رئيس وزراء تونس: نفذت إصلاحات اقتصادية صعبة رغم كلفتها السياسية الباهظة
قال رئيس وزراء تونس يوسف الشاهد المرشح البارز في انتخابات الرئاسة، اليوم الخميس، إنه اتخذ إصلاحات صعبة لإنقاذ اقتصاد البلاد من شبح انهيار وشيك في السنوات الثلاث الماضية من أجل مصلحة الوطن رغم كلفتها السياسية الباهظة.
وذكر الشاهد أن المؤشرات الاقتصادية بصدد التعافي فعليا بعد سنوات صعبة وستكون أفضل بكثير انطلاقا من العام المقبل.
وقال الشاهد، في مقابلة مع رويترز بمقر حملته الانتخابية، إن تركيز السياسيين يجب أن ينصب على إنجاح الانتقال الاقتصادي وتعزيز الاستقرار الأمني كي تحجز الديمقراطية الناشئة في بلده مكانا ضمن “نادي الديمقراطيات القوية”.
والشاهد من أبرز المرشحين في سباق الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستجري في 15 سبتمبر المقبل عقب وفاة الباجي قائد السبسي أول رئيس منتخب للبلاد.
ويواجه الشاهد منافسة قوية من بعض المترشحين الآخرين من بينهم عبد الفتاح مورو نائب رئيس حزب حركة النهضة الإسلامي، وعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع، إضافة لرئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، والرئيس السابق المنصف المرزوقي.
وقال الشاهد إن الحكومة المقبلة ستجد أرضية صلبة بعد الإصلاحات التي أنجزتها حكومته.
وأضاف “أنا كنت صريحا وواجهت التونسيين بالحقيقة كاملة عندما قلت إن الوضعية صعبة جدا اقتصاديا وماليا قبل ثلاث سنوات… لقد صدمتني الأرقام لكن كنت عازما على إصلاح الوضع لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار مثلما حصل في بعض البلدان الأخرى التي اضطرت لتسريح موظفيها”.
وتابع قائلا “كل الإجراءات الصعبة اتخذناها لفائدة الوطن مثل خفض الدعم الطاقي وترفيع المساهمات في الصناديق الاجتماعية وفرض بعض الضرائب… فعلنا ذلك رغم الكلفة السياسية الباهظة التي نعرفها ولكن مصلحة البلاد كانت تقتضي ذلك”.
ورفعت الحكومة في مارس الماضي أسعار البنزين للمرة الخامسة في نحو عام. وشهدت البلاد احتجاجات متفرقة في السنوات الأخيرة بسبب بعض الإجراءات التقشفية.
ولكن مع اقتراب الحملة الانتخابية التي تبدأ يوم الإثنين المقبل وتستمر لأسبوعين يبدو الشاهد واثقا من فوزه على بقية منافسيه قائلا “لدي ثقة في التونسيين أنهم يعون أن ما قمنا به لمصلحة البلاد… بعد أن قمنا بإصلاحات ضرورية حان وقت الإقلاع الاقتصادي”.
وكشف الشاهد أن المؤشرات في طريقها للتحسن بشكل ملحوظ متوقعا أن ينخفض عجز الميزانية إلى ثلاثة في المئة في 2020 لأول مرة من حوالي 3.9 في المئة هذا العام وحوالي 5.1 في المئة في 2018.
وكان العجز في حدود 7.4 في المئة حين تسلم الشاهد منصبه كرئيس للحكومة في 2016. وخفض العجز في الميزانية كان من أبرز التحديات التي تواجها تونس بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي مما اضطر أغلب الحكومات للجوء للاقتراض الأجنبي بمعدل يصل إلى 7 مليارات دينار سنويا. ورفع ذلك المديونية إلى مستويات قياسية.
تونس قصة نجاح ديمقراطي وحيدة فيما يعرف بانتفاضات الربيع العربي وذلك من خلال انتقال ديمقراطي سلس وانتخابات حرة ودستور حديث توافق عليه الخصوم العلمانيون والإسلاميون
ولكن كثيرين من التونسيين لا يخفون شعورهم بالضيق من معدلات التضخم العالية التي بلغت في يونيو الماضي 7.8 % وظلت معدلات البطالة في حدود 15.2% مقارنة بنحو 12 % في 2010.
ويتوقع رئيس الحكومة التونسية أن تهبط معدلات التضخم إلى خمسة في المئة العام المقبل مقارنة بنحو ستة بالمئة هذا العام.
ويشكو التونسيون من تراجع مستوى الخدمات العامة في عديد من القطاعات مثل الصحة والتعليم والنقل. وأقر الشاهد بذلك قائلا “للأسف هذا صحيح بعد أن وجهت أموالا تصل إلى ستة مليارات دينار للدفاع والأمن لمواجهة التهديدات الإرهابية وهو استثمار هام”.
وقال الشاهد “تتذكرون كيف كان الوضع في 2016. عمليات إرهابية ضربت الاقتصاد لذلك رصدنا تمويلات كبيرة للأمن والدفاع وتمكننا من استعادة الأمن واستقطاب السياح من جديد”.
وأضاف أن عدد السياح كان في 2016 في حدود 5.6 مليون ولكنه سيصل لحوالي تسعة ملايين سائح هذا العام، معتبرا أن ذلك ساهم في تعافي احتياطي العملة الأجنبية نسبيا.
وكشف الشاهد أن تونس تخطط لاستقبال عشرة ملايين سائح العام المقبل مركزة على تحسين جودة السياحة لرفع المداخيل في هذا القطاع الحيوي الذي انتعش بعد سنوات من الركود بسبب هجمات متشددين استهدفت السياح في 2015. وأضاف الشاهد أن مشاريع كبرى أطلقتها الحكومة في قطاع الطاقة من بينها مشاريع طاقات متجددة ومشروع نوارة للغاز الطبيعي سيكون له أثر مهم على خفض عجز الطاقة بشكل واضح مما سيقلص العجز التجاري ويزيد احتياطي تونس من العملة استقرارا.
وبعد هبوط كبير في السنوات الماضية، حقق الدينار التونسي ارتفاعا بنحو عشرة في المئة هذا العام مقارنة بالعملات الأجنبية. كانت تونس وقعت في 2016 قبل أشهر من تسلم الشاهد منصبه على اتفاق مع صندوق النقد الدولي لبرنامج تمويلي بقيمة 2.8 مليار دولار مرتبط بإصلاحات اقتصادية.
ويشعر كثير من التونسيين بوقع الإجراءات غير الشعبية على حياتهم إذ زادت كلفة القروض بشكل كبير وأصبح الحصول عليها غير متاح للجميع.
كما يشتكي سكان المناطق الداخلية من التهميش ونقص التنمية واستشراء الفساد والمحسوبية وهي نفس الأسباب التي تسببت في احتجاجات حاشدة أطاحت ببن علي في 2011.
فوز مزدوج
قال الشاهد إنه يأمل في فوز مزدوج في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أيضا عبر حزبه تحيا تونس الذي أسسه هذا العام لمواصلة إنعاش الاقتصاد وتحسين أوضاع التونسيين اقتصاديا واجتماعيا.
وأضاف “لم أترشح فقط بغاية الترشح لدي أمل كبير وقدرة على الإفادة بحكم أني أملك خبرة سياسية ولمعرفتي الجيدة بمواطن الخلل وقدرتنا الفعلية على توفير الأوضاع الأفضل للشبان وخلق فرص عمل خصوصا لحاملي الشهادات العليا”.
وذكر الشاهد أنه يملك برنامجا طموحا لدفع الدبلوماسية الاقتصادية مع الشركاء الأوروبيين معتبرا أنهم يساعدون تونس لكن ذلك مازال غير كاف لبلد في طور الانتقال الديمقراطي.
وقال إن تونس لا يمكنها الاستمرار في حماية الحدود في ظل هذه الظروف، مشددا على أنه سيطالب أوروبا بدفع استثماراتها لإنجاح فعلي للديمقراطية الوليدة.
وكشف أن من بين أولوياته الدبلوماسية تعزيز التعاون الاقتصادي مع الجارة الجزائر عبر رفع التبادل التجاري وتذليل العوائق الجمركية.
ويأمل الشاهد في استغلال الفرص الاقتصادية الواسعة مع ليبيا التي تشهد اضطرابات وحربا بين الفرقاء. وقال “كرئيس للجمهورية سأخرج بتونس من الحياد السلبي إلى الحياد الإيجابي في موضوع ليبيا حيث سأدعو الفرقاء لحوار وطني في تونس دون التدخل في شأنهم بأي شكل”.
وتأتي الانتخابات المقبلة وسط توتر سياسي بعد أن أوقفت قوات الأمن، الأسبوع الماضي، نبيل القروي رجل الأعمال وصاحب قناة نسمة التلفزيونية وهو مرشح في انتخابات الرئاسة.
ويتهم حزب القروي الشاهد بالسعي لإقصاء خصم عنيد ومحاولة ضرب المسار الانتخابي والديمقراطي.
لكن الشاهد رفض هذه الاتهامات، وقال إنه “كلام بلا معنى… أنا أكثر شخص قد يتضرر من إيقاف القروي… ولكن إيقافه في ذلك التوقيت دليل على أن القضاء مستقل وأنه لا دخل للحكومة لا من بعيد ولا من قريب في القضية… منظمة (أنا يقظ) هي من رفعت قضية ضده”، في إشارة إلى منظمة رقابية مستقلة غير ربحية.
وردا على سؤال عما إذا كانت الديمقراطية مهددة في تونس، قال الشاهد “تونس انضمت للبلدان الديمقراطية وستبقى كذلك بفضل ما تحقق من حريات وحقوق وبانتخابات حرة برلمانية وبلدية”.
ومضى يقول “منذ وصلت للحكم ونحن تحت القصف لأني استهدفت بارونات الفساد ولم أبرم اتفاقات معهم… فتحت حربا على الفساد ففتحوا حروبا ضدي”.
وتعهد الشاهد بالحفاظ على “المكسب الديمقراطي الأبرز من الثورة” قائلا “أنا وليد الديمقراطية ومشروعي مبني على دولة الحريات والحقوق”.