سر تفوق شعبية ترامب على أوباما بالجيش الأمريكي رغم قراراته الغريبة
على عكس مايبدو من تقارير الإعلام يحظى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشعبية كبيرة في أوساط الجنود والقادة في الجيش الأمريكي، فلماذا يحظى ترامب بالشعبية في الجيش الأمريكي رغم قراراته المثيرة للجدل؟
بعد أيامٍ من قرار الرئيس دونالد ترامب المُفاجئ بسحب ألف جُنديٍ أمريكي من سوريا؛ عثر الجنرال مارك مايلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، على طريقةٍ لتغيير القرار.
إذ ركَّز ترامب رجل الأعمال على حقول النفط السورية، التي في حال تُرِكَت دون حمايةٍ فقد تقع في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) -أو روسيا أو إيران. لذا اقترح الجنرال مايلي على ترامب المُرحِّب أنَّ تقوم قوات الكوماندوز الأمريكية بحماية النفط، إلى جانب حلفائهم من المُقاتلين الأكراد السوريين.
واليوم، ما يزال هناك 800 جنديٍ أمريكيٍ في سوريا، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
وقال ترامب للمراسلين يوم الأربعاء، 13 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: «سنحتفظ بالنفط. لقد أبقينا على بعض الجنود في الجبهة لمُجرد الحفاظ على النفط».
وهذا موقفٌ بعيدٌ كل البعد عن موقف ترامب الشهر الماضي، حين أمر بسحب القوات الأمريكية من شمالي سوريا. ولكن الآن، نجح البنتاغون في تخفيف قرار الرئيس الأولي للمرة الثانية خلال أقل من عام.
كيف أبقوا القوات في سوريا رغم قرار الانسحاب؟
وقال جاك كين، نائب رئيس الأركان السابق، الذي تحدَّث أكثر من مرة إلى ترامب والجنرال مايلي الشهر الماضي خلال أيام السياسة المتضاربة للرئيس في سوريا: «يستحق مايلي الثناء لإقناعه الرئيس بتعديل قراره المُتعلّق بسوريا».
وبعد مرور ثلاث سنواتٍ على رئاسة ترامب، بدأ البنتاغون يتعلَّم كيفية إدارة رئيسه المُتقلِّب الذي يُمكن أن تتغيَّر قراراته في غضون ساعة. وتعلَّم كبار مسؤولي وزارة الدفاع الدرس بالطريقة الصعبة، من خلال تنمُّر ترامب بتغريداته على إيران وكوريا الشمالية، وخذلانه للحلفاء في سوريا، وهجماته القاسية على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودعمه العلني لجنود الكوماندوز الذين اتَّهمهم الجيش بارتكاب جرائم حرب.
وقال أحد المسؤولين البارزين بالبنتاغون إنَّ ترامب شخصيةٌ غير متوقَّعة، ومُحبِطة، وتُركِّز بشكلٍ مُبالغٍ فيه على المظاهر مثل العروض العسكرية.
لماذا يحظى ترامب بالشعبية في الجيش الأمريكي رغم غرابة قراراته؟
ولكن هناك الكثير من الأمور التي يُحبها أولئك المسؤولين في الرئيس.
فهم سعداءٌ مثلاً بزيادة الميزانية السنوية التي منحها لهم -التي بلغت 716 مليار دولار أمريكي هذا العام، مُقارنةً بـ585 مليار دولار عام 2016-، ومُبتهجون لأنَّه خلَّصهم مما اعتبروه إدارةً جزئية من مسؤولي البيت الأبيض في عهد أوباما.
كما منح ترامب القادة في المناطق القتالية يداً أكثر حرية في تنفيذ المُداهمات. وما يزال ترامب يحظى بشعبيةٍ كبيرة في أوساط قطاعٍ عريض من القادة والجنود، الذين يعكسون صورة قاعدة ترامب المُحافِظة.
ومن نواحٍ كثيرة، ما يزال الجيش الأمريكي هو القطاع الحكومي الأكثر استجابةً للرئيس بطول الإدارة الكبيرة والمُشتَّتة، لأنَّ السيطرة المدنية على القوات المُسلَّحة مكفولةٌ بموجب الدستور وراسخةٌ في عقلية كل جندي.
ولكن الوجه الآخر لهذه العملة بالنسبة لترامب هو أنَّ الجيش يحترم كافة أفرع الحكومة الأخرى، وهو ما برهن عليه المُقدِّم أليكساندر فيندمان في الأيام الأخيرة حين شهد في إجراءات عزل ترامب بمجلس النواب، على عكس رغبات الرئيس.
نعم أعطى ترامب الجيش حريات جديدة، ولكن حملهم تداعياتٌ أكثر
بمجرد تنصيب ترامب رئيساً؛ منح البنتاغون والقادة العسكريين مساحةً أكبر للحركة. وسمح للبنتاجون بتسريع عملية اتَّخاذ القرار، ليتمكَّن الجيش من الحركة بشكلٍ أسرع خلال المُداهمات، والضربات الجوية، ومهام القصف، وتسليح الحلفاء في العراق وسوريا وغيرها من المناطق.
وأثنى البنتاغون في البداية على القائد الأعلى الجديد، بعد ثماني سنواتٍ من الامتعاض حيال ما رأى العديد من الجنرالات أنَّه تباطؤ وتردُّد في عملية اتَّخاذ القرار من جانب البيت الأبيض في عهد أوباما.
ولكن الحرية الجديدة جلبت معها تداعيات أخرى. إذ كان ترامب يُلقي باللوم على البنتاغون في حال ساءت الأمور.
فبعد المُداهمة الفاشلة في اليمن خلال شهر يناير عام 2017، التي راح ضحيتها الرقيب أول ويليام أوينز -المعروف باسم ريان- من قوات النافي سيلز بالبحرية الأمريكية؛ بدا أنَّ ترامب يُحمِّل الجيش المسؤولية -وهو اختلافٌ صادم عن سياسة الرؤساء السابقين، الذين اعتاد كلٌ منهم تحمُّل المسؤولية عن العمليات العسكرية التي أمر بها بوصفه القائد الأعلى للبلاد.
إذ صرَّح ترامب لقناة Fox News في أعقاب المُداهمة: «لقد أوضحوا ما يرغبون في فعله، أقصد الجنرالات، وهم مُحترمون للغاية. وفقدوا ريان».
إنهم غاضبون من العفو الذي أصدره
وفي مسألةٍ أُخرى مهمة بالنسبة للبنتاغون، تواصل وزير الدفاع مارك إسبر ووزير الجيش رايان مكارثي مع ترامب في الأيام الأخيرة ليطلبوا منه عدم التدخُّل في القضايا العديدة المُتعلِّقة بجرائم الحرب.
ويخشى مسؤولو وزارة الدفاع أن يُقوِّض العفو الرئاسي من مستوى الانضباط بين صفوف الجيش. إذ يُحاكم الجيش مثلاً الرائد ماثيو غولستين من القوات الخاصة بتهمة قتل رجلٍ مرتبطٍ بطالبان في أفغانستان، لكن ترامب أشار إلى أنَّه قد يُصدر قراراً بالعفو عنه. وقال إسبر للمراسلين: «لدي ثقةٌ كاملة في منظومة القضاء العسكري».
وبالفعل أصدد ترامب العفو الكامل المثير للجدل للملازم كلينت لورانس والميجر ماثيو غولستين عن الجرائم التي أدينوا بها في أفغانستان، وأمر بأن تعاد لإدوارد غالاغر الرتبة العسكرية التي كان عليها قبل إدانته خلال محاكمة عسكرية هذا العام.
هدية ترامب للجيش الأمريكي في سوريا
وفي حالة سوريا، منح البنتاغون هديةً غير متوقعة لترامب في المقابل: مُداهمة القوات الخاصة الأمريكية التي أدَّت إلى مصرع أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش. وأبهجت الأخبار الرئيس لدرجة أنَّه كتب الخبر على تويتر بمجرد ابتعاد الجنود الأمريكيين عن منطقة الخطر.
وفي اليوم التالي، ذكر ترامب المنتصر اسم الجنرال مايلي أربع مراتٍ خلال مؤتمره الصحفي حول المُداهمة، والذي امتد لـ48 دقيقة، واصفاً إياه بـ»الاستثنائي» بفضل جهوده وشاكراً إياه بالاسم قبل أي مسؤولٍ بارز بالإدارة.
القادة تعلموا كيفية تجنب إغضاب الرئيس
وتعلَّم القادة أيضاً تحليل تعليقاتهم بحرص، خشية أنَّ تُفسَّر كلماتهم على أنَّها انتقادٌ خفي للرئيس.
فخلال مؤتمرٍ صحفي؛ رفض الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، تكرار تأكيد ترامب على أنَّ زعيم تنظيم داعش كان «ينتحب» قبل تفجير السترة الناسفة في أعقاب مُداهمة القوات الأمريكية لمُجمَّعه السكني.
لكنَّه ماكنزي دعم توصيف الرئيس للبغدادي بأنَّه جبان، قائلاً: «زحف إلى حفرةٍ مع طفلين، ثم فجَّر نفسه. لذا، يُمكنك استنتاج أيّ نوعٍ من الأشخاص هو بناءً على هذا التصرُّف».
ويضمن مسؤولو وزارة الدفاع حديثهم باستمرارٍ عن مدى أهمية أن يدفع حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا «نصيبهم العادل»، ترديداً لرؤية ترامب الأكثر تعاملية حول كيفية استمرار هذا التحالف.
وبالتأكِّيد على الدفع، بدلاً من أن يقول البنتاغون إنَّه يُريد من حكومات أوروبا أن تزيد ميزانياتها العسكرية الداخلية -وهو الوصف الأدق لسياسة الناتو-، يدفع المسؤولون الأمريكيون بشيءٍ يُريدونه على كل حال ولكن بلهجةٍ ترقى لإعجاب الرئيس.
وفي شبه الجزيرة الكورية، واصلت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناوراتهما العسكرية المُشتركة، رغم إعلان ترامب أنَّ «ألعاب الحرب» هذه ستُعلَّق في انتظار المفاوضات النووية مع كوريا الشمالية.
إذ قال مسؤولو وزارة الدفاع إنَّ وقف المناورات بالكامل سيضُرُّ بجاهزية الجيش في حال انتهى الأمر إلى اندلاع حربٍ بين الولايات المتحدة وبين كوريا الشمالية. لذا يُجري الجيش تلك المناورات على نطاقٍ أصغر، وليس في العلن.
وفي أفغانستان، يستعد قائد العمليات الجنرال أوستن ميلر لتقليص الوجود الأمريكي هناك. بعدما قال ترامب إنَّه يرغب في سحب الجنود بالكامل، دون أن يُحدِّد جدولاً زمنياً لتنفيذ ذلك.
ولدى ميلر الآن خططٌ من شأنها أن تخفض أعداد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 8,600 جندي، بعد أن كانت تتراوح بين 12 و13 ألف جندي، وهي خطوةٌ من شأنها أن تسمح لترامب بالقول إنَّه يُعيد الجنود إلى أرض الوطن خلال حملة إعادة انتخابه عام 2020. لكنَّها ستترك -ما يعتبره القادة- عدداً كافياً من الجنود على الأرض.
المناوشات بشأن سوريا.. كيف أقنعوا ترامب بالبقاء؟
كانت العلاقة بين ترامب والجيش مشحونةً بسبب السياسة السورية أكثر من أيّ شيءٍ آخر.
إذ بدأت المشكلات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين حاول ترامب للمرة الأولى إعادة قرابة الألفي جنديٍ أمريكي في سوريا إلى أرض الوطن آنذاك، لكن وزير دفاعه جيمس ماتيس استقال احتجاجاً.
وفي العاصفة التي أعقبت ذلك -إذ قال الجمهوريون والديمقراطيون وعددٌ من مستشاري ترامب إنَّه ينسحب من المعركة قبل هزيمة داعش بالكامل-؛ تراجع ترامب وارتضى الإبقاء على قرابة الألف جندي. ولكن على مدار العام الماضي، سمح لهم مسؤولو البنتاغون بالعمل في السر تقريباً لتجنُّب لفت الانتباه إلى حقيقة أنَّ مسؤولي وزارة الدفاع أقنعوا الرئيس بالتراجع عن قراره الأوّلي.
وفي أعقاب محادثةٍ هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أوائل أكتوبر/تشرين الأول؛ ألمح ترامب إلى أنَّ الكيل قد فاض به وأعلن أنَّه سيسحب الجنود الباقين. واحتج الجمهوريون والديمقراطيون ومستشارو ترامب للأمن القومي مرةً أخرى، قائلين إنَّه يُمهِّد الطريق بذلك أمام هجومٍ تركي ضد المقاتلين الأكراد، الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة منذ وقتٍ بعيد وتحمَّلوا ويلات الحرب ضد داعش. ولم يرغب الجيش في التخلِّي عن الأكراد تحديداً.
إذ قال ماك ثورنبيري، النائب الجمهوري من ولاية تكساس والعضو البارز بلجنة الخدمات المسلحة: «ما يُضايقني حقاً هو فكرة التخلِّي عن تلك التضحيات. فأنت ترغب في احترام والامتثال لأوامر السلطات السياسية المنتخبة بطريقةٍ صحيحة، ولكنّك لا ترغب في خيانة تضحيات رفاقك. فهذا يضع الجيش، أو ضميره على الأقل، في موقفٍ صعب».
وقالت إليسا سلوتكين، النائب الديمقراطية من ولاية ميشيغان وعضوة لجنة الخدمات المسلحة والمسؤولة البارزة السابقة في البنتاغون: «قرار التخلّي عن الأكراد يترك ثقباً كبيراً في طريقة حربنا ضد الإرهابيين، إذ نُحاربهم عن طريق الحلفاء، ومعهم، ومن خلالهم».
وبحث مايلي وإسبر سريعاً عن طريقةٍ لإقناع ترامب مرةً أخرى بأنَّ القوات الأمريكية ما تزال لديها مهامٌ تنتظر التنفيذ في سوريا. لذا وضعت القيادة المركزية للجيش خطتين بديلتين.
إذ اقترحت الخطة الأولى الإبقاء على قوةٍ صغيرة من أجل السيطرة على أرضٍ محدودة على الحدود بين العراق وسوريا، تُقدَّر بـ10% من مساحة المنطقة فقط. والخيار الثاني هو محاولة الاحتفاظ بالسيطرة على جزءٍ أكبر من البلاد -أي أكثر من نصف المنطقة الخاضعة لسيطرة المقاتلين الأمريكيين والأكراد الآن.
ولكن بعد أن قال ترامب لمايلي إنَّه يرغب في الاحتفاظ بحقول النفط؛ قال المسؤولون إنَّ البنتاغون «طبَّق» خطته الجديد سريعاً، وهي خطةٌ تدور حول استخدام القوات الأمريكية وحلفائها من الأكراد في حماية حقول النفط والحيلولة دون وقوعها في أيدي داعش.
وأجرى إسبر، الذي كان يحضر اجتماع الناتو في بروكسل، محادثةً هاتفية مع مايلي لإنهاء تفاصيل الخطة الجديدة.
ومن جانبه، نُصِحَ مايلي من أصدقائه بعدم لفت الأنظار، وعدم الظهور بآراءٍ تُناقِض قرارات أو استراتيجية ترامب. وتعلَّم مايلي -المعروف بحديثه المُطوَّل- أيضاً أن يكون مُقتضباً في حديثه إلى ترامب، وأن يمنحه آراءً واضحة، ويسمح له في الوقت نفسه بالهيمنة على المُحادثة.
وبحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وافق ترامب على خطة البنتاغون. وفي المباراة الخامسة من السلسلة العالمية لكرة القاعدة، كان ترامب يجلس في واحدةٍ من المقصورات الفخمة داخل ملعب ناشونالز بارك، مُحاطاً بأعضاء الكونغرس الجمهوريين وكبار مُساعديه. وتحوَّلت دفة الحديث إلى سوريا.
وتحدَّث ترامب مراراً عن كيفية مُراجعته لخططه بشأن سوريا، قائلاً لصُنَّاع السياسة إنَّ القوات الأمريكية ستبقى هناك. لماذا؟ لأنَّ أمريكا «ستحتفظ بالنفط».
وقال مسؤولون بارزون في الجيش ووزارة الدفاع إنَّ بعض الحالات تستوجب ببساطةٍ الحديث بطريقةٍ ترقى لإعجاب ترامب، وتُلاحِق سياسة أمنٍ قومي مُشابهة للسياسة المُتبّعة في عهد باراك أوباما.
وأضاف ديريك شوليه، مساعد وزير الدفاع الأسبق في إدارة أوباما: «أدرك البنتاغون أنَّه قادرٌ على تكييف الأمور من أجل إدارة تحيُّزات ترامب ببعض السُبل. لا تجعلوا الأمر يدور حول إنقاذ الأكراد، بل إنقاذ النفط».
وفي الوقت الحالي، يُحاول البنتاغون مواصلة تلك الاستراتيجية بطريقة الترقيع. إذ كانت آخر مُستجداتها هي تحرُّك مايلي لإبقاء الجنود الأمريكيين في سوريا، من أجل مساعدة المقاتلين الأكراد على حماية حقول النفط.