سجناء «داعش» ورقة «ابتزاز» تركية لأوروبا
باتت ورقة استخدام مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي لعبة مفتوحة في سوريا ودول الإقليم، ذلك أن هذا التنظيم تحول إلى أداة يستخدمها الجميع وفق المصالح الخاصة، لذا تحولت مسألة «داعش» من مسألة أمن دولي إلى مساومات لأجندات معينة.
ولم تخف تركيا تهديداتها للدول الأوروبية باستخدام ورقة تنظيم داعش، خصوصاً أولئك المقاتلين، الذين تحتجزهم أنقرة في سجونها وينتمون إلى دول أوروبية، ففي أكثر من مرة كشف مسؤولون أتراك نيتهم إرسال هؤلاء إلى بلادهم، فبعد التاسع من أكتوبر الماضي عاد ملف «داعش» هاجساً على المستوى السوري الداخلي، وعلى المستوى الدولي.
فالعدوان التركي خلط أوراق كثيرة في سوريا منها الورقة «الداعشية»، خصوصاً بعد أن أعلنت تركيا بشكل واضح وصريح على لسان وزير الداخلية سليمان صويلو أنها لن تحتفظ بمقاتلي «داعش» الأوروبيين في بلادها، وإنما سترسلهم إلى دولهم.
وأعلنت بالأمس عن بدئها عملية الترحيل، إذ بدت هذه الورقة أنها «كارت» تتجاذبه الدول لتحقيق أهدافها، فإلى متى تبقى ورقة هذا التنظيم متاحة لجميع القوى اللاعبة، وما هو مصير مقاتلي «داعش في سوريا»!؟
ولفت وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو إلى أن عدد عناصر «داعش» الذين حظر دخولهم إلى تركيا بلغ لغاية 76 ألفاً، والذين تم ترحيلهم 7550، فيما يقبع حالياً 1149 منهم في السجون.
ويرى المراقبون أن التهديد التركي للدول الأوروبية يأتي فيما تحول سجناء «داعش» شمالي سوريا، إلى ورقة ضغط على الدول الأوروبية، التي ترى في عودة المتشددين خطراً على أمنها القومي، لا سيما أنها تعرضت لهجمات إرهابية عدة في السابق.
ورقة «داعش» كانت حاضرة في شمال شرق سوريا منذ اليوم الثالث من العملية التركية؛ ففي الأيام الأولى بدأ استخدام هذه الورقة من خلال العمليات العسكرية القريبة من مخيم عين عيسى، الذي يحتوي على المئات من عائلات التنظيم وبالفعل؛ في الثالث عشر من أكتوبر، قالت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إن جميع مقاتلي تنظيم داعش تقريباً فروا من مخيم عين عيسى في شمال سوريا، الذي كان يخضع لسيطرتها.
الهروب من المخيمات
وقال مصطفى بالي، مدير المركز الإعلامي لـ«قسد»: «تقريباً، جميع مسلحي داعش في مخيم عين عيسى قد هربوا من المخيم»، بينما أوضح مسؤولون أكراد أن 785 شخصاً «يتبعون المقاتلين الأجانب في تنظيم داعش» قد فروا من مخيم بلدة عين عيسى، التابعة إداريا لمحافظة الرقة السورية.
وهناك استخدامات غير مباشرة للتنظيمات الإرهابية، وهو ما أوضحه الباحث الأمريكي في معهد أمريكان انتربرايز والمسؤول السابق في البنتاغون، مايكل روين الذي وجه اللوم لأنقرة بسبب التسرب الكبير للإرهابيين على الحدود مع سوريا، مشيراً إلى أن هناك مواطنين من 100 جنسية عبروا الحدود إلى سوريا بسبب نظام التأشيرة التركية.
إجراءات ناقصة
وقال الباحث، متسائلاً «لماذا لا تتخذ تركيا العديد من الإجراءات، فعلى سبيل المثال إذا طلبت تركيا أن يحصل الزائرون الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً على تأشيرات دخول مسبقة، لكان تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، تباطؤ إلى حد كبير؟».
كما أن هناك سؤال ثاني السؤال في وسط هذه الصراعات في سوريا، إلى متى ستبقى «داعش» ورقة يلعب عليها الجميع في سوريا، وكيف سيكون مصير الآلاف من هؤلاء الذين يشكلون قنابل موقوتة في سوريا.. ولماذا تتهرب الدول الأوروبية من الالتزام بمواطنيها الذين قاتلوا في سوريا!؟
مخاوف الإدارة الذاتية
بعد أن عجزت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا عن التعامل مع ملف داعش المعقد، وإصرار الدول الأوروبية على عدم استقبال مقاتليهم في سوريا، واقتصار التعامل على الأطفال، اقترحت قوات سوريا الديمقراطية إنشاء محكمة دولية في مناطق شمال شرق سوريا.
ولكن في البداية لم تجد هذه الدعوة أصداء، إلا أنه في وقت لاحق لاقت هذه الدعوة موافقة كل من باريس وبريطانيا لكنها لم تكتمل، بسبب التداعيات العسكرية الأخيرة.
وكانت المحكمة الدولية عبارة عن توافق الدول الأوروبية بالدرجة الأولى بالتشاور مع الإدارة الذاتية لتأسيس المحكمة وفق قوانين مختلطة حول قضايا الإرهاب، وكانت هذه المحكمة هي الحل بالنسبة لمقاتلي داعش الأجانب، إلا أنها توقفت مع الضغط التركي على الدول الأوروبية بإرسال مقاتلي داعش إلى بلدانهم.
عبء
يقول رئيس المجلس المدني في دير الزور الدكتور غسان اليوسف في تصريح لـ«البيان» إن هؤلاء المقاتلين باتوا عبئاً على سوريا من الناحية الأمنية وكذلك الناحية المادية، ذلك أنه لا وجود لمنظمات تساعد على تحمل مسؤوليات هؤلاء المعتقلين، لافتاً إلى أن العدوان التركي الأخير فاقم المخاوف من هؤلاء المقاتلين.
ويضيف: «إن الدول الأوروبية تتحمل مسؤولية هؤلاء المقاتلين خصوصاً أنهم ليسوا سوريين، وبالتالي لا بد من إيجاد وسيلة للتعامل مع هذا الملف، خصوصاً أن هناك المئات من المقاتلين الدواعش، الذين ظلوا متمسكين بأيديولوجيتهم إلى آخر لحظة، ما يشكل خطر على الأمن والاستقرار في سوريا».
وهذا ما أكده، الكاتب الفرنسي سباسيان بوسوا الذي قال: إن «على فرنسا إعادة المقاتلين الفرنسيين إلى سجوننا بدلاً من تركهم في البرية في سوريا والعراق»، موضحاً أن الأمر يتعلق بسلامة فرنسا، بحسب مجلة «لوبوان» الفرنسية.
ويرى مراقبون أن التأخير في حسم هذا الملف سيزيد الأمور تعقيداً في سوريا، خصوصاً في إطار الحل النهائي السياسي، إذ سيبقى عبء هؤلاء المقاتلين على عاتق السلطة السورية.
في بيئة سياسية غير مستقرة وصراعات على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، وحروب تشتعل بين مرحلة وأخرى على الأرض السورية، لا يمكن الحديث عن نهاية الإرهاب، بل كل ما سبق أحد مقومات نمو ظاهرة الإرهاب وإعادة تموضع تنظيم داعش.
ثمة سؤال كبير يرسم الإجابة لكل السوريين، كيف يمكن التخلص من تنظيم داعش ومن بقايا أفكاره، وكل ما يدور حوله من تنظيمات متطرفة!؟
لا بد من استعراض الطريقة التي ظهر فيها تنظيم داعش في سوريا وكذلك العراق، وبالتالي ليس معرفة الأسباب التقليدية المتمثلة بالفقر والتخلف وغيرها، بل الظروف التي كانت تحيط بالبلدين، إذ كان الفراغ الأمني والسياسي وغياب القيادة الاجتماعية وفقدان الثقة بالمركز، شرخاً تسلل منه التنظيم وبدأ بفرض هيمنته.
تجنيد الشباب
واشتغل التنظيم في سوريا على سبيل المثال في ظل اشتعال الحرب وسارع إلى تجنيد الشباب والسيطرة على الأراضي، بينما كان الجيش السوري منشغلاً بمواجهة الفصائل في مواقع أخرى، في ظل هذا الجو كان تنظيم داعش ينمو ويتصاعد، رافق ذلك السيطرة على موارد بشرية هائلة كان النفط والغاز أحد مقوماتها، ومن هنا وجد التنظيم طريقه إلى المجتمع من خلال القوة والمال.
تفاقمت الأوضاع الأمنية في سوريا ودبت الفوضى في القتال وانتشر التطرف في كل أرجاء البلاد، فكانت البيئة مناسبة لنمو هذه التنظيمات بفعل الفراغ وتغذية الكراهية بين أوساط المجتمع السوري.
فعلى سبيل المثال وصلت هذه البيئة إلى أطراف العاصمة دمشق في مخيم اليرموك، فلم تعد الأسباب التقليدية (الفقر- التخلف- غياب العدالة)، هي السبب وراء انتشار داعش، بل أصبحت هناك بيئة تنتج هذه الأفكار في كل مكان في سوريا بسبب الانهيار السياسي والاجتماعي وغياب قدرة الدولة على إعادة الأمن.
بلغت قضية داعش المستوى الدولي، ومارس التنظيم أبشع الممارسات وارتكب عمليات إرهابية في الدول الأوروبية، عند هذه النقطة كان لا بد من موقف دولي ينهي هذه الظاهرة وبدأ تشكيل التحالف الدولي الذي أنهى على التنظيم في سوريا في الشهر الثاني من العام 2019، لكن خطر عودة هذا التنظيم مازال قائماً، إلا أنه لا بد من خطوات عملية للتخلص من كل آثار هذا التنظيم.
ولعل أولى هذه الخطوات إعادة الأمن والاستقرار وتمكين سلطة الدولة أو تجارب الحكم المحلية على الأرض، يترافق ذلك مع صياغة عقد اجتماعي جديد يؤمن بالشراكة الحقيقية، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يتحقق ذلك من دون خطوات سياسية على الأرض تقوم الدولة بتوفيرها لإيجاد بيئة مناهضة لنمو تنظيم داعش.
ولعل الحروب المستمرة بالوكالة على الأرض السورية من أبرز أسباب تأخير القضاء على ظاهرة داعش، وبالتالي هناك ثلاثة مستويات لطي صفحة الإرهاب، المستوى الداخلي المتمثل بمسؤولية الدولة السورية، والمستوى الإقليمي إذ يجب أن يكف عن التدخلات، والمستوى الدولي وهو الإطار الجامع لكل المستويات السابقة، عند التقاء هذه المستويات الثلاثة يمكن القول إن التنظيم بات من الماضي.