زيت الزيتون يتحول إلى “مادة فاخرة” لا يقدر عليها إلا الأثرياء.. والمافيا
سجلت الأسواق العالمية ارتفاعا كبيرا في أسعار زيت الزيتون، بسبب تراجع إنتاجه في الدول الأكثر تصديرا لهذه المادة المحبوبة في المطبخ، بما فيها إيطاليا وإسبانيا.
وأصبحت تجارة زيت الزيتون المربحة تستقطب اهتمام عصابات المافيا الإيطالية.
وينصح العارفون بتجارة زيت الزيتون بأن نعود أنفسنا على التقليل من استهلاك هذه المادة، ليس من باب التوعية الصحية، وإنما بسبب الانعكاسات السلبية على ميزانية المطبخ.
فقد ارتفعت أسعار زيت الزيتون نتيجة زيادة الاستهلاك العالمي، وتراجع الإنتاج، مما دفع الكثيرون إلى البحث عن بدائل لهذه المادة في مطابخهم، حتى في الدول التي اشتهرت بالإنتاج الغزير والاستهلاك الواسع.
أحوال الطقس
وتراجع استهلاك زيت الزيتون في إيطاليا وإسبانيا، وهما أكثر دول العالم إنتاجا. فقد سجلت إسبانيا، حسب المجلس الدولي للزيتون، تراجعا في الاستهلاك بنحو 90 ألف طن من 2012 إلى 2017، أما الاستهلاك الإيطالي فقد تراجع بكميات أكبر تصل إلى 160 ألف طن.
وشهد البلدان بالمقابل زيادة في استهلاك الزيوت المنافسة، من بينها زيت عباد الشمس، الذي سجل استهلاكه ارتفاعا بنحو 140 ألف طن في إسبانيا و200 ألف طن في إيطاليا.
وقال بيير لوجي توزاتو، المدير العام لشركة ديلوليو، وهي أكبر مورد لزيت الزيتون في العالم، لوكلة بلومبرغ: “لقد بدأ المستهلك يشتري زيت عباد الشمس بأسعار رخيصة، ومتى تحول الاستهلاك، فإنه لا يتوقع أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه”.
أسعار ملتهبة
التهبت أسعار زيت الزيتون بعد سنوات من تراجع الإنتاج في إسبانيا وإيطاليا واليونان، بسبب سوء أحوال الطقس في هذه البلدان. وأدى ذلك إلى انخفاض الإنتاج العالمي بنسبة 14 في المئة في 2017.
ولكن الأسعار انخفضت عام 2012 إذ بلغ سعر سعر الطن الواحد من زيت الزيتون البكر الإسباني 2000 دولار، وهو نصف سعر الذي وصله العام الماضي. وعاودت الأسعار الانخفاض بعدها إلا أنها بقيت في حدود 3200 دولار في مارس/ آذار، حسب إحصائيات المفوضية الأوروبية.
وقال فيتو مارتييلي، المحلل في رابو بنك الهولندي المتخصص في تمويل الغذاء والزراعة، إن زيت الزيتون شهد طلبا متزايدا ليس بسبب منافعه الصحية وإنما بسبب تراجع العرض”.
وأوضح أن أحوال الطقس السيئة أثرت على الدول الأكثر إنتاجا ثلاث مرات في خمسة أعوام، وهو ما تسبب في تراجع الإنتاج، إذ سجلت إيطاليا عام 2014 أضعف منتوج لها منذ 25 عاما.
ويبدو أن زيت الزيتون ذهب ضحية نجاحه، فهو تاريخيا واسع الاستهلاك في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، وكانت هذه الدول تشكل 60 في المئة من مستهلكي زيت الزيتون في العالم.
انتشار عالمي
ولكن هذه النسبة تحولت إلى 41 في المئة في عام 2016، حسب دراسة أنجزها رابو بنك، بينت أن العالم أصبح أكثر استهلاكا لزيت الزيتون من أي وقت مضى.
فقد كان حجم الاستهلاك العالمي لزيت الزيتون 1،66 مليون طن في عام 1990، ليصل إلى 3 ملايين في السنة الزراعية 2017)2018، من سبتمبر/ أيلول 2017 إلى أغسطس/آب 2018، حسب المجلس الدولي للزيتون.
ولم يقتصر تأثير ارتفاع الأسعار على الزبائن الذين يشترون زيت الزيتون للاستهلاك الفردي أو العائلي، وإنما تأثرت به أيضا المطاعم في بريطانيا مثلا، التي استهلكت 60 ألف طن من زيت الزيتون عام 2016، إذ اضطرت إلى رفع الأسعار أو البحث عن زيوت بديلة في أطباقها.
ويعزو الطاهي الشهير، جيمي أوليفر، غلق بعض المطاعم، التابعة لسلسلته، إلى ارتفاع سعر زيت الزيتون ومواد أخرى مستوردة من إيطاليا.
وجاءت العام الماضي أخبار سعيدة من تونس، التي تعد واحدة من أكبر الدول إنتاجا لزيت الزيتون في العالم، إذ أعلنت زيادة بنسبة 160 في المئة في إنتاجها.
ويتوقع المجلس الدولي لزيت الزيتون ارتفاع الإنتاج العالمي هذه السنة بنسبة 12 في المئة ليصل 2،854 مليون طن.
ولكن هذه الأرقام أقل من متوسط الإنتاج العالمي في الخمسة أعوام الماضية، وهو 2،945 مليون طن. ويعني هذا أن الشركات في الدول الأكثر إنتاجا لا تزال تعاني من قلة الإنتاج.
وأشار تقرير نشرته مؤسسة استشارات مالية إسبانية في الأسبوع الأخير من أبريل/ نيسان إلى أن 12 في المئة من شركات زيت الزيتون في هذه البلدان تواجه مخاطر عجزها عن الدفع.
وأكدت وسائل إعلام إيطالية هذه التقارير المخيفة بقولها إن 20 في المئة فقط من شركات زيت الزيتون في البلاد تحقق أرباحا في الوقت الحالي.
قضايا جنائية
أصبح ارتفاع قيمة زيت الزيتون قضية قانونية وجنائية في الدول الأكثر إنتاجا. فقد تدخلت السلطات في العديد من الدول لمتابعة أشخاص يتداولون زيتا مغشوشا.
وكشفت التحقيقات في البرزيل، أكبر مستورد لزيت الزيتون في العالم، أن 60 في المئة من 107 علامات زيت الموجودة في السوق لا تتوافر فيها شروط النوعية، وأن أكبر أنواع الغش هو إضافة زيوت أخرى.
وبثت قناة سي بي أس الأمريكية تقريرا عن جهود السلطات الإيطالية لمكافحة تسرب المافيا إلى صناعة زيت الزيتون وتوريدها زيتا مغشوشا إلى الولايات المتحدة.
وجاء التقرير بعد نشر كتاب “فضائح عالم زيت الزيتون” الذي يقول فيه الصحفي، توم ساندرز، إن “تجارة زيت الزيتون المغشوش يمنح هامش ربح أكبر من تجارة الكوكايين، وبمخاطر أقل”.
وجاء في بيان للمفوضية الأوروبية العام الماضي أن “الغش في زيت الزيتون أصبح من أكثر أعمال الغش انتشارا في الاتحاد الأوروبي”.
ولا يقتصر الغش على المجرمين، فقد كشفت التحقيقات الإيطالية في عام 2015 أن 7 من أشهر شركات زيت الزيتون تضلل المستهلكين بمنحهم زيتا أقل جودة من الذي تعلن عنه.
وتواجه السلطات الصينية أيضا تزايدا في أعمال التزوير والغش في السلع.
وأفاد تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية أن واردات الصين من زيت الزيتون ارتفعت إلى 39 ألف طن في عام 2017 من 6 آلاف في عام 2008. وهذا يعني أن أسعار زيت الزيتون ليس مرشحة للانخفاض في وقت قريب.
وأشار تقرير مركز البحث آي أر آي إلى أن المستهلك كان يدفع في عام 2016 نحو 26 في المئة أكثر مما كان يدفع سنتين قبلها.