رئيسة وزراء نيوزيلندا خامس أصغر زعيمة في العالم
ربما نيوزيلندا ليست دولة كبيرة ذات صراعات داخلية أو إقليمية أو دولية، مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا، لكن أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ البلاد الحديث كان بمثابة اختبار حقيقي لرئيسة الوزراء، البالغة من العمر 38 عاماً فقط، كقائد فعلي لنيوزيلندا.
رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن تمثل حالياً جيلاً من الشباب الذي بدأ يتزعم بعضَ دول العالم؛ إذ إنها خامس أصغر زعيمة لبلد، تحكم حالياً، يسبقها كلٌّ من المستشار النمساوي سيباستيان كورتس (32 عاماً)، وحاكم سان مارينو لوكا سانتوليني (34 عاماً)، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (36 عاماً)، ورئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادز.
اختبار حقيقي
لكن رغم هذه السن الصغيرة نسبياً فإن رئيسة الوزراء استطاعت بالفعل إصلاح حالة أمتها المكسورة والمجروحة. في الساعات التي تلت قتل مسلح 50 شخصاً في مسجدين، بوسط مدينة كرايستشرش يوم الجمعة 15 مارس 2019، دعت جاسيندا أرديرن إلى مؤتمر صحفي، حدَّدت من خلاله نغمة أو لهجة بلد يعاني من الحزن.
هذا المؤتمر أصبح بالفعل لحظة مهمة في قصة قيادتها.
لقد تم اختبار رئيس الوزراء، مثل قلة من قادة نيوزيلندا من قبل، حيث قادت البلاد التي تتعامل مع أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ البلاد الحديث.
قُتل خمسون شخصاً، بالإضافة إلى عشرات الجرحى. هنا أصابت الأمة المسالمة صدمة عميقة. في المؤتمر الصحفي تردَّد صوت أرديرن قليلاً بينما كانت تتحدث، لكن رسالتها عن الوحدة والرحمة كانت ثابتة.
«قد تكون اخترتنا»، هكذا قالت أردرن في إشارة إلى القاتل، والغضب في صوتها، «لكننا نرفض وندين بشدة هذا الفعل».
رفضت حتى ذكر اسمه
قالت أرديرن إنها لن تذكر أبداً اسم منفذ الهجوم، هي تعهدت يوم الثلاثاء 19 مارس 2019، بعدم نطق اسمه أبداً، في خطاب غاية في التأثير، ختمته بتحية الإسلام.
وقالت أرديرن، خلال خطابٍ ألقته أمام البرلمان؛ تكريماً لضحايا حادث إطلاق النار على المسجدين، إنَّ القاتل أراد الشهرة، لكنَّها ستحرمه من ذلك، وعبَّرت عن أملها في أن يفعل الآخرون الشيء نفسه.
ووصفت أرديرن القاتل بـ «إرهابي، مجرم. إنَّه متطرف، لكن حين أتحدث عنه سيكون نكرةً بلا اسمٍ»، بحسب ما نشره موقع Stuff النيوزيلندي.
وأضافت: «وبالنسبة للآخرين، إنَّني أناشدكم: اذكروا أسماء أولئك الذين فقدناهم بدلاً من اسم الرجل الذي حصد أرواحهم. ربما كان يريد الشهرة، لكنَّنا هنا في نيوزيلندا لن نمنحه شيئاً، ولا حتى ذكر اسمه».
أرديرن ركزت في كلمتها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته بعد الحادث على أن الضحايا من أبناء الجاليات المهاجرة ونيوزيلندا وطنهم، وأنهم جزء لا يتجزأ من السكان الأصليين للبلاد على عكس التوجه المعادي للمهاجرين.
التعامل مع الأزمة
بحلول صباح اليوم التالي للهجوم الإرهابي، كانت رئيسة وزراء نيوزيلندا على الأرض في كرايستشرش مع غالبية وزراء حكومتها وزعماء المعارضة.
التقت رئيسة الوزراء، التي كانت ترتدي حجاباً أسودَ، بأفرادٍ من الجالية المسلمة التي تأثَّرت بالمأساة. احتضنت البعضَ منهم بين ذراعيها وهم يبكون، وهمست بكلمات التعزية، مع الضغط بخدها عليهم، في إشارة إلى المواساة العميقة، وليس مجرد تأدية واجب.
لقطات فيديو للحظات العناق هذه انتشرت في جميع أنحاء العالم.
لَملمة الجراح كان همها
وبينما تسير جنباً إلى جنب مع المتضررين، كان تركيز أرديرن على الحزن، والتواصل مع المجتمع المتأثر. وقالت إن القاتل المزعوم لم يكن يمثل قيم ومعتقدات النيوزيلنديين، بكل بساطة: «ليس منا».
يقول البروفيسور جينيفر كورتين، مدير معهد السياسة العامة في جامعة أوكلاند: «إن الحديث اليومي في نيوزيلندا حول الهجمات لم يتركز حول مشاعر الحقد والكراهية والغضب، لكن النيوزيلنديين كانوا يقولون إنهم بإمكانهم القيام بذلك، يمكننا الشفاء، يمكن أن نحقق ذلك».
وأوضح أن «رئيسة الوزراء أظهرت قيادة هادئة وقوية، وركَّزت بشدة على رعاية الأشخاص الأكثر تضرراً على الفور. بالكاد تم ذكر القاتل».
التعاطف كان سر قوتها
يقول بول بوكانان لصحيفة “الجارديان” البريطانية، وهو خبير أمني في Parallel 36، إن قوة رئيسة الوزراء كانت في تعاطفها، وأنها «تفوقت» في هذا المجال خلال فترة الأزمات.
وأوضح أنها كانت خبيرة في الخطابة، وقد فوَّضت مراجعات واستفسارات أمنية، حول كيفية عدم ملاحظة ما كان يعد له هذا القاتل، إلى كبار زملائها الموثوق بهم، وهو ما سمح لها بالتركيز على شفاء بلد مصاب بالصدمة.
«إنها مثل الأم للأمة»، يقول بوكانان: «عندما يتعلق الأمر بأحداث كهذه أعتقد أن لمستها كانت سحرية وكاملة».
وأضاف: «الطريقة التي يتحدث بها ترامب وآخرون؛ الكلام الصعب والقوي، بعد الهجمات الإرهابية، كل ذلك مجرد تظاهر. وأحياناً يكون هذا الكلام مصمماً لإخفاء الضعف، وأحياناً يكون متعطشاً للانتقام، لكن أرديرن لم تفعل أياً من هذا».
في رأيه «هو أسلوب قيادي يناسب نيوزيلندا بشكل خاص. لدى نيوزيلندا جانب مظلم خطير، العنصرية. لكن ما تفعله هو منحنا لحظة لمواجهة هذه الشياطين، هذا الظلام وتغيير طرقنا».
وتوبيخ رئيسة الوزراء لترامب
وقالت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، إنها طلبت من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبداء «التعاطف والمحبة» حيال كافة المجتمعات المسلمة.
جاء ذلك في تصريحات للصحفيين، بمقر البرلمان في العاصمة النيوزيلندية ويلنغتون، السبت 16 مارس 2019، حيث تطرَّقت إلى المكالمة الهاتفية التي دارت بينها وبين ترامب، عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين، أمس الجمعة.
وأوضحت أنها ردَّت على سؤال ترامب بشأن كيفية تقديم المساعدة لنيوزيلندا، بالقول: «رسالتي كانت التعاطف والمحبة من أجل كافة المجتمعات المسلمة»، بحسب ما أوردته الصحافة المحلية.
وقال ترامب، الجمعة 15 مارس 2019، إنه تحدَّث مع أرديرن «عقب الهجمات المرعبة» على المسجدين، وأبدى استعداد بلاده لتقديم المساعدة في التحقيقات.
وأضاف ترامب، في تغريدة عبر تويتر: «أبلغت رئيسة وزراء نيوزيلندا استعدادنا لتقديم أي مساعدة في التحقيقات المتعلقة بالهجوم على المسجدين».
من هي رئيسة الوزراء؟
تصدرت أرديرن التي يبلغ عمرها 38 عاماً عناوين الصحف ونشرات الأخبار العالمية منذ وصولها إلى السلطة في أكتوبر 2017، عندما أصبحت ثاني زعيمة منتخبة في العالم تلد وهي في السلطة بعد رئيسة وزراء باكستان الراحلة بينظير بوتو في 1990.
أرديرن هي أصغر رئيسة لوزراء نيوزلاندا منذ 150 عاماً، ولا تعد أصغر رئيسة وزراء فحسب وإنما هي أيضاً أول من أخذ إجازة لرعاية الطفل وهي في السلطة، ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رمز لتقدم المرأة.
وانتخبت أرديرن في العام 2015 رئيسة للاتحاد الدولي الاشتراكي للشباب، وبحلول مارس/آذار من العام 2017، اعتلت منصب نائب رئيس حزب العمال النيوزيلاندي.
وفي الأول من أغسطس تولت زعامته، وفي غضون 7 أسابيع فقط من ترؤسها للحزب، كانت قد وصلت لمنصب رئيس الوزراء.
ومنذ انتخابها تحرص على التأكيد على تقديم مساعدات للأسر لتربية أبنائهم ورعايتهم بشكل يكفل لهم حياة كريمة، ومددت فترة إجازات الأبوة والأمومة المدفوعة من 18 إلى 26 أسبوعاً.