ذا هيل: الولايات المتحدة ليس لها دور فعال في سوريا
قالت مجلة “ذا هيل” الأمريكية، أن موقف واشنطن في سوريا يعد ضعيفاً، وترك مساحة كبيرة لروسيا وإيران بأن تشكلا مستقبل الصراع الدامي المستمر منذ 7 سنوات دون أي دور لأميركا في هذا الأمر.
وقالت مونيكا توفت: مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية في كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية في مقال «تُظهِر الحرب الأهلية السورية علاماتٍ على اقترابها من النهاية أخيراً، بيد أنَّ هذه النهاية ستكون كارثةً إنسانية مريرة، وستُسفِر عن توطيد سلطة حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد مؤقتاً. لا شك في أيٍّ من ذلك، لكنَّ الشك يكمن في الدور الذي قد تؤديه الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، إن وُجِد».
ترمب لن يغير سياسة أمريكا الخارجية
وتابعت الكاتبة الأميركية، ينبع هذا الشك من حدوث تحولٍ كبير في السياسة الخارجية الأميركية نتج عن انتخاب دونالد ترمب رئيساً، وإدراكٍ متزايد بأنَّ نهج الحرب الباردة المتمثل في تفضيل الاستقرار على العدالة قد عاد بشدَّةٍ أكبر بكثير من ذي قبل.
وستكون المرحلة الأخيرة في الحرب الأهلية السورية كارثةً إنسانية لأنَّ المصالح السياسية للأسد وروسيا وحزب الله (وكيل إيران) ستُفضِّل توطيد السلطة السياسية على مصير المدنيين، وهذا يعني في سوريا السماح للحكومة بقتل أي مُعارضٍ سياسي.
وبحسب المقال صحيحٌ أنَّ تركيا والولايات المتحدة لديهما قوات مسلحة مستعدة للانتشار في سوريا، لكنَّ مصالح الدولتين متعارضة (فتركيا تكره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والأكراد، بينما تريد الولايات المتحدة القضاء على الجهاديين السلفيين أمثال داعش، وإنشاء ملاذٍ آمن للمعارضة السياسية ضد نظام الأسد). وبغض النظر عن أهداف الدولتين، فما زالت قواتهما تعتبر أجنبية (ومن ثَمَّ أقل قوة) في حربٍ أهلية تتسم بتنوعٍ هائل في جنسيات أطرافها.
انتصار مؤقت للأسد
بيد أنَّ انتصار الأسد سيكون مؤقتاً؛ فحالما تستطيع روسيا أن تتباهى علناً بأنها تفوَّقت على الولايات المتحدة في سوريا، ستُغادر معظم القوات الروسية سوريا، تاركةً الأسد بين خيارين أحلاهما مُرُّ: فإمَّا أن يترأس اقتصاداً مُدمَّراً مع وجود جيشٍ وشرطةٍ سرية في غاية الضعف، ويكون مديناً لإيران إلى الأبد، أو ينسحب من المشهد بأمواله ويذهب إلى المنفى. بينما لن يتمكَّن اللاجئون السوريون، الذين يُقدَّر عددهم الآن بالملايين، من العودة إلى بلادهم.
من المرجح أن يكون خليفة الأسد بنفس القدر من الوحشية وقصر النظر. ففي العصر الرقمي، يتمثَّل السبيل الوحيد إلى إقامة دكتاتورية مستدامة في الاقتداء بالصين وإنشاء شبكة إنترنت منفصلة، أو الاقتداء بروسيا وإيران واعتبار تصديق أي شيء ضد الحكومة على الإنترنت خطيئةً أو سلوكاً منافياً للوطنية. وسوريا ليس لديها الموارد لتفعل ذلك أو ذاك.
وماذا عن دور الولايات المتحدة؟ منذ نهاية الحرب الباردة، كانت إحدى الركائز الرئيسية لمنصة السياسة الخارجية الأميركية هي دعم التحوُّلات الديمقراطية في الديكتاتوريات أو شبه الديكتاتوريات. ولكن على الرغم من حُسن النية في حرب العراق (التي استمرت منذ عام 2003 إلى 2011) وحرب أفغانستان (المستمرة منذ عام 2001 حتى الآن)، اللتين تُعدان من أبرز الجهود الأميركية العامة، فإنَّهماأسفرتا عن فشلٍ مُكلِّف وأكَّدتا الادعاء القائل بأنَّ «ديكتاتورية مستقرة أفضل من عدالة فوضوية»، بحسب الصحيفة الأميركية.
جديرٌ بالذكر أنَّ الإسرائيليين والروس حاولوا الإشارة إلى أنَّ التعامل مع الحكام الديكتاتوريين بعد الربيع العربي الذي اندلع في عام 2011 صار أسهل بكثير، وكانوا مُحقين في ذلك، لأنَّ مصالح هؤلاء الحُكَّام -على عكس الأنظمة الديمقراطية- يمكن التنبؤ بها تماماً وتلبيتها غير مُكلِّفة نسبياً، ومن بينها على سبيل المثال الاستعراض الفاحش للثروة، والحصول على أوسمةٍ في المسابقات الدولية (بأي وسيلة) واستعراض القوة بانتظام. ويُضعِف فشل حربيِّ العراق وأفغانستان الجهود الأميركية، بما في ذلك الجهود العسكرية، التي تهدف إلى إرساء أسس الانتقال في نهاية المطاف إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط.
أهداف أمريكا في سوريا
ترغب الولايات المتحدة في التوصُّل إلى هدفين في سوريا: أولاً، استئصال تنظيم داعش وأمثاله من السلفيين الجهاديين، وثانياً، الحفاظ على ما يكفي من شوكة معارضة الأسد للتفاوض على تقاعده مبكراً. وترغب بشدةٍ كذلك في تجنُّب كارثةٍ إنسانية تتمثَّل في موت الآلاف من المدنيين، من بينهم أطفال، أو أزمة لاجئين كبيرة أخرى. جديرٌ بالذكر أنَّ هذه الحرب أثارت شِقاقاً في أوروبا بالفعل، إذ حوَّلت السلطة السياسية إلى التيار اليميني وهدَّدت وحدة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ومن المفارقات أنَّ التدمير النهائي بقيادة روسيا وحزب الله لآخر معاقل المعارضة في محافظة إدلب السورية سيسمح للأسد بتوطيد سلطته وسيُحقق الهدف الأميركي الأول دون أي مساعدة إضافية من الولايات المتحدة. أمَّا الهدف الثاني المتمثل في تقاعد الأسد مبكراً، فسيتحقق أيضاً، ولكن ليس بجهود الولايات المتحدة، بل بانسحاب روسيا. وستدَّعي روسيا أنَّها غادرت سوريا تاركةً الأسد راسخاً في السلطة، وحققت نصراً كبيراً في السياسة العسكرية والخارجية على حساب الولايات المتحدة.
ولكن لن يتحقق استئصال داعش والسلفيين الجهاديين الآخرين دون وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، إذ لا تعترف القوات الروسية والسورية عملياً بمفهوم «المدنيين». لذا يُتوقَّع قصف مناطق حضرية مأهولة بالسكان بمدفعيةٍ ثقيلة وغارات جوية، مع استخدام غازات كيماوية (وإنكار استخدامها). ومن المُرجَّح أيضاً أن نشهد «ممرات آمنة» -كما وعد المسؤولون بتوفير ممرٍ آمن لأي شخصٍ يرغب في تجنُّب الدمار نحو بلد آخر أو ملاذٍ آمن- لكنَّها لن تكون آمنةً في الواقع.
يبدو أنَّ ترمب يؤيد النظرية القائلة بأنَّ سياسة الصوت العالي والعصا الكبيرة هي أضمن سياسةٍ خارجية لتعزيز المصالح الأميركية، وهي ما أشرت إليها في مقالةٍ أخرى باسم «الدبلوماسية الحركية«. ولكن لا يوجد خيارٌ عسكري قابل للتطبيق في سوريا يمكن أن يُحقق أهداف السياسة الخارجية الأميركية. فبعدما أسهمت الولايات المتحدة في جعل الصراع معتمداً على التدخُل العسكري، صار موقفها ضعيفاً وأصبحت خياراتها للفوز في سوريا ضئيلة.
تتمثَّل المأساة الحقيقية، من منظور الولايات المتحدة وحلفائها، في أنَّ المضي قدماً وتوطيد سُلطة الأسد في سوريا سيُصعِّبان بشدَّةٍ الشعور بالرضا عن الممارسة الأميركية المُتَّبعة منذ أمدٍ بعيد في دعم الشعوب الحرة أينما كانت تناضل من أجل الحرية بوسائل أخرى غير التدخل العسكري