“سطوة الطبيعة وأسطورة المكان” في رواية “النجوم تغضب أحيانا” لـ .. سعيد رفيع
كتب.. محمد صالح البحر
“النجوم تغضب أحيانا” هو عنوان الرواية الجديدة للأديب سعيد رفيع، وهي الرواية الثانية في مسيرته الإبداعية، التي تضم ثلاث مجموعات قصصية، وكتابا في الأدب الساخر، ومجموعة لا تزال قيد النشر.
للوهلة الأولى يتوزع العنوان بين دلالات كثيرة، ويجد القارئ نفسه عاجزا عن الإرتكان إلي إحداها، دون أن تجرح معناها بقية الدلالات الأخرى، فكلمة “النجوم” التي ستسحبك باتجاه الطبيعة، وتغريك برومانسية مرتقبة، سوف يكسر حدتها فعل الغضب الملاصق، ليرميك إلي متاهات الصحراء والبداوة، أو إلي ليل المدن الممتلئ بالأضواء الطاردة للنجوم، ثم سرعان ما تردك كلمة “أحيانا” إلي رومانسية التلقي التي تكسر حدة الغضب، وتنتصر لأضواء النجوم، وإن بكثير من الشك والريبة، خصوصا وأنت تتأمل غلاف الرواية، حيث بركة الماء الساكنة في هدوء بين الجبال المرتفعة، وتعلوها سماء شديدة الزرقة رغم وجود السُحب الكثيفة.
يرتبط العنوان بمضمون الرواية في جزء صغير منه، يتمثل في إيمان البدو بقدرة نجم “الأحيمر” علي إنزال غضبه بالأرض وأهلها، إذا ما غير موضعه من الجنوب الشرقي إلي الشمال الغربي، وقد تحقق هذا الغضب الأسطوري في شكل عاصفة رملية شديدة، أودتْ بحياة الشخصية الشريرة الوحيدة في الرواية، “الولد عودان” بعدما أصابته بشلل نصفي، ثم أنزلت ذات الغضب بوادي “أم نفيع” وأهله كلهم، جراء انصياعهم إلي شره، والقبول بانقسام قبيلة المراشدة إلي فريقين متناحرين علي يده.
يمكن اعتبار الرواية “رواية مكان” بامتياز، فالدراما الأساسية لها تكمن في قيام وانهيار قبيلة المراشدة، التي كان أهلها مشتتون في الأرض علي هيئة أقليات صغيرة تحت حماية القبائل الأخرى، مما أدي إلي تعرضهم إلي ظلم اجتماعي كبير، تمثل في النظر إليهم بوصفهم عبيد، وغير مؤثرين في مجريات الأمور، وهو الأمر الذي شكَّل نصف الرواية الأول علي هيئة سيرة، تحكي فترة تكوين القبيلة منذ كانت فكرة في رأس الشيخ حمد الكبير، وحتى تنصيبه شيخا لها، وجعل من النصف الآخر سردا لتفاصيل الصراع الذي أدي إلي التفتت والضعف والهجرة، حتى أتت الطبيعة بعقابها متمثلا في عاصفة “الأحيمر”، ومن بعده السيل المدمر، ليأتيا علي “الوادي والبئر” الذين شهدا فترة التكوين، وشكلا أساس وجود القبيلة في المكان جغرافيا واجتماعيا واقتصاديا، لتنمحي آثار القبيلة والمكان جميعا، وبحيث لا يبقي من الحكاية كلها سوي أربعة شواهد لأربعة قبور، تقف علي قمة الهضبة التي كانت تتوسط الوادي، وتفوح منها رائحة العطر، دليلا علي حُسْنِ سيرة أصحابها الذين قادوا مسيرة تكوين القبيلة، وإعمار المكان، بقلوب نقية وأرواح طاهرة، وهم الشيخ “حمد الكبير” الذي نبتت في بصيرته فكرة جمع شتات القبيلة، ورفيقه الشيخ “الشايب راعي الغنم” الذي ساعده في تجسيد الفكرة لتصير واقعا ملموسا علي الأرض، ثم “أم نفيع” الغريبة المطاردة التي ذابت في القبيلة حتى صارتْ من أهلها، وهي صاحبة فكرة بئر الماء، التي اختارتْ مكانها بخبرتها، والتي سُميتْ باسمها، ثم تم إطلاق اسمها علي الوادي كله متخليا عن اسم قبيلة المراشدة نفسه، وأخيرا الشيخ “سعيد” ابن الشيخ حمد الكبير الذي ورث المشيخة من بعده، وواصل سيرته الخيرة في القبيلة.
علي أن اختيار الرواية لتاريخ المكان ليكون البطل الرئيس، أتي علي حساب الشخصيات التي فقدت العمق، واقتصر وجودها علي ابراز دورها فقط، سواء في فترة التكوين أو الانهيار، دون ابراز لتركيبتها النفسية والاجتماعية والتاريخية، أو اظهار لتناقضاتها الداخلية التي تبرر الفعل والسلوك، وتدفع القارئ إلي تصديق ما يجري أمامه من أحداث، ولم ينجو من ذلك المرور العابر سوي شخصيتي أم نفيع والشيخ الشايب راعي الغنم، وهو ذات الأمر الذي أثر أيضا علي شكل “الموت” في الرواية، فبينما مات الشيخ حمد الكبير وأم نفيع فجأة بحكم السن أو المرض المفاجئ، ومات السيخ سعيد بن حمد الكبير بلا إجابة لأجواء الشك السريع حول مَنْ الذي وضع حية “الطريشة” في مكان نومه لتبث السم في جسمه، جاء موت الشيخ الشايب راعي الغنم كأسطورة واقعية حقيقية، والضوء الدرامي الأقوى، والأكثر تأثيرا، وقدرة علي البقاء.