رئيس نتفلكس يروي تجربة العمل عن بُعد للعاملين معه
أجبرت جائحة كورونا العالمَ على التكيف معها بطرق غير متوقعة، ومع وجود ملايين الأشخاص الذين يعملون من المنزل، فإن أحد التحولات التي قد تحدثها الأزمة هو اتباع نهج بيروقراطي أقل تحكماً فيما يتعلق بقواعد العمل على نحو يسمح للشركات بالتكيف بسرعة أكبر، مع منح موظفي تلك الشركات مزيداً من الاستقلالية والمرونة.
وفي هذا السياق، يقول الرئيس التنفيذي لشركة Netflix، ريد هاستينغز، في مقال نشره في موقع Business Insider، إن هذا شيء كانت الشركة تمارسه بالفعل على مدار عقدين، هما عمر الشركة، فقد أعادت الشركة تقديم نفسها بصور جديدة أكثر من مرة، من أقراص DVD المرسلة عبر البريد إلى خدمات البث المتدفق، ومؤخراً من الحصول على تراخيص البرامج والأفلام إلى إنتاجها بأنفسنا.
“الحرية والمسؤولية”: هاستينغز يذهب إلى أن قدرة Netflix على المنافسة في الصناعة تشهد تغييرات جوهرية ضد منافسين أكبر وأكثر رسوخاً ترتبط بالدرجة الأولى بذلك القدر غير العادي من الاستقلالية الذي تمنحه الشركة للعاملين لديها في جميع مستويات الشركة وهي ما يسميه مسؤولوها بـ”الحرية والمسؤولية” أو بعبارة أخرى، تشجع شركة Netflix العاملين لديها على التفكير بأنفسهم، لا الاكتفاء بما يفترض رؤساؤهم أنه الصواب.
لتحقيق ذلك، يشير هاستينغز إلى أن الشركة قلّصت إلى أقل حد ممكن السياسات المتعلقة بالنفقات والسفر وساعات العمل الإلزامية وأيام الإجازة.
غير أنه يلفت إلى أنه عندما بدأت الشركة، لم تكن النية هي إلغاء كل هذه القواعد على وجه التحديد، وإنما في المقام الأول دفع الموظفين إلى المجازفة واتخاذ خطوات جريئة بالنظر إلى أن لديهم حصة مهمة في نجاح الشركة والعمل نفسه.
وللاسباب نفسها، تجعل الشركة جميع أنواع المعلومات السرية، التي تحتفظ بها عديد من الشركات مقفلاً عليها، متاحةً داخلياً، مثل نصوص العقود وكيفية سير العمل اليومي في الشركة.
ويستدل هاستينغز بالأزمة الأخيرة، ففي شهر مارس، عندما شرعت عديد من البلدان في تدابير الإغلاق، نقلت فرق الشركة آلافاً من الموظفين والشركاء في مجالات، مثل خدمة العملاء والرسوم المتحركة والتأثيرات المرئية والدبلجة، إلى العمل عن بُعد، وكل ذلك دون الحاجة إلى المراجعة المباشرة مع الرئيس التنفيذي للشركة أو مع فريق الإدارة.
يضيف هاستينغز أن ذلك لم يحدث بعد، لكنه يعتقد أن الربع السنوي الأكثر نجاحاً له بوصفه رئيساً تنفيذياً هو الربع الذي لا يحتاج فيه إلى اتخاذ قرار واحد.
كما يرى أن هدف الشركات تاريخياً كان هو الإنتاج الضخم بأقل قدر من الاختلافات والأخطاء في المنتج النهائي، وأن ذلك النموذج كان يعتمد على اتخاذ القرارات هرمياً من أعلى إلى أسفل والعمل على فرض مزيد من القواعد والإجراءات الداخلية للقضاء على الأخطاء.
ومع ذلك، يقول هاستينغز إن الاقتصاد الإبداعي اليوم تتمثل أولوياته في الابتكار والسرعة وخفة الحركة، فالخطر الأكبر لم يعد ارتكاب الأخطاء، لكن الفشل في ابتكار منتجات جديدة أو العجز عن تغيير الوجهة عندما تتغير أجواء العمل والسوق.
الابتكار يقوم على التجربة والخطأ: ويستدعي هاستينغز، للتدليل على تعثر العديد من الشركات عندما تتغير التكنولوجيا المهيمنة على السوق، تجربةَ نوكيا مع الهواتف الذكية، وعجز شركة AOL عن رؤية الانتقال من الإنترنت الهاتفي إلى تقنية اتصالات النطاق العريض (Broadband Internet).
مع ذلك، يقول هاستينغز إن هذا النهج في العمل قد يبدو جذرياً، ويشدد على أنه لا يمكن التخلص من الضوابط والعمليات الداخلية لتحفيز الابتكار والمخاطرة، دون التأكد أولاً من وجود الأشخاص المناسبين للقيام بذلك.
هاستينغز يضرب مثالاً على ذلك التحلي بالمسؤولية بالقول إن الشركة ليست لديها قواعد لباس معين، لكن لا أحد يختار أن يأتي للعمل عارياً، مثلاً.
كورونا غيرت مفاهيم العمل: وبالعودة إلى ما حدث أثناء الوباء، يشير هاستينغز إلى أنه من الواضح أن هناك تحولاً قد حدث بالفعل، مع قيام الشركات بالتخلي عن القواعد التقليدية، والعمل على اكتشاف كيفية أن تكون الشركة منتجة دون حضور موظفيها إلى المكاتب، أو تعلم كيفية الترويج لسلعها بدرجة أساسية، وفي أسرع وقت، عبر الإنترنت.
في الختام يطرح هاستينغز السؤال حول إذا كان من الممكن أن نجد بعض الخير في هذه المأساة لإعادة الاقتصادات إلى سابق نجاحها ودفع الابتكار؟
يجيب هاستينغز بأن التاريخ يُظهر أن التحولات الجديدة، غير المريحة عادةً، لا تتوقف، لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى فرص وبوادر نمو جديدة.
فعلى سبيل المثال، حققت التجارة الإلكترونية انتشارها الأكبر في آسيا خلال وباء “سارس” عام 2002، عندما كان المواطنون خاضعين للحجر الصحي في منازلهم.
كما انطلق الاقتصاد التشاركي مع شركات ناشئة مثل “أوبر” Uber و”إير بي إن بي” Airbnb، في أعقاب الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2009، عندما كان الناس يبحثون عن مصادر دخل جديدة هم في أمسّ الحاجة إليها.
وهكذا يخلص هاستينغز إلى أنه في الوقت الذي يتطلع فيه العالم إلى مستقبل أكثر أماناً وأقل تحدياتٍ، فقد نجد قواعد النمو الاقتصادي والنجاح تعاد كتابتها مرة أخرى، مع عدد أقل منها في كل مرة.