أنصتُ أحياناً إلى أخبار الراديو، إذ يسرد المذيعُ بأسلوب مؤثر وبليغٍ الأحداثَ التي تبدأ بجملةِ: “في الاشتباك الذي جرى مع الإرهابيين…”، وتنتهي بإحصائيةِ الجرحى أو القتلى أو الاعتقالات. وعادةً ما تُذكَر أسماءُ الملاحَقين وعناوينهم.
لم يَعتَد أحد في المنزل على الاستماع إلى الراديو أو شراء الجرائد بانتظام. لكني كنتُ أطالع بشغفٍ الجرائدَ القديمة، التي نجلبُها عموماً من الدكاكين أو الجيران لوضعها على الرفوف. لذا، عادةً ما كان صفُّ الجرائد على الرفوف يأخذ مني ساعات طوال، فتستاء أمي وتتذمر جراء ذلك. خُصِّصَت في إحدى تلك الجرائد مساحة واسعة للصور الملونة الخاصة بـ”سيبل أركان”، الذي كان قد اختُطِف في تلك الأيام. بالإضافة إلى صورةٍ للقسم الخارجي من المبنى الذي تمت مداهمته، وكلمة “الإرهابيون” مكتوبةً بخطّ صغير مكانَ نافذة المبنى. في حين شغلَت التفاسير بهذا الشأن قسماً كبيراً من أعمدة الجريدة.
ثمة شابة رهينة أيضاً في هذا الحادث. لم أفهم سبب ذلك ولا تداعياته. لكن كل التعليقات حول الحادث تمحورت حول اليمين واليسار: المختَطَفون يساريون، كأولئك الشباب الذين تحَدّوا الدولة في حادثة “بير سلطان عبدال”. وتشير الأخبار إلى “أن المنزل محاصَر، وأنه أُطلِقَت نداءات الاستسلام عليهم، وأن اعتقالهم بات وشيكاً”. أحزَنني ذلك، ووَلَّدَ لديّ مشاعر الأسف عليهم. حاولتُ تقييم الأمر وفق مسارِ الأحداث التي عايشتُها أو رأيتُها في ديرسم أو حسب تداعياتِها بجوانبها العريضة.
عرجتُ ذات يوم على منزل معلمتي، لنذهب سويةً إلى المدرسة. لكنها تصفَّحَت الجريدة سريعاً قبل خروجها من المنزل، فصرخَت: “آه يا بُنَيّ! هذا غير معقول! يا كامل! اسمع ماذا حصل. تعال! إنهم قتلوا ذاك الشاب. لقد قتلوا حسين جواهر !”.
“حسين جواهر؟!”. اقشعرّ بدني بمجرد سماعي نبأ مقتل هذا الشخص. لقد قتلَته الشرطة. سألَتني معلمتي إذا كنتُ أعرف عائلةَ “حيدر كوج” أم لا: “هم أيضاً من عشيرتكم. أليس كذلك؟”. ينتمي “حيدر كوج” إلى قرية “كافون” أو قرية أخرى مجاورة من قرى مدينة ملازكيرت. وهو من أبرز الأسماء في عشيرة “قُرَيشان”. لكنه شخص مقرَّب من الدولة ومعروف بتواطؤه معها. لذا، نَبَذه الجميع، لاسيما الشباب. تميَّزت عائلة جواهر بالمقابل بطيب السمعة. لقد قُتِلَ حسين جواهر. حاولَت معلمتي إفهامي الأمرَ قائلةً بتألّم: “إنهم مختطِفو الفتاة التي تُدعى “سيبل أركان”. إذ يقطنون في الدور الأعلى من نفس المبنى. وهناك اشتبكوا مع قوات الشرطة. لقد كانوا شباناً يافعين. واأسفاه!”.
ظلّت صرخةُ معلمتي: “لقد قُتِل حسين جواهر!” عالقةً في خاطري حتى بعد عودتي إلى المنزل. فهذا ما معناه أنه قد قُتِلَ في أنقرة شاب من ديرسم، بل وهو ابنُ عائلةٍ نعرفها. كان الجميع قد علِموا بالخبر لدى وصولي المساكن. ألا يُقال أن “الخبر الشؤم ينتشر سريعاً”؟ لقد انتشر خبر “مَقتله” على الفور. وقيل أن نعشَه سيأتي. بل وثمة مَن ذهب للعزاء من حينها. عجّت منازل أقارب العائلة في ديرسم لأيامٍ بالوافدين لتقديم العزاء.
بات صعباً علينا البقاء في المساكن. فقد ذهب أبي إلى ألمانيا منذ زمن طويل. وسينقلُ موسى، زميله في العمل، منزلَه وعائلته من القرية إلى منزلنا. علينا الخروج إذاً. انتقَلنا ثانيةً إلى “حي الجبل”، واستأجرنا منزلاً انتهى بناؤه تواً.
——–
***حسين جواهر: مناضل اشتراكي من ديرسم (1946-1971) وخريج كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة، وأحد أعضاء اللجنة المركزية لـ”حزب التحرير الشعبي في تركيا”، ومن مؤسسي “حزب التحرير الشعبي في تركيا/الجبهة”، ومن المؤثرين في انتقاله إلى الكفاح المسلح. وفي شهر أيار 1971 حوصِر هو وماهر تشايان في أحد المنازل بإحدى ضواحي إستنبول لمدة ثلاثة أيام. وهناك قضى نَحبَه على يد قنّاص عسكري، بعد إصابته بـ25 رصاصة.
ترجمة: بشرى علي