رئيس الموساد الإسرائيلي يدعو إلى اتفاق إقليمي لسلام شامل… بعيداً عن القضية الفلسطينية!
في محاضرة له بمؤتمر هرتسليا بداية هذا الشهر، كرر رئيس الموساد يوسي كوهين وأكد أنه سيعرض صورة الوضع الاستراتيجي، التي تشمل “مواضيع أساسية على جدول أعمال الدولة”. يبدو أن هذا التأكيد استهدف الإشارة إلى أنه يجب محاكمة محاضرته كجهد محايد لفهم الواقع بذاته، وليس كتبرير لأي سياسة.
بالضبط من نقطة الانطلاق هذه، تتراكم تساؤلات كثيرة إزاء صورة الوضع الاستراتيجي الذي عرضه رئيس الموساد. الأمور لا تقال فقط بما كان في المحاضرة، بل بما غاب عنها. أشار كوهين إلى أن “الموساد يلاحظ الآن فرصة نادرة للتوصل إلى تفاهم إقليمي سيؤدي إلى اتفاق سلام شامل. هذه نافذة فرص لمرة واحدة”. وأكد أنه إذا كانت “وظيفة الموساد هي قيادة الجهد فقد أنشئت فيه مؤخراً إدارة تتولى المجال السياسي – الاستراتيجي”.
من التناول المفصل لرئيس الموساد لـ “نافذة الفرص التي تؤدي إلى اتفاق سلام شامل”، غاب تماماً الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وكأنه بالإمكان التوصل إلى اتفاق شامل بدون شملهم. ماذا يشبه هذا الأمر؟ إنه يشبه من يعرض مسرحية هامليت من دون البطل المعذب. الآن، بعد اعتراف أمريكا بضم هضبة الجولان، أي ساحة بقيت خارج “الاتفاق الشامل” عدا عن الساحة الفلسطينية؟ أليست هذه المراوحة في المكان، غير المنتهية لـ “صفقة القرن”، دليلاً قاطعاً على أن أي دولة عربية لا يمكنها القيام بدور الطرف الفلسطيني. وإذا كانت عيون رئيس الموساد تشخص نحو “اتفاق سلام شامل”، فكيف يتجاهل بشكل تام “مبادرة السلام العربية” الموضوعة أمام إسرائيل منذ 17 سنة، وليس بموافقة العالم العربي فقط، بل بموافقة العالم الإسلامي أيضاً؟
إذا كان كوهين يعرف الصيغة السحرية من أجل التوصل إلى اتفاق شامل بدون القضية الفلسطينية فعليه كشفها لنا. رئيس الموساد قال، وكأنه يقول جملة عارضة: “وجدت فرصة للدفع قدماً بالموضوع الفلسطيني”، لكنه قال ذلك على بعد كبير من النقاش حول احتمالية التوصل إلى الاتفاق الشامل. الفرصة الحقيقية منذ 17 سنة هي في “مبادرة السلام العربية”. ولكن هذه المبادرة لا تذكر.
لقد أثنى رئيس الموساد وبحق على الدول العربية التي تعترف بإسرائيل مثل الأردن ومصر، وأيضاً الدول الجدية، حسب قوله، مثل عُمان. ولكن أمام جميع هذه الدول التي تؤيد الدولة الفلسطينية، لم تضع إسرائيل شرطاً ضرورياً مسبقاً من أجل التوصل إلى اتفاق معها – الاعتراف بطابعها اليهودي. في حين أنها أمام الطرف الفلسطيني تضع ذلك كشرط أساسي لا يتم تجاوزه، رغم أنه غير مطلوب أبداً في القانون الدولي. أيضاً الطرف الفلسطيني، مثل تلك الدول، يعترف منذ ثلاثين سنة (منذ اعترف بقرار 242 للأمم المتحدة) بدولة إسرائيل. لماذا لا تسري “نافذة الفرص” على الفلسطينيين؟
التساؤلات تتراكم أيضاً حول ما يتعلق بتناول رئيس الموساد الموسع للمشروع النووي الإيراني. الإنجاز العملي المهم للموساد في الحصول على الأرشيف النووي الإيراني يثبت أن إيران تتمسك بالتقييدات التي فرضت عليها في الاتفاق الدولي. لو كان لإسرائيل والولايات المتحدة أي ذرة من المعلومات على أن إيران خرقت الاتفاق قبل الأزمة الحالية، لكان يجب عليهما التلويح به فوق كل منصة.
اعترف كوهين بشكل صريح بأن الاتفاق النووي مع إيران كان عقبة لها نهاية. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا قامت إسرائيل بمقاطعته ولم تنضم إليه من البداية – سواء بواسطة المطالبة بتغيير مدة انتهاء صلاحيته أو المطالبة بأن يشمل مشروع الصواريخ الإيرانية وقيادة “حرس الثورة”؟.
الادعاء المدوي في أقوال رئيس الموساد وكأن تحرر إيران من قيود التخصيب في أعقاب إلغاء الاتفاق من قبل الولايات المتحدة (بتشجيع من إسرائيل) يدل على أن الخداع والمراوغة هي التي وجهتها منذ البداية، وهو أمر غير منطقي وغير واقعي. تشخيص النتيجة – عودة إيران إلى الجهد النووي الذي قاد إليه إلغاء الاتفاق من قبل الولايات المتحدة – وكأنها كانت تنوي فعل ذلك من البداية بشكل خبيث عندما وقعت على الاتفاق، هو فشل منطقي أساسي وقع فيه رئيس الموساد. بعد كل ذلك، هو يصف الاتفاق بأنه “عقبة” وإن كان له فترة “انتهاء صلاحية”.
مرة واحدة ذكر رئيس الموساد حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله كمخلصين لإيران وممولين منها على حدود إسرائيل. لقد استند إلى “مصادرنا الاستخبارية” من أجل الإشارة إلى أنه في السنتين الأخيرتين خصصت إيران أكثر من 100 مليون دولار من أجل تطوير الوسائل القتالية المتقدمة لحماس والجهاد الإسلامي. كوهين أكد أيضاً أن حماس تعمل بكل قوتها من أجل أن تشعل يهودا والسامرة. هنا يثور السؤال المقلق: كيف تنضم إسرائيل إلى عدوتها الوجودية إيران في كل ما يتعلق بجهود التهدئة في القطاع، التي تساهم في استقرار وتقوية حكم حماس فيه، وتمكنه من إشعال الضفة؟ كل ذلك يجري في الوقت الذي تعمل فيه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع إسرائيل في تنسيق أمني ضد حماس.
إضافة إلى ذلك، الاحتمالان القطبيان اللذان أشار إليهما رئيس الموساد بخصوص حماس في غزة – التهدئة التي تعني استقرار حكم حماس فيها أو القتال إلى مستوى الحرب – هناك احتمالية ثالثة لهما، تتساوق مع تقديره بشأن احتمالية “اتفاق سلام شامل”. هذه الاحتمالية تقتضي التخلي عن نظرية الفصل بين غزة والضفة، المقبولة على إسرائيل (النظرية التي تخدم بالطبع حماس ومن خلفها إيران)، والسعي إلى اتفاق سياسي يشمل المنطقتين على قاعدة “مبادرة السلام العربية” وقرار 242 للأمم المتحدة، التي تشكل الإطار الوحيد لنافذة فرص “اتفاق السلام الشامل”. ليس عبثاً أن تعارض إيران وحماس بشدة “المبادرة العربية”. لماذا تعد إسرائيل شريكة في هذا الأمر مع موقف أعدائها اللدودين؟.