رجل أعمال بريطاني أسهم في إنجاح أشهر أفلام هوليوود
في عام 2013، أبهرت لقطة مدتها 17 دقيقة من فيلم الخيال العلمي المرعب “غرافيتي” (جاذبية) رواد السينما بشكل ملحوظ.
ففي تلك اللقطة، ينطلق وابل من النفايات الفضائية ويحطم مكوك ناسا الفضائي على المدار الأرضي المتوسط، ويطيح برائدة الفضاء ريان ستون، التي لعبت دورها الممثلة ساندرا بولوك، إلى أعماق الفضاء السحيق.
وقد وضع تصور هذا المشهد المحرك للمشاعر المخرج ألوفنسو كوران، لكن شركة “فريمستور” للمؤثرات البصرية في لندن هي التي تولت المهمة الأصعب، والمتمثلة في تحويله إلى حقيقة.
وقد نالت الشركة جائزة أوسكار عن عملها في هذا الفيلم، الذي شارك في تنفيذه 400 متخصص، من مصممي رسوم متحركة وعلماء فيزياء، إلى علماء كمبيوتر، على مدار ما يقرب من أربع سنوات.
يقول السير ويليام سارجنت، رئيس ومؤسس شركة فريمستور: “لم نجد ثمة فيلما على الإطلاق نجح في تصوير بيئة تنعدم فيها الجاذبية، ولهذا كان لا بد أن نطور عملية صناعة الأفلام برمتها. وعندما شرعنا في العمل، لم تكن الكثير من التقنيات والأجهزة التكنولوجية التي وظفناها في هذا الفيلم، قد طُورت بعد”.
تأسست شركة “فريمستور” في عام 1986، وساهمت في إدخال المؤثرات البصرية على طائفة عريضة من الأفلام الأخرى التي حظيت بشهرة واسعة، مثل سلسلة أفلام “هاري بوتر”، و”فارس الظلام” من سلسلة أفلام باتمان، و”بليد رانر 2049″، وأفلام “بادينغتون”، وتتجاوز عائدات الشركة الأن 129 مليون جنيه استرليني سنويا.
لكن هذا النجاح لم يأت من فراغ، إذ استطاع سارجنت، قائد الشركة، أن يحافظ على مكانتها ونجاحها وسط التقلبات السريعة التي يشهدها هذا المجال، في وقت باتت فيه شركات أخرى في مجال المؤثرات البصرية على شفا الإفلاس.
بدأ سارجنت، الذي ينحدر من جمهورية أيرلندا، مشواره المهني في أواخر السبعينيات، حين كان يؤجر الآلات الموسيقية للفرق الأيرلندية، مثل فرقة “بومتاون راتس”، و”ثين ليزي” و”يو تو”، بينما كان يدرس إدارة الأعمال والقانون بكلية ترينيتي بمدينة دبلن.
ويقول سارجنت الذي قارب عمره الستين: “كان والدي يعمل محاسبا قانونيا، ولكننا كنا مختلفين في الرأي. ولأنه لم يساندني ماليا، اضطررت أن أبحث عن طريقة ما لأسدد نفقاتي”.
وبعد تخرجه من الجامعة، انتقل سارجنت إلى لندن وكان يحلم بكتابة سيناريوهات الأفلام، ولكنه ما لبث أن أدرك أن العمل الإداري هو الأنسب له.
ويقول سارجنت: “أعتقد أنني كاتب فاشل، ولكنني عرفت فيما بعد أن الكتّاب هم الأقل حظا في العمل الفني، وإذا أردت أن تنجح، فالأفضل أن تصبح منتجا لأن المنتجين هم الأكثر نفوذا”.
ومن ثم تعاون سارجنت مع أربعة من أصدقائه وأسسوا معا شركة “فريمستور” في عام 1986، بهدف تقديم تقنية جديدة أتاحت للمنتجين استخدام الرسم الرقمي في الأفلام.
وكانت باكورة أعمال الشركة الأغنية المصورة “تيك أون مي” لفرقة “أيه ها” النرويجية، التي نالت شهرة واسعة، واعتمدت هذه الأغنية على الرسوم المتحركة التي امتزجت بالإثارة والحركة.
يقول سارجنت: “استخدمنا في هذه الأغنية تقنيات كانت تعد ثورية في ذلك الوقت منذ 30 عاما، فقد تزامن تدشين الشركة مع بداية ظهور المؤثرات الرقمية”.
ثم أدخلت الشركة المؤثرات البصرية على أغانٍ مصورة أخرى للمغنيين ديفيد بووي وبول ماكارتني، بالإضافة إلى إعلانات لشركات مثل “ويتابيكس”. كما شاركت الشركة في أعمال تليفزيونية، مثل إنتاج المؤثرات البصرية باستخدام الرسوم الحاسوبية المتحركة لسلسلة الأفلام الوثائقية “السير مع الديناصورات”، من إنتاج بي بي سي.
ولكن هوليود لم تطرق باب الشركة إلا في عام 1998، وأُبرِم أول عقد مع الشركة لإنتاج فيلم الخيال العلمي الكوميدي “ضل طريقه في الفضاء” بطولة غاري أولدمان ومات ليبلانك. ويقول سارجنت إن هذا الفيلم، الذي صُور في لندن، مهّد الطريق لنهضة في مجال صناعة الأفلام البريطانية.
يقول سارجنت: “وقتها، لم تكن أمريكا تنظر للمملكة المتحدة كمركز متميز لصناعة الأفلام، ولكن المملكة المتحدة الآن رسخت أقدامها في هذا المجال. ولو حسبت عدد الأفلام الأمريكية التي أنتجت في المملكة المتحدة، في أي شهر أردت، لوجدت أن ثلاث شركات على الأقل من بين شركات الإنتاج السينمائي الأمريكية الستة الكبرى تصور أفلامها في لندن”.
وبالرغم من أن الإفراط في استخدام المؤثرات الرقمية، ولا سيما في أفلام الحركة الأكثر شهرة، قد أثار انتقاد البعض، إلا أن سارجنت يقول: “إن هذه المؤثرات لا تعدو كونها أداة تُوظف في الفيلم”، مع أنه يفضل الأفلام التي تعتمد على السرد على الأفلام المفعمة بالمؤثرات.
ويقول سارجنت: “لا يكاد يخلو فيلم من المؤثرات الرقمية بشكل أو بآخر، وهناك الكثير من المؤثرات غير الظاهرة التي قد لا تعلم عنها شيئا، وتتيح المؤثرات البصرية أيضا فرصا لا حصر لها لتشويق المشاهد وعرض تفصيلات القصة، وهذه الفرص لم تكن متاحة قبل 30 عاما”.
واليوم، تضم شركة “فريمستور” 2.500 موظف، منهم ألف موظف في فرعها الرئيسي في لندن، والباقون موزعون على فروعها في شيكاغو، ونيويورك، ولوس أنجليس، ومونتريال في كندا، ومدينة بونا في الهند وبيكين في الصين.
ويقول سارجنت إن عوائد الشركة السنوية زادت بنسبة تتراوح من 12 إلى 15 في المئة سنويا منذ تأسيسها.
ويقول مات مويلر، المحرر بمجلة “سكرين إنترناشيونال” للأفلام، إن الامتيازات الضريبية وانخفاض أسعار الأجهزة والأدوات التكنولوجية المستخدمة في مجال المؤثرات البصرية شجعا الشركات من جميع أنحاء العالم على خوض غمار هذا المجال في السنوات الأخيرة.
لكن تنامي عدد الشركات زاد من حجم التنافس، ما دفع شركات أمريكية كبرى في مجال المؤثرات البصرية إلى إغلاق أبوابها، الواحدة تلو الأخرى.
ويقول مويلر: “لا تزال شركات المؤثرات البصرية تنمو وتتوسع في المملكة المتحدة، ولكنها قد تواجه تحديات مع دخول المزيد من الشركات إلى هذا المضمار. وربما تُنقل أعمال هذه الشركات إلى جنوب شرق أسيا”.
بعثت شركة “فيرمستور” الحياة في شخصية الجنيّ “دوبي” في سلسلة أفلام هاري بوتر
ولا ينكر سارجنت وجود ضغوط على شركات المؤثرات البصرية لتقليص حجم العمل، ولكنه يقول إن العمل في هذا المجال كان دائما مليئا بالصعوبات والتحديات ورغم ذلك استطاعت “فريمستور” أن تحافظ على مكانتها وتحقق نموا.
أضف إلى هذا ما سيجلبه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من عقبات في طريق الشركة، ويقول محللون إن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي قد يزيد من هجرة العاملين في مجال المؤثرات البصرية في المملكة المتحدة، الذي يعاني بالفعل من نقص في الكفاءات.
وأصبح ذلك الأمر هاجسا يقلق سارجنت، الذي يضم مقر شركته الرئيسي في لندن موظفين من جميع بلدان الاتحاد الأوروبي تقريبا. لكنه يشير إلى أن الشركة توسعت في بلدان عديدة أيضا، وستدشن فروعا في مراكز المؤثرات البصرية الواعدة مثل الهند وكندا، وستواصل الانتشار في بلدان أخرى.
وفي عام 2016، اشترت شركة “كالتشرال إنفستمنت هولدنغز” القابضة الصينية حصة 75 في المئة من شركة “فريمستور” مقابل 150 مليون جنيه استرليني، وهذا يدل على أن الشركة تدرك أن مستقبل هذه الصناعة سيكون في الصين.
ويقول سارجنت: “تنمو الصناعات الإبداعية في الصين بوتيرة متسارعة، وأريد أن أكون جزءا من هذا الازدهار، وزادت إيرادات شباك التذاكر الصيني ستة أضعاف في السنوات التسع الأخيرة. بالإضافة إلى أن الصينيين هم الأكثر استخداما للمنصات الرقمية بمختلف أنواعها”.
ولا يزال سارجنت وفريقه يتولون إدارة الشركة، رغم الصفقة التي أبرمتها مع الشركة الصينية. كما تقلد أيضا سارجنت، الذي حصل على لقب “فارس” في عام 2008 تقديرا لجهوده في مجال الأعمال وخدماته في الحكومة البريطانية، مناصب حكومية رفيعة المستوى.
إذ تولى سارجنت منصب الأمين العام الدائم في مكتب رئيس الوزارء، منذ عام 2005 إلى 2010، وقدم المشورة لرئيسي الوزراء توني بلير وغوردن براون حول الإصلاحات التنظيمية، وعمل أيضا في وزارة الخزانة حتى عام 2010، والآن يشارك في المجلس الاستشاري للتجارة والأعمال التابع لعمدة لندن.
ورغم ذلك، لدي سارجنت الوقت لتشجيع فريق توتنهام الذي يعشقه، ورعاية ابنه البالغ من العمر 18 شهرا، وابنيه الأكبر سنا.
ويقول سارجنت: “أحب أن أقوم بمهمتين في آن واحد، فهذا يجعلك تشعر بنشاط، وفي الوقت نفسه تتعلم الكثير”.