رسالة الرزاز بعد التعديل الوزاري في الأردن: أنا لست زعيماً ولا علاقة لي بالإصلاح السياسي
إلى حد ملموس جداً يلتزم رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز بالمعيار الذي أطلقه من باب التحليل حليفه السياسي وصديقه الشخصي الدكتور مصطفى الحمارنة عندما وصفه بأنه «ليس قائداً».
ضمنياً قال الرزاز ولجميع الأطراف بعد الإعلان عن التعديل الوزاري الصادم مساء الخميس بأنه من حيث الشكل والمضمون لا يريد أن يكون زعيماً سياسياً ولا يرغب بمزاحمة أي جهة على الملفات الكبيرة ويخضع مثل غيره لاعتبارات التسييس والمحاصصة على الطريقة التقليدية.
بكل اللهجات لا يقول الرزاز بعد تعديله الوزاري الأخير إنه معني اصلاً بملف الاصلاح السياسي ولا حتى باسترجاع الولاية العامة بقدر ما هو معني فقط بالاستمرار في برنامجه ضمن مربع صغير له علاقة بالإدارة العليا وعلى أساس أن اختياره اصلاً انطلق من مساحة الاصلاح الاداري والاقتصادي فقط.
تخلص من وزيرين
شغف الرزاز بإظهار عدم وجود ميول عنده لزعامة سياسية أو وطنية من أي نوع ظهر جلياً باختياراته لخمسة من الوزراء الجدد مقابل خمسة من زملائهم تم التخلص منهم.
بمعنى أو بآخر بدا واضحاً ان الهدف من التعديل الوزاري الذي ألح عليه الرزاز وطالب به هو فقط إقصاء أربعة من الوزراء على الاقل يظهرون قدراً من الغرور في مواجهة رئيسهم او يعيقون برنامجه الإداري او يتميزون بقدر أقل من الامتثال. هنا يطمح الرزاز بولاية حقيقية لكن شريطة ان لا تتعدى سياسياً مقر رئاسة الوزراء ولا يزاحمون لا في ادارة الشؤون الخارجية ولا الاقليمية ولا حتى السياسية العليا أو الأمنية.
وهنا تخلص الرزاز من وزيرين سابقين للداخلية والعمل هما سمير مبيضين وسمير مراد وكلاهما كان محسوباً أصلاً على التيار النافذ في الدوائر الأمنية والديوان الملكي الذي سبق أن أقاله منذ أسبوعين الملك عبد الله الثاني.
فخروج مراد والمبيضين يعني ضمنياً امتداد التغييرات التي حصلت مؤخراً في ديوان الملك وادارة المخابرات العامة داخل الجسد الحكومي. الوزيران البديلان انطوى أولهما وأبرزهما على المفاجأة الصاعقة اليتيمة في التعديل الوزاري فقد عاد العجوز البيروقراطي المحنك صاحب النظرة الخشنة في الادارة الأمنية سلامة حماد وزيرًا للداخلية حتى يتكفل بإدارة المشهد الأمني الداخلي والحراكي حصرياً دون أن يتورط الرزاز نفسه.
الرسالة من وراء عودة حماد سياسياً واضحة الملامح ومؤشر على الخشونة المحتملة إذا ما أصر حراك الشارع على تطرفه وتشدده مع ان حماد لا تجمعه بمدرسة التفكير عند الرزاز أي مساحة من أي نوع بمعنى أن الثاني سيختبئ وراء الأول عندما يتعلق الأمر بأي اشتباك خشن. وبدلاً من مراد الذي يتهمه الرزاز بالتقصير في ادارة ملف المتعطلين عن العمل قفز الشاب نضال البطاينة وهو رجل يصعد نجمه بسرعة على رافعة الرزاز حصرياً ووظيفته التكتيكية استنساخ درع وقائي مناطقي عشائري جديد يدير المشهد حتى لا يظهر رئيس الوزراء او يحتحل الكلفة.
التقط حراك الشارع فورا مضامين عودة الوزير حماد فأعلن دعوة التجمهر مباشرة بعد افطار الخميس في منطقة الدوار الرابع ولأن الخبرات في العلاقة والاتصال والتفكير منعدمة تماما بين الرزاز وحماد يمكن القول ان عودة الثاني لم تكن خياراً لرئيس الحكومة بقدر ما فرضت عليه أو اضطر لها.
دون ذلك تجاهل الرزاز كل الضغوط التي تطالبه بإقصاء وزير الاتصالات مثنى الغرايبة وحتى يحافظ عليه قرر إلغاء الوزارة نفسها وتسمية الغرايبة لحقيبة جديدة تماماً بالاسم والمضمون سيتبع لها قطاع الاتصالات وهي وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.
إرضاء رئيس الأركان
لا يعرف الأردنيون شيئاً عن الاقتصاد الرقمي او الريادة لكنهم يعرفون الآن بأن الوزير الغرايبة بقي وسيشرف على مبادرات بالجملة ذات طبيعة شبابية ونخبوية.
اقتحم الرزاز ايضاً بتعديله عشاً للدبابير عندما ألغى من الهيكل تماماً وزارة البلديات والشؤون القروية وأطلق عليها اسماً جديداً هو وزارة الادارة المحلية واللامركزية وتكلف بها المخضرم وليد المصري في صيغة تعني أن الرزاز قرر نقل البلاد أو العباد في الأطراف إلى خطوة متقدمة على صعيد مشروع اللامركزية.
تخلص رئيس الحكومة ايضاً من وزيرين على الأقل ارتبطا بعلاقات طيبة مع كل من مدير مكتب الملك السابق منار الدباس ومدير المخابرات السابق عدنان الجندي واحتضن المستشار الاقتصادي السابق للقصر محمد العسعس وعينه وزيراً للتخطيط والتعاون الدولي.
وأرضى الرزاز رئيس الأركان محمود فريحات بأن عين المسؤول الطبي في المؤسسة العسكرية اللواء الطبيب سعد جابر وزيراً للصحة خلفاً للدكتور غازي الزبن حتى تسير أمور المؤسسة العلاجية الطبية في الجيش وفقاً لخطة رئاسة الأركان.
وجهان جديدان للوزارة صعدا بقوة بعد التخلص لصالح العسعس من الوزيرة ماري قعوار هما عضو مجلس الأعيان ياسرة غوشه المعينة الآن لحقيبة تطوير الأداء المؤسسي حتى تعوض المقعد النسائي المفقود بمغادرة الوزيرة قعوار.
أما الأمين العام لرئاسة الوزراء سامي الداوود فقد ارتقى بالسلم الوظيفي وأصبح رئيساً لشؤون رئاسة الوزراء معتمداً على الكيمياء المتفاعلة وعناصر الوفاء بينه وبين الرزاز.
الانطباع تكرس بأن تعيين العسعس وزيراً للشؤون الاقتصادية يجعل الدكتور رجائي المعشر نائباً لرئيس الوزراء فقط وليس رئيساً للطاقم الاقتصادي.
تلك مجرد مناقلات إدارية الطابع محسوبة على مقدار تصور رئيس الحكومة عن إنجاح برنامجه في الإصلاح الإداري والاشارة السياسية الوحيدة التي تكرس انطباعاً عكسياً للتيار المدني هي عودة الوزير حماد وهو خبير استثنائي في الادارة والاحتواء الأمني وشخصية صلبة وشرسة. دون ذلك تعديل الرزاز بلا مضمون سياسي من أي نوع.