زيارة أردوغان إلى أمريكا فرصةً لعودة العلاقات بين البلدين
يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالياً ولاية نيويورك الأمريكية لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقتٍ يشهد توتراتٍ كبيرة بين تركيا والولايات المتحدة.
لكنَّ زيارة أردوغان التي تستمر لـ4 أيام قد تُتيح فرصة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، بحسب ما ذكره موقع إذاعة Voice of America الأمريكية.
ففي تحرُّك يحمل إمكانية تمهيد الطريق أمام تهدئة التوترات مع واشنطن، نقلت صحيفة”ول ستريت جورنال” الأمريكية، على لسان مسؤول تركي قوله، إن القس الأمريكي أندرو برونسون قد يتمكن قريباً من العودة إلى بلاده.
يُذكَر أنَّ محاكمة برونسون في تركيا، بعد توجيه تهم تتعلق بالإرهاب إليه، كانت الباعث على فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات تجارية على تركيا في الشهر الماضي أغسطس/آب. وشكّلت هذه العقوبات عاملاً محفزاً لانهيار العملة التركية، بحسب الموقع الأميركي.
مؤشرات على انفراجة تلوح بالأفق
وقال جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، إن العلاقات يمكن أن تعود عندما يُسمح لبرونسون بالعودة إلى بلاده. وتصف واشنطن الاتهامات الموجهة إلى القس بأنها غير مستندة إلى أي أساس. فيما يصر أردوغان من جانبه على أن برونسون عليه أن يخضع للمحاكمة.
ويشير محللون إلى أن هذه الحالة من انسداد الأفق يمكن أن تشهد انفراجة خلال الجلسة المقبلة من محاكمة القس، والمقرر عقدها في الثاني عشر من الشهر المقبل أكتوبر/تشرين الأول.
وقال حسين باخشي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية بالعاصمة التركية أنقرة: «أتوقع أن يُطلق سراحه. ثمة مزيد ومزيد من التوقعات بأن هذا سوف يحدث. ولكن يجب علينا الانتظار حتى 12 أكتوبر/تشرين الأول لنعرف إذا كان القس برونسون سيُطلق سراحه. ثم ستُسوى المشكلة تلقائياً».
وأردف قائلاً: «لهجة الخطاب النارية بين أنقرة وواشنطن صارت أقل بكثير ممَّا كانت عليه قبل أسبوعين. إذ يبدو لي أنَّ كلا الجانبين يتراجع عن موقفه المتشدد؛ فهناك حاجة ماسة لكلا الجانبين إلى التعاون».
تحسُّن ملحوظ على الليرة التركية بعد تصريحات بومبيو
يشكل إنهاء التوترات بين تركيا والولايات المتحدة، والتخلص من تهديدات فرض مزيد من العقوبات، أهميةً كبيرةً لإنهاء الاضطرابات المالية التي تمر بها تركيا.
غير أن سوء التواصل الواضح بين أنقرة وواشنطن يواصل إضراره بالعلاقات ويهدد بمفاقمة التوترات.
وليس من المقرر عقد اجتماع بين الرئيسين.
إذ قال عمر جليك، الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان: «يواصل ممثلو الولايات المتحدة قولهم إنهم سوف يقيمون أي طلب لإجراء اجتماع مع ترمب، إذا قُدِّم أحدها من الرئيس أردوغان أو من الجانب التركي».
وأضاف: «لا نستحسن مثل هذه النبرة. لكني أستطيع أن أخبرك أنه إذا كان الجانب الأميركي، وإذا كان الرئيس ترمب، يرغب في الاجتماع برئيسنا، فسوف ننظر في الطلب ونقيِّم كيفية الرد عليه».
وفي السياق نفسه، أشارت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية إلى صعود قيمة الليرة المنهارة بنسبة 3.8% لتُسجِّل أعلى قيمة لها في الأسبوع الجاري أمام الدولار وبلغت 6.050، بعدما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه يريد إفراجاً فورياً عن القس أندرو برونسون والمواطنين الأميركيين الآخرين المحتجزين.
وأخبر وزير الخارجية الصحافيين في الأمم المتحدة بنيويورك: «أجل، يمكن إطلاق سراحه هذا الشهر، كان يجب أن يُطلق سراحه الشهر الماضي»، مضيفاً أن إدارة ترمب أرادت إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين الآخرين أيضاً.
واشنطن: الكرة في ملعب تركيا
غير أن بومبيو أكد أنه بالرغم من أن المسؤولين الأميركيين والأتراك قد يجتمعون في نيويورك هذا الأسبوع، فليس لدى أميركا ما تقوله لتركيا أو تعرضه عليها.
وقال شخص على اطلاع بالجهود الأميركية لإطلاق سراح برونسون إن «الكرة في ملعب تركيا».
وقال بعض المسؤولين الأميركيين السابقين كذلك إن أميركا أساءت التعامل مع المفاوضات التي سبقت الموعد النهائي السابق لإطلاق سراح برونسون.
وقال بومبيو إنه يتوقع حدوث مناقشات حول برونسون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ويُنتظر أن يلقي أردوغان كلمته في اجتماع الجمعية العامة صباح اليوم الثلاثاء 25 سبتمبر، بعد نصف ساعة من كلمة ترمب.
بيد أن وزير الخارجية أشار إلى أن واشنطن ليست عازمة على تغيير إصرارها على إطلاق سراح برونسون دون أي شروط سابقة، قائلاً: «لقد تحدثنا إلى الأتراك، وهم يعرفون ما نتوقعه منهم».
جديرٌ بالذكر أنَّ السلطات التركية نقلت المدعي العام السابق المسؤول عن القضية في الشهر الجاري سبتمبر، في خطوةٍ يقول بعض المحللين إنها قد تكون إشارة إلى أنَّ أنقرة تسعى إلى إغلاق القضية، بدلاً من إصدار حكم ضد برونسون.
وقد أشاروا كذلك في الأسبوع الماضي إلى خفض سنتين من مدة عقوبة سيركان جولج، وهو عالمٌ في وكالة ناسا يحمل الجنسيتين الأميركية والتركية حُكِم عليه بالسجن لسبع سنوات ونصف في فبراير/شباط. ومع ذلك، بدا آخرون أكثر حذراً. إذ قال مسؤول أميركي: «بكل صراحة، من يمكنه أن يعرف؟ من المستحيل معرفة الغيب».
وقال إنان دمير، وهو خبير اقتصادي في مجموعة Nomura المالية اليابانية، إنَّ مصير برونسون مهم جداً للأصول التركية، التي حافظت على ثباتها بعد صدورٍ قرارٍ مفاجئ في الشهر الجاري من البنك المركزي التركي برفع معدلات الفائدة لتصل إلى 24%، والقرار الحكومي بتقليل معدلات النمو المسهتدف من أجل السيطرة على التضخم.
وأضاف: «السبب الرئيسي وراء البيع الكثيف الذي شهدته الأسواق التركية في أغسطس هو الإعلان عن العقوبات الأمريكية. وفي هذا الصدد، سيكون التاريخ الأساسي القادم للأسواق التركية هو الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول، عندما يحضر القس برونسون جلسته القادمة».
هناك أمر يقلق تركيا من أميركا
وذكرت إذاعة Voice of America الأمريكية أنَّ أردوغان ذكَّر باحتمالية تصاعد التوتر في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب سوريا. إذ وجَّه تحذيراً في خطاب ألقاه أمس الإثنين في نيويورك بأن قواته المسلحة متأهبة لشن هجوم ضد الميليشيا الكردية السورية المعروفة بـ «وحدات حماية الشعب».
يُذكَر أنَّ وحدات حماية الشعب حليفٌ مهم لأميركا في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وتنشر الولايات المتحدة 2000 فرد من قواتها مع الميليشيا في المكان الذي يهدد أردوغان بشن هجوم عليه.
بينما تصنف أنقرة وحدات حماية الشعب بأنها تنظيمٌ إرهابي، وتتهم الجماعة بوجود علاقات بينها وبين المتمردين الأكراد في تركيا.
وقال إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، يوم الجمعة 21 سبتمبر: «مما يثير بالغ القلق لدينا أن الإدارة الأميركية تحافظ على شراكتها مع وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي».
ويقول محللون إن أنقرة يساورها قلق متزايد من أن واشنطن سوف تواصل دعم وحدات حماية الشعب بعد هزيمة تنظيم داعش، ضمن جهودها لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
وقال ترمب الأسبوع الماضي: «نحن قريبون جداً» من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، «وبعد ذلك، سوف نقرر ما سنفعله».
وقال بولتون، أمس الإثنين 24 سبتمبر: «لن نغادر ما دامت القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية، ويتضمن ذلك الوكلاء الإيرانيين والميليشيات الإيرانية».
وقد أشار أردوغان إلى أنه مستعد للتواصل مع موسكو للحصول على دعم لهدفه الرامي إلى محو وحدات حماية الشعب في سوريا.
جديرٌ بالذكر أنَّ العلاقات التركية الروسية شهدت تحسناً كبيراً في الأشهر الـ18 الماضية، في ظل تعميق البلدين تعاونهما في سوريا.
الاتفاق الذي عقده أردوغان مع بوتين بشأن إدلب يبعث برسالة لواشنطن
يمكن أن تواجه أنقرة عقوباتٍ إضافية من جانب الولايات المتحدة إذا استكملت خطتها لشراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400. وتحذر منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أن نشر هذا النظام يحمل تهديداً بإبطال مفعول معداتها الحربية.
ويقول محللون إن الاتفاق الذي عقده أردوغان في الشهر الجاري مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي منع هجوم دمشق على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة يبعث برسالةٍ في الوقت المناسب إلى واشنطن بأهمية تركيا في المنطقة.
إذ قال أيدن سيلجن، وهو دبلوماسي تركي سابق رفيع المستوى عمل في واشنطن وأنحاء المنطقة: «يبدو واضحاً أن تركيا ليست بلداً قابلاً للاستهلاك. تمثل تركيا نوعاً من حجر الأساس للسياسة الغربية في الشرق الأوسط. ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تعمل مع تركيا. ومع ذلك، يقترب مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وهو التاريخ الذي تسري فيه العقوبات الأميركية على إيران، وسيكون ذلك أكبر اختبار للعلاقات التركية الأميركية».
ومن المقرر أن تفرض واشنطن عقوباتٍ مالية وتجارية جديدة كاسحة على طهران بسبب برنامجها النووي. وقد حذرت أنقرة مراراً وتكراراً بأنَّها لن تدعم الإجراءات الجديدة.