سكان حي ببرلين يريدون إخراج جوجل من منطقتهم
الشوارع المجاورة لمتنزه غورليتزر، تلك البقعة المُستطيلة التي تشتهر بوجود المُتزلِّجين، وأناس ينزهون كلابهم، وتُجَّار مُخدرات غامضين، شرق حي كروزبيرغ في العاصمة الألمانية برلين، سرعان ما يمكنك رؤية عبارات تشير إلى الخلاف حيال هذا الوافد الجديد إلى الحي. إحداها العبارات المكتوبة على أحد الحوائط تقول: “ارحل من هنا يا جوجل”.
فخطط إنشاء مقر تابع لعملاق مُحرِّكات البحث “جوجل” ألهمت المجتمع المحلي للاستجابة بشكلٍ مبدع لما يعتبرونه “تهديداً وجودياً”، حسب ما ذكرته صحيفة The Guardianالبريطانية.
إذ تعقد مكتبة “Kalabal! K” المحلية ذات الرؤية الأناركية، جلسات مناهضة لجوجل يُطلَق عليها “Anti-Google Café” مرتين في الشهر. ومنذ العام الماضي (2017)، قامت إحدى مجموعات الناشطين الناشئة بتوزيع جريدة تحمل اسم “ٍShitstorm: Against Google, Displacement and Tech Dominance” أو “عاصفة غضب: ضد جوجل، والإجلاء، وهيمنة التكنولوجيا”.
شركة جوجل تستعد لافتتاح مقر جديد لها خاص برواد الأعمال، في العاصمة برلين على غرار مدن أخرى، لكن هذه الخطوة تواجه ترحيباً غير متوقع من السكان المحليين، والسبب غير متوقع.
وتُعد مواقع جوجل في لندن، ومدريد، وتل أبيب، وسيول، وساو باولو، ووارسو (في معمل تقطير فودكا سابق) مراكز محورية لرواد الأعمال، وتوفر مساحةَ عملٍ لمؤسسي الشركات الناشئة، بالإضافة إلى التواصل عبر الإنترنت، والأنشطة التعليمية.
تغيير اقتصادي وثقافي مرفوض
المكان المُستقبلي لحرم جوجل هو عبارة عن محطة كهربائية فرعية كبيرة سابقة، أو “Umspannwerk” باللغة الألمانية، تُؤجَّر حالياً كمساحةٍ لإقامة فعاليات. وعلى الرغم من أن تاريخ الافتتاح كان قد أُعلِنَ أنَّه سيكون في سبتمبر/أيلول 2017 في بادئ الأمر، فقد أُجِّلَ إلى خريف هذا العام (2018). وسيكون هذا المقر هو السابع للشركة في جميع أنحاء العالم.
ويمكن النظر إلى الحرم الجامعي الجديد في برلين على أنَّه لا يُشكِّل ضرراً إلى حدٍّ كبير، فهناك الكثير من شركات الإعلام والتكنولوجيا التي تستخدم المحطة الكهربائية الفرعية، وجوجل لديها بالفعل مكتب في منطقة “مته” المجاورة. لكنَّ خطط جوجل قُوبِلَت بحركةٍ نشطة. واكتشفت الشركة وجود توتُّراتٍ قائمة حول إجلاء الشركات المحلية، والفنانين، والمقيمين بالمكان مدة طويلة، من خلال رفع الإيجارات والتحسين الطبقي، في حين تُعتبر علامة جوجل التجارية البارزة رمزاً للتغيير الاقتصادي وربما الثقافي الذي سيحدث في المستقبل.
ويقول ستيفان كلاين، وهو ناشطٌ محلي بمجموعة “GloReiche” المجاورة، في واحدةٍ من جلساتهم المفتوحة التي تُعقَد مرتين أسبوعياً: “أعتقد أن جوجل فُوجئت بأنَّها وُوجِهَت بمُعارضة”.
بعد انتهاء دوام العمل في المساء، يُقدِّم كلاين وزملاؤه النصائح للسكان الذين لديهم مخاوف بشأن السكن بمنطقتهم. وفي أثناء حديثه، يدخل رجلٌ ومعه خطابٌ من مالك العقار يريد منهم أن يساعدوا في شرحه، والمخاوف من أن يُطرَدوا أو يُجبَروا على الخروج واردة.
هم على بُعد مرمى حجرٍ من موقع الحرم الجامعي بشارع Ohlauer القريب، حيث يقول كلاين: “في كل مكانٍ آخر فتحوا فيه حرماً جامعياً، قُوبلوا بتصفيق. وربما يكون التحسين الطبقي قد حدث بالفعل، كما هو الحال في لندن، أو أنَّ المدينة تريده بشدة، كما هو الحال في وارسو عاصمة بولندا، ولكن هنا في كروزبيرغ بألمانيا لا يقتنع الناس على الفور”.
لكن الشركة تحاول تخفيف هذه المخاوف
ويقول مُتحدِّثٌ باسم جوجل في برلين إنَّ الشركة قد تحدَّثَت مع السكان بشأن مخاوفهم، وإنَّها تدرج ردودهم في خططها. وقال: “نحن أنفسنا نعيش في برلين، ونتفهَّم مخاوف الجيران حول التحسين الطبقي، ونعرف كيف تطوَّرَت كروزبيرغ في السنوات الأخيرة”.
ويجعل مشهد التكنولوجيا قيد النضوج في برلين المدينة اختياراً مناسباً لجوجل. ولديها بالفعل شراكة مع مكان عمل مُشترك وهو “Factory”، الذي يفتح مكاناً جديداً بالقرب من مكان الحرم الجامعي الجديد، وهو “Factory Görlitzer Park”، الذي يُتوقَّع أن يستقبل 10 آلاف عضو. وينجذب مُؤسسو الشركات الناشئة إلى حيوية المدينة، وإبداعها، ومزيجها العالمي.
المعارضة كانت منظَّمة بالفعل
ولكن الطفرة في الشركات الجديدة والهجرة ارتبطت بزيادةٍ في الإيجار بنسبة 70% تقريباً بين عامي 2004 و2016، وفقاً لتقريرٍ صدر العام الماضي (2017)، مع وجود منطقة فريدرششاين-كروزبيرغ الإدارية العصرية من ضمن المناطق التي شهدت أعلى نسب الارتفاع. وفي مدينةٍ 85% من سكانها مستأجرون، فإنَّ القضية تتصدَّر السياسة المحلية والوطنية.
واجتذبت مظاهرةٌ وقعت في أبريل/نيسان 2018 ضد “جنون الإيجار” بالعاصمة الألمانية آلاف المتظاهرين (13 ألف مُتظاهر وفقاً للشرطة، ولكن 25 ألفاً وفقاً لكلاين).
ويقول كونستانتين سيرجيو، العضو في “Bizim Kiez”، وهي مجموعةٌ أخرى مُجاورة تابعة للحملة نفسها: “كان الناشطون ومجموعات المستأجرين المُنَظَّمَة يعملون على قضايا التحسين الطبقي، والإجلاء، وخصخصة الأماكن العامة فترةً من الزمن؛ لذلك عندما قرَّرَت جوجل الانتقال إلى المنطقة، كنا مُنظَّمين بالفعل. كان حرم جوجل واحداً من تلك الأشياء التي برزت في الصدارة، ولمحت إلى إحداث تطوير في التغيير الحضري، الذي أثبت أنَّه مشكلةٌ كبيرة بأماكن أخرى، كما هو الحال في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية”.
ليست الإيجارات فقط هي ما يثير المخاوف
ويقول سيرجيو إنَّ السياسيين المحليين كانوا حريصين على تعزيز “رقمنة” برلين، ولكن مجموعته وغيرها من المجموعات يساورها القلق بشأن الطبيعة المتضاربة المُحتملة لنموذج الأعمال الناشئة.
ويقول سيرجيو إنَّ العمر الافتراضي القصير لبعض الشركات الناشئة يُفيد المُلَّاك؛ لأنَّهم يعرفون أنَّهم في غضون 3 سنوات أو ما يقرب من ذلك يستطيعون رفع الإيجار. واتَّحدت مجموعة سيرجيو ومجموعة كلاين، وهما “Bizim Kiez” و”GloReiche” مع مجموعةٍ أخرى، وهي “Lause Bleibt”، لتقديم كُتيب حول القضايا في حدثٍ أقيم الأربعاء 9 مايو/أيار 2018.
وإلى جانب ارتفاع الإيجارات، يشعر النشطاء بالقلق حول استغلال المشاهد الإبداعية المحلية. ويقول سيرجيو: “لقد اختاروا بشكلٍ استراتيجي منطقة كروزبيرغ؛ للاستفادة من شبكتها الفضفاضة من الأشخاص المُبدعين، والروح الموجودة هنا؛ لكونها خارجة قليلاً عن القواعد، وبها بعض الجنون، والتحرُّر”. ويستشهد سيرجيو بالعرض الأخير الذي قدَّمَته شركة Sidewalk Labs، وهي شركةٌ مملوكة لشركة Alphabet، الشركة الأم لشركة جوجل، لإعادة تطوير الواجهة البحرية لتورونتو كسببٍ للقلق بشأن اهتمامات الشركة بإمكانية استخراج البيانات من المدن.
انتقادات للشركات الكبرى
وجذبت هذه الانتقادات المتقاربة لسلوك شركات التكنولوجيا الكبرى، إلى جانب التحسين الطبقي/ اهتماماً عالمياً. وانضم ناشط حقوق رقمية من فرنسا يعيش الآن في برلين إلى الحملة، وأنشأ موقع “Fuck Off Google” باللغة الإنكليزية، ويهدف الموقع إلى نشر هذه الانتقادات الأوسع نطاقاً. يتحدث الناشط إلى الصحافة مُستخدماً الاسم المستعار الفُكاهي لاري بيج بلانك، وهو بمثابة إشارة إلى الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، ويلفت الانتباه إلى تاريخ جوجل في التهرب الضريبي والمراقبة الجماعية كأمثلة على الأشياء التي فعلتها الشركة، أشياء تجعلها غير متوافقة مع القيم التقدمية للمنطقة المحلية.
ويقول بيج بلانك: “ربما ظنوا أنَّهم يمكن أن ينصبوا مكاناً لهم هنا، وأنَّ الناس سيشعرون بالحرية؛ لأنَّ الجميع يُحب جوجل، أليس كذلك؟ ولكن الأمر يتحول إلى لحظةٍ لن تكون الأمور فيها سهلة بالنسبة لهم كما هي عادةً”. ويضيف أنَّه يفضِّل أن يرى المدينة تصبح عاصمة لريادة طريقة مُختلفة لاستخدام التكنولوجيا، وهي طريقة أكثر حرية وليست متركزة للغاية من خلال شركة واحدة”.
وربما لم يخطر هذا الأمر على بال رامونا بوب، وهي سياسية محلية في حزب “Bündnis 90/Die Grünen” الأخضر بألمانيا، وعضوة في مجلس الشيوخ عن الاقتصاد، والطاقة، والشركات ببرلين، عندما أعربت عن دعمها حرم جوجل الجامعي. وفي بيانٍ أرسلته بالبريد الإلكتروني لصحيفة The Guardian البريطانية، قالت إنَّ الحرم الجامعي “مبادرة مُرحَّب بها، ويُناسب مشهد الشركات الناشئة المُزدهر في المدينة”. ورداً على المعارضة، قالت إنَّ الحرم الجامعي وما سيقيمه من أحداث “ينبغي أيضاً أن يتكيف مع احتياجات الحي. ستُقيَّم جوجل، بناء على وعد الشركة، بأنَّ مصالحها التجارية الخاصة لن تكون في المقدمة”.
ويعمل فلوريان شميدت، وهو سياسي محلي آخر في حزب Bündnis 90/Die Grünen، بمثابة الوسيط، ويعمل على حل المشاكل في هذه المُناظرات. وهو مدرَّب جيداً على الدور، ولديه خلفية في الإسكان والنشاط الحضري، ودرجة ماجستير بعلم الاجتماع. ويقول: “لا أريد أن يكون الرد على هذا الأمر هو (محاربة مجتمع الشركات الناشئة). ومع ذلك، لا أرغب في أن يُسيطر السوق، وأن يعني هذا النمو أن تحدث تغييراتٌ جذرية بالحي”.
ويشير شميدت إلى أنَّ حرم جوجل سيكون لديه من 6 إلى 10 موظفين فقط، “إنَّه ليس بهذه الضخامة، ولكن كعلامة تجارية عالمية قد يجلب المزيد من الممثلين التجاريين الأكبر”. وهو حريصٌ على إيجاد حل، ويُلمح إلى مشروعه الرئيسي في وظيفته الصباحية بقسم التطوير الحضري، وتطوير الحدائق، والمرافق، الذي يستخدم حالياً قوانين “حق الشراء أولاً” ببرلينلشراء العقارات التي في طريقها إلى نهاية عقد الإيجار الاجتماعي؛ لإبقاء أسعارها في متناول اليد.
ويقول: “أنا لا أقول إنَّ شركة جوجل يجب ألا تأتي إلى هنا، لكن عليهم أن يدركوا أنَّهم جزء من شيء يُخيف الناس حقاً… إذا كانت مثل هذه المؤسسة الكبيرة تريد الانضمام إلى أكثر الأحياء روعةً وتمرداً في برلين؛ بل ربما بأوروبا، يجب أن تكون هناك طريقة يمكن أن تُساهم بها في إنقاذ الحي”.
في هذه الأثناء، فإنَّ ناخبيه في منطقة فريدرششاين-كروزبيرغ يُخططون لخطواتهم التالية، أولاً تقديم كتيبهم إلى الشركات الصغيرة، ثم إنشاء موقع للحملة على الإنترنت، مع وجود إجراءاتٍ أخرى كذلك. ويقول كلاين: “ستواجه جوجل صيفاً حاراً”.