رسالتا جونسون بعد الفوز: تسريع البريكسيت والقضاء على كوربين السياسي
من السهل أن نتصور إحساس الراحة وتنفس الصعداء اللذين شهدهما العالم من بروكسل عبر باريس وبرلين ليصل حتى تل أبيب، حين نشرت في بريطانيا نتائج العينة مع إغلاق صناديق الاقتراع. فقد أظهرت النتائج أن المحافظين بقيادة بوريس جونسون يسجلون انتصاراً ساحقاً، فالتصويت الذي وصفه بأنه “الأهم منذ جيل” أطلق رسالتين أساسيتين: ستخرج بريطانيا بعد بضعة أسابيع من الاتحاد الأوروبي، وينهي زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، السياسي ذا الآراء الماركسية والمناهضة لإسرائيل والذي سمح لحزبه بأن يصبح عشاً للاسامية، طريقه بعد هزيمة تاريخية مدوية، وفقا لصحيفة “معاريف” العبرية.
لقد تكبد بوريس جونسون غير قليل من الإهانات في البرلمان منذ خلف تيريزا ماي في نهاية تموز الماضي، ولكن عندما حانت لحظة اختباره الحقيقي في صناديق الاقتراع، نجح السياسي ذو الأسلوب المميز في أن يقود الحزب المحافظ إلى إنجازه الأكبر منذ عهد مارجريت تاتشر منذ أكثر من 30 سنة، مع أغلبية آمنة في مجلس النواب وتفويض متماسك بخمس سنوات.
لقد كانت حملة الانتخابات هذه مختلفة جداً عن التصويت السابق قبل سنتين ونصف فقط. لقد كانت لتريزا ماي أغلبية في البرلمان لأربع سنوات أخرى، حين تلقت الخيوط من دافيد كمرون، ولكنها قررت تقديم موعد الانتخابات كي تتلقى تفويضاً خاصاً بها قبيل المفاوضات على البريكزيت، فوجدت نفسها بدون أغلبية ومع التعلق بالحزب التوحيدي الديمقراطي من شمال ايرلندا. أما جونسون الذي خلفها، فقد فهم أن الانتخابات هي المخرج الوحيد من الشلل البرلماني حول البريكزيت.
بخلاف ماي، لم يختبئ جونسون من المواجهات ولم يمتنع عن الأحابيل في الحملة التي تضمنت سطراً ساحقاً واحداً: “تنفيذ البريكسيت”. وأمام انعدام التصميم لدى كوربين في مسألة البريكسيت، التقطت هذه الرسالة جيداً حتى في معاقل الطبقة العاملة في إنكلترا التي كانت القلعة الحصينة لحزب العمال على مدى سنوات طويلة، وسقطت الواحدة تلو الأخرى تحت تصرف المحافظ.
في أعقاب النصر العظيم، من المتوقع لبريطانيا أن تغادر الاتحاد الأوروبي حتى 31 كانون الثاني. بعد ذلك، تبدأ مفاوضات متوترة مرة أخرى على اتفاق تجاري جديد ومخطط للعلاقات بين الطرفين. وسيتطلع جونسون لأن ينهي المفاوضات في أقرب وقت ممكن، في ظل محاولة الحفاظ على المملكة الموحدة، في ضوء تعزز قوة الأحزاب القومية في اسكتلندا وشمال إيرلندا. بعد ذلك سيبدأ أيضاً بمعالجة مسائل مركبة أخرى، مثل الجهاز الصحي العام المنهار والجريمة المعربدة.
لقد شكلت هذه الانتخابات أيضاً هزيمة لأحد السياسيين موضع الخلاف، اللاساميين واللاإسرائيليين في تاريخ بريطانيا. كوربين، الذي دخل إلى البرلمان في حزيران 1983، حين تكبد حزب العمال هزيمة أمام تاتشر، مع 209 مقعداً فقط، قاد الحزب إلى هزيمة أشد، هي الأكبر منذ ثلاثينيات القرن الماضي مع 203 مقاعد فقط.
حملة الانتخابات القصيرة هذه أضافت صورة كوربين المتطرفة، ربما أكثر من كل السنوات الأربع التي تولى فيها زعامة حزب العمال. إصراره على ألا يعتذر لليهود على وباء اللاسامية الذي استشرى في الحزب تحت قيادته، والتشوش الذي أظهره في مسألة البريكسيت والبرنامج الاشتراكي الذي وعد به، نال احتقاراً حتى من جانب من كانوا معتادين على انتخاب حزب العمال بعيون مغمضة. الفشل الحالي مسجل على اسمه بشكل حصري.
لقد سارع كوربين إلى الإعلان عن اعتزاله القيادة بعد “فترة تفكير” يفترض أن تنتهي في السنة المقبلة. ومن المتوقع الآن أن تبدأ حرب عالمية حول الخلافة في حزب العمال، فيما ستكون المسألة الكبرى هي إلى أي حد سيحاول أعضاء الحزب الابتعاد عن إرث كوربين، أم سيكون هناك زعيم جديد ينمو في القاعدة الميدانية التي بناها كوربين في السنوات الأخيرة وسيحاول العمل على الرؤيا ذاتها بشكل أكثر اعتدالاً يعيد تقريب المقترعين الذين ابتعدوا، وكذا اليهود؟