رؤى التعبيرية في التجربة التشكيلية العربية المعاصرة
غالبا ما يكون الموقف واضحا وكثيرا ما تكون الأعمال حاسمة وهي تقدّم لحياة الانسان لطبيعة وجوده وذاكرته وحضوره وتفاعله معها في كل التفاصيل عدوانية قمعية أو ساخرة، حيث إيصال معانيها يكون دون خجل ولا خوف دون تملّص أو تراجع، بكثافة شرح وتماد واضح في الصورة وتفاصيلها وعلاماتها الأسطورية التراثية الدينية، إنها التعبيرية المدرسة التشكيلية التي شكّلت الفارق المتوازن في سرد الكثافة البصرية الذاتية واللغة الحسية وهي تتواصل مع الفكرة والمفاهيم.
- سمير صفدي
ولعل التحليل البحثي في هذا المقال ليس توثيقا لهذه المدرسة بقدر ما هو توظيف لخصوصياتها ومدى استيعابها البصري في التصور الرؤيوي التشكيلي للتجربة العربية المعاصرة التي اختارت مساراتها تماشيا مع واقعها اليومي وأحداثها المتباينة مع القضايا التي تنوّعت تفاصيلها اجتماعيا سياسيا ثقافيا وانسانيا.
*جعفر دشتي
حملت التعبيرية منذ ظهورها تصورات ثورية في اللغة التي قدّمتها وهي تتناقض مع الانطباعية والموضوعية والطبيعية من حيث اختلافها عنها في الحركة التي تنعكس من الخارج إلى الداخل لأنها أي التعبيرية تستثير الموضوع من الوعي الذاتي للفنان فهي حركة عكسية تستنطق روح الفنان وتفاعله الداخلي مع كل ما يمس واقعه فدون وساطة يستنتج المعنى ويتمرد من خلاله مع روحه ويتماهى معه نحو التعبير.
*أثير شعيوطة
وهذا التوظيف حمل التعبيرية بكل تفاصيلها إلى الفكر والتجربة العربية من حيث أنها استبدلت من العين الداخلية المظهر الخارجي ما خلق خلطا بين الأخلاقوية والجماليات وبالتالي ساعدت التعبيرية على حمل الموقف نفسه من الرومنسية الممزوجة برؤى الحياة وتصوير الطبيعة نحو التعبيرية وهي تجادل الواقع وتغيّراته ومشاهده الدرامية التي تغيّرت معها الجغرافيا وتفجّرت فيها الأزمات والقلق والخوف الذي بدا في تباين الفكرة الوجودية وعلاقة الحرب والسلام والموت والحياة والاستمرارية والفناء.
*عمران القيسي
فالهدف كان التحوّل بالتصوّرات والنبش في الحالات والمواقف من أجل استعادة فردية لتشكّلات الرؤى المختلفة في الوعي الفني وما يمكن أن يضيفه على الإحساس بالثبات في الأرض والقوة في التعاطي والتواصل مع الواقع وقد ساعد الأثر الفكري العربي والموروث الأدبي والأسطوري والحضاري على استحضار الرموز وبناء توظيفات لونية مختلفة وعلامات مألوفة الحضور مختلفة التعبير والدلالة.
*عبد الرحيم سالم
فالتعبيرية في التصورات العربية فجّرت ما تختزنه التصوّرات الانفعالية من القيم المخفية ومدى تعاملها مع الانسان في محيطه وانتمائه وعلاقاته لأنها لم تتعامل معه ككائن فردي بل كانتماء لمجموعة حتى يكون قادرا على التواصل من خلال أسلوبه وتقنياته المبنية على توظيفه للملامح والخصوصيات الانفعالية والألوان وضربات الفرشاة والأثر الواضح والعميق لها وما تكثّفه الآثار السميكة والخشنة التي تحفر ثناياها وحضورها وحدّتها وانفعالها المتباين بين العلامات والملامح والخطوط والشخوص.
*إبراهيم الحميد
فالتعبيرية استطاعت أن تتوازن في انفعالاتها وتفاعلاتها الجمالية مع الرؤى التشكيلية العربية ومع المواقف حتى لا تبالغ في الرومنسية أو الغرق المبالغ في انفعالاته الذاتية دون أن تتمادى ليتملكها الانطباع الفرداني أو السطحية الخالية من توافق المنطق التعبيري فلا تعبّر عن الواقع كحقيقة.
*عدنان يحيى
فالتعبيرية حملت الدور الأساسي في التعبير عن الواقع بكل أمانة إلى حد ما من خلال الموقف الذي تفجّر في عمق الفنان من خلال فهم الشعور والأفكار وكل تجليات العمل وخاماته والرمزيات التي وظّفها تعبيريا والتي حاولت أن تلامس واقعه المعاش وتفاصيله التي كان يبنيها بناء على مواقفه من السائد من العادات من تأثير المعتقدات من الواقع المبني على فكرة الحرب والدمار والخراب وما تخلّف منها من سلب وشتات حتى أصبحت الصورة العامة تتوافق في التصورات التعبيرية مع كل تلك المظاهر وتأثيراتها النفسية والاجتماعية والتي اتكأ عليها وهو يبحث ويجسّد مدى انتقاله بين الحالات والتناقضات.
*أيمن غرابية
اعتمدت التعبيرية العربية في التصوّر الأساسي على المبدأ الأول لهذه المدرسة وهو المشاعر والعواطف الممزوجة بالتوافق الذهني الذي حاول تفسير الواقع رمزيا بحذف الصور الحقيقية أو تشويهها حتى تتلاءم مع تلك المشاعر الصادمة التي تلقاها الفنان الانسان بدرجة أولى والتي أفرزتها الأحداث المختلفة، حيث وظّف ذلك تقنيا من خلال الكثافة الواضحة للألوان تدرجاتها المبالغة في البرود بتوظيفات الألوان الباردة والحارة ومزيجهما وتفاعل المنجزات مع العمق والوهم في الفراغ لتفعيل الحركة والجمود من خلال الضوء والظلال واختلاف الأشكال وملامح الشخوص والتحوّل بأقصى الدرجات التعبيرية نحو ملاحم تراجيدية عكست المعاناة والقلق والأزمات.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections