رواية “الملياردير رحل بأسراره” تسأل العلم والدين من أين جئنا؟
البروفيسور روبرت لانجدون – عالم الرموز والشفرات الدينية في جامعة هارفارد- اصطحبنا في رحلة جديدة مثيرة، مليئة بالفن والمنظمات السرية، ليكشف لنا عن جزء من ماضينا، ويتوقع شكل المستقبل القادم، في مغامرة جديدة بعنوان “الأصل”، ترجمتها للعربية الدار العربية للعلوم ناشرون، وصدرت في الثالث عشر من ديسمبر 2017.
اجتماع خاص يضم ثلاثة من القادة الروحيين البارزين، كممثلين عن الأديان الثلاثة؛ المسيحية “الأسقف فالدسبينو” واليهودية “الحاخام كوفيس” والإسلام “العلامة سيد الفضل”، وبين “إدموند كيرش”، الملياردير عبقري نمذجة الحواسيب والإلكترونيات وصاحب التنبؤات الجريئة، والذي يذكرنا كثيراً بستيف جوبز، ليطلعهم فيه على إجابة الأسئلة الأكثر جدلاً في التاريخ: “من أين أتينا؟” وإلى “أين نحن ذاهبون؟”.
تلك هي اللقطة الأولى في الرواية.
يخبرهم بأنه توصل إلى “أصل” وجودنا، الذي سوف يقوض الأديان ويثبت أنها خرافات بائدة، ويطلب منهم الاحتفاظ بهذا السر إلى أن يُعلن عنه في مؤتمر يعقده بعد مرور شهر.
جريمة في قاعة المؤتمر الصحفي
وفي متحف الفن الحديث غوغنهايم في بلباو، والذي تديره أمبرا فيدال، خطيبة ولي عهد إسبانيا – المتخيل – “جوليان”، وبعد مرور ثلاثة أيام وليس مرور شهر كما وعدهم كيرش- يُعقد المؤتمر. وخلال انتظار العرض، يصطحب “وينستون” البروفيسور لانغدون – الذي تلقى دعوة خاصة من تلميذة وصديقة كيرش لحضور المؤتمر – في جولة شيقة جداً للتعرف إلى الأعمال الفنية الحديثة داخل المتحف.
وعلى الرغم من شعور روبرت لانغدون بالغرابة، لأنه يصبح أكثر ارتياحاً مع الرموز الدينية العتيقة والفن الكلاسيكي، إلا أنه يستمتع بتحليلات “وينستون” ورؤيته للأعمال الفنية، ومع بداية المؤتمر الذي يذكرنا أيضاً بمؤتمرات شركة آبل لطرح المنتجات الجديدة، وفي ذروة حديث كيرش وقبيل إعلان اكتشافه، اغتاله أحد المتطرفين التابعين للكنيسة البالمارية.
رحلة البحث عن كلمة السر
ومن هنا يبدأ روبرت لانغدون وأمبرا فيدال البحث عن كلمة السر الخاصة بحاسب كيرش، الذي يحتفظ عليه بسر اكتشافه المثير حول أكثر الأسئلة التي حيرت العلماء والفلاسفة في مختلف العصور؛ من أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟
وهكذا يجد روبرت لانغدون نفسه مطارداً من قِبل قاتل الكنيسة البالمارية، ومن الشرطة الإسبانية لتصورهم أنه يحتجز فيدال رغماً عنها. وخلال المطاردة يبحث هو وفيدال عن بيت الشعر المكون من 48 حرفاً، والذي يُشكل كلمة السر لإطلاق اكتشاف كيرش.
يتتبع “لانغدون” -بإرشاد من وينستون- العلامات والرموز وينتقل بنا إلى تحفة جادوي الـ “كازا ميلا”، حيث كان يقطن كيرش في المتحف مؤقتاً لمدة عام، متخذاً منه منزلاً.
ومن هناك إلى ” ساغرادا فاميليا sagradas Família “، وهي الكنيسة الكاثوليكية الأشهر في إسبانيا، وهي تُحفة جادوي الفنية التي استغرق 15 عاماً في تصميمها، ونجت من الحرب الأهلية، ويتم استكمال العمل بها في عام ٢٠٢٧ كما هو متوقع. ويمكنك الإطلاع على جولة بداخل الكنيسة بطابعها البيولوجي الذي صبغ إياها به جاودي عبر هذا الفيديو.
يتعرض لانغدون وفيدال لمحاولة قتل، قبل أن يتوصل لبيت الشعر المنشود. تتوالى الأحداث ليصل روبرت لانغدون، ويتمكن من إطلاق المقطع المصور الذي أعده كيرش ليكشف سر اكتشافه للعالم.
أصل الأنواع والحساء البدائي والخلية الأولى
تعتمد فكرة دان براون – من خلال كيرش- في الإجابة على السؤالين من أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ على نظريتين علميتين:
الأولى نظرية داروين التطورية الشهيرة، والتي تجيب عن تطور الكائنات من الخلية البدائية وصولاً للكائنات المعقدة، مثل الإنسان، والتي لم تتعرض مطلقاً إلى كيفية نشأة تلك الخلية.
والثانية هي نظرية العالم “أليكسندر أوبريان” الذي افترض أن الحياة والخلية الأولى تطورت نتيجة “الحساء البدائي”، وهو المحيطات المحتوية على مركبات كيميائية مختلفة، أدت التفاعلات فيما بينها لظهور أول خلية حية، وشرح ذلك في كتاب “أصل الحياة”.
وهنا تأتي تجربة يوري- ميلر 1953، إذ حاولا محاكاة تلك النظرية معملياً، باستخدام جهاز زجاجي مغلق مفرغ من الهواء، الذي استبدل بغازات الميثان والأمونيا والهيدروجين والماء.
بالذكر أن بعض العلماء شككوا في نتائج تلك التجربة لأنهم استثنوا الأكسجين، لأن ذلك سيؤدي لانفجار الجهاز الزجاجي، على الرغم من تأكيد بعض العلماء وجود الأكسجين في غلاف الأرض في ذاك الوقت. على كل حال جاءت نتائج التجربة مخيبة للآمال فلم ينتج منها أية كائنات حية أو عضوية وإنما مجموعة من الأحماض الأمينية البسيطة.
اكتشاف إدموند كيرش لا يجيب عن الأسئلة
يصمم “إدموند كيرش” الملحد النموذجي وكاره الأديان، حاسباً آلياً خارقاً شديد التعقيد، وبرنامج ذكاء صناعي متطوراً، ملقب بـ”وينستون”، يمكنه من محاكاة نموذج يوري- ميلر وإثبات أن الحياة تطورت من “الحساء البدائي، وذلك في إجابة السؤال من أين أتينا؟.. من الحساء البدائي.
يكمل “وينستون” عملية المحاكاة ليجيب عن السؤال الثاني: إلى أين نحن ذاهبون؟ فيصوّر أننا نتطور ليحدث الدمج بين البشر والآلات، ليخرج لنا جنس آخر جديد، أقوى وأفضل.
احتل إدموند كيرش مكاناً بارزاً في العمل رغم غيابه ومقتله في البداية، وجاء دور روبرت لانغدون باهتاً ثانوياً رغم أهميته. وتستطيع بسهولة أن تشعر أنه في غير بيئته، وسط الفن الحديث، “كالسمكة خارج الماء” كما جاء على لسانه في الرواية. وربما كان ذلك دلالة أخرى على أن التطور طال الفن، وكما يأمل روبرت لانغدون في أن يتطور الدين أيضاً والعالم الروحي، وعلى الرغم من أن “ونستون” مجرد برنامج ذكاء اصطناعي متطور، إلا أن حضوره كان طاغياً.
رحلة تستحق أن نخوضها
من الصعب على قارئ الرواية إنكار استمتاعه، وسيلتهم السطور التهاماً لمعرفة سر “كيرش” الغامض وكشف اللثام عن قاتله – الذي سيُعد مفاجأة للعديد من القراء. وجاءت حبكة الرواية متماسكة، بديعة، وثرية بالمعلومات الفنية والعلمية والفلسفية والتاريخية. تطير بقارئها إلى إسبانيا، ليتعرف إلى العائلة المالكة بها، وتلقي الظل على عهد فرانكو المرير، وتدخل المتاحف.
في النهاية قد لا تقتنع بأفكار “كيرش”، إلا أن تلك رحلة تستحق أن تخوضها، ولا تنس أن تصطحب معك هاتفك النقال وجوجل للبحث عن الكثير من التساؤلات التي ستصطدم بها كثيراً، وللبحث عن الأعمال الفنية العديدة في ذاك العمل.