ديلي بيست: فشل ترامب في تحقيق أهدافة في أفغانستان رغم زيادة عدد القوات الأمريكية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض، أعلن أنه سيضع حداً للحروب التي لا تنتهي، ووعد بإعادة القوات الأمريكية إلى البلاد، لكن الإحصائيات عن حجم تلك القوات في أفغانستان تقول العكس، والنتائج أيضا توثق الفشل.
موقع ذا ديلي بيست الأمريكي نشر تقريراً، بعنوان: «إحصائيات تُظهِر أنَّ رفع ترامب عدد القوات الأمريكية في أفغانستان فشل في تحقيق أهدافه»، تناول فيه كيف نجحت «طالبان» في إفشال مخططات أقوى دولة على وجه الأرض.
ماذا حدث على الأرض؟
تُظهِر إحصائيات جديدة عن حرب الولايات المتحدة، المستمرة منذ قرابة جيل في أفغانستان، أنَّ زيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدد القوات الأمريكية بأكثر من 7 آلاف قد فشلت، وتُمثِّل الأرقام الأخيرة رثاءً لصراع بات الآن يعادل احتلال هايتي، باعتبارهما أطول نكبتين أمريكيتين بالخارج.
زاد ترامب، الذي ورث الحرب من الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما وتأثَّر بمستشاره للأمن القومي آنذاك الجنرال هربرت ماكماستر، القوات الأمريكية البالغ عددها 8400 في أفغانستان إلى 15 ألفاً -يصل العدد الآن إلى ما بين 12 ألفاً و13 ألفاً- وأعاد ما سماها «مهاجمة أعدائنا» إلى موقع الصدارة ضمن المجهود الحربي. كانت القوات قد أخذت مقعداً خلفياً في الحرب بتدريب القوات الأفغانية، بعدما لم تُظهِر حركة طالبان مبالاةً بالزيادة الأكبر التي أقرَّها أوباما في عدد القوات.
جاء الجزء الأكبر من الهجوم الأمريكي من الجو. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، بعد فترة وجيزة من إعلان ترامب زيادته الصغيرة لعدد القوات، تعهَّد قائده العسكري في أفغانستان آنذاك، الجنرال جون نيكلسون، بأنَّ هناك «موجة مد من القوة الجوية» قادمة، موجة من شأنها أن تسطر «بداية النهاية لطالبان».
نشر سلاح الجو الأمريكي، هذا الأسبوع إحصائياتٍ، تُظهِر أنَّ خطاب نيكلسون كان مُسوغاً، على الرغم من الاستعارة المشوشة. ففي عام 2019، شنَّ الجيش 7423 غارة جوية في أفغانستان، وهي أكثر بخمسة أضعاف من الغارات الجوية الـ1337 التي جرى شنّها في عام أوباما الأخير كقائد عام للجيش الأمريكي. وفي ذروة زيادة أوباما عدد القوات في أفغانستان، كان أقصى عدد من الغارات الجوية في عام واحد (عام 2011) هو 5411 غارة. وخلال ثلاث سنوات، شنَّ ترامب 19146 غارة جوية في أفغانستان، وهو أكثر من الغارات الجوية الـ18758 التي شنّها أوباما في ولايته الأولى بالكامل.
ترامب يقول إنه محاصَر بالصقور
كل ذلك كان متسقاً للغاية مع أسلوب ترامب. فالرئيس لم يخفِ نفوره من حرب أفغانستان: وقد ضمَّن إعلانه زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، قوله إنَّه خالف مواقفه الفطرية. ومثلما كان الحال مع أوباما مِن قبله، شكا ترامب لعديد من مستشاريه وأصدقائه المقربين من شعوره بأنَّه محاصَر بالمستشارين الصقور. ووفقاً لثلاثة أشخاص ناقشوا الحروب مع ترامب منذ 2017، شكا الرئيس من أنَّه يُقال له باستمرار إنَّ الانسحاب من أفغانستان (والعراق) سيجعله «يبدو ضعيفاً» و «يبدو ليناً»، وهما الشيئان المبغوضان تماماً بالنسبة لترامب. ومثَّلت حملة القصف الضخمة، بطريقةٍ ما، بديلاً سياسياً.
لكنَّه صبَّ في مصلحة واحدة من أكثر أوهام الحرب استمرارية. إذ قال كريس كوليندا، وهو عقيد متقاعد وأحد قدامى المحاربين في أفغانستان وقضى العقد الماضي يدعو إلى عقد مباحثات سلام مع «طالبان»؛ من أجل الخروج بشيءٍ إيجابي من الحرب: «من الواضح أنَّ فكرة أنَّ بإمكاننا إضافة مزيد من الغارات الجوية وإيجاد انتصار حاسم بطريقةٍ ما تستسلم فيه طالبان أو تتوسل من أجل السلام- لم تكن فكرة واقعية، لم تكن واقعية حين كان هناك 100 ألف من القوات على الأرض، وليست واقعيةً اليوم».
زيادة القوات لم تحقق شيئاً
ويؤكد تقرير ربع سنوي، صدر للتو عن المفتش العام الخاص لشؤون إعادة إعمار أفغانستان، وجهة نظر كوليندا. إذ يُظهِر أنَّ ترامب لم يحقق شيئاً في حرب أفغانستان بعد زيادة القوات. وباتت «طالبان»، البعيدة كل البعد عن «بداية النهاية» التي بشَّر بها نيكلسون، في واحدةٍ من أبهى حُلّاتها منذ أن أطاحت بها القوات المدعومة من الولايات المتحدة عام 2001.
إذ شنَّت «طالبان» 8204 هجمات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2019، وهو أعلى مستوى في أي فترة ختامية بسنة من السنوات منذ الهجمات الـ7685 التي نفَّذتها الحركة عام 2010. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، حين نظَّمت أفغانستان انتخاباتها الرئاسية التي لم تُحسَم بعد، وجد المفتش العام أنَّ «طالبان» شنَّت «أعلى عدد من الهجمات الناجعة التي تستهدف العدو» -وهي الهجمات التي تقتل أو تصيب الأمريكيين أو الأفغان، المدنيين أو العسكريين- في أي شهر من الشهور «منذ بدء التسجيل في يناير/كانون الثاني 2010».
وبشكل عام، شنَّت «طالبان» 29083 هجوماً في عام 2019، وهو ما يتجاوز بقليل عدد الهجمات البالغ 27417 في عام 2018. وهذا مهم، لأنَّ «طالبان» بدأت العام بداية بطيئة في 2019: ووجد المفتش العام أنَّه بدا أنَّ الهجمات «تراجعت في مطلع العام حين كانت مباحثات السلام جارية». ومن بين ضحايا الهجمات التي شنّتها «طالبان» في 2019، قُتِل 23 جندياً أمريكياً وأُصيب 192، وهو أعلى إجمالي يُسجَّل منذ عام 2015، بعدما زعم أوباما إنهاء العمليات القتالية الأمريكية المباشرة ضد «طالبان». يصف وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، الحرب بأنَّها بلغت حالة جمود، وهو تقييم ذاتي سخيٌّ، ويُقلِّل من الإنجاز الذي حققته «طالبان» في مواجهة قوة عظمى.
«طالبان» تزداد قوة وشراسة
باتت القوى الأمنية الأفغانية أكبر قليلاً في نهاية 2019، ووصلت إلى قرابة 273 ألف جندي وشرطي. لكن في الوقت الذي كانت فيه «طالبان» تزيد نشاطها بصورة كبيرة، كان عمل القوات التي أسستها الولايات المتحدة أقل. إذ شنّت القوات الأفغانية عملياتٍ برية في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول وحتى ديسمبر/كانون الأول، أقل مما شنَّته في أي مرحلة أخرى من العام. وتم 31% فقط من هذه العمليات دون مساعدة أمريكية، وهو ما يجعل القوات أكثر اعتماداً على المساعدة الأمريكية مقارنةً بما كانت عليه في 2018، حين لم تتضمَّن 55% من العمليات الأمنية الأفغانية دعماً أمريكياً.
ثُمَّ هناك الأفغان الذين يتعين عليهم تحمُّل الحرب. فوفقاً للبيانات التي حصل عليها المفتش العام من القيادة العسكرية الأمريكية، فإنَّ القتلى والإصابات بين المدنيين ظلَّت حول مستوى 9200 في كلٍّ من عامي 2019 و2018. وسيواجه ما يُقدَّر بـ11 مليون أفغاني، أي ما يعادل شخصاً من بين كل 3 أشخاص، انعدام الأمن الغذائي في الأشهر المقبلة. ووزَّع برنامجٌ أُنشئ حديثاً لتعويض الأفغان عن الوفيات أو الإصابات التي تسبَّبت فيها الولايات المتحدة والقوات الحليفة، 11.28 مليون دولار من صندوق يبلغ حجمه 40 مليون دولار، ومن المقرر أن يستمر خمس سنوات.
وهذا رقم صغير نسبياً مقارنةً بما كلَّفته الحرب الأفغانية حتى الآن: وجد المفتش العام أنَّ التكلفة بلغت 776 مليار دولار منذ 2001. وبعد كل هذه الدماء والأموال، لا يزال البنك الدولي يُقدِّر أنَّ الدول المانحة سيتعين عليها تمويل أفغانستان بما بين 4.6 و8.2 مليار دولار سنوياً حتى عام 2024؛ لمنع انهيار الدولة.
وكوليندا غير مستعد لوصف الحرب بأنَّها فشلٌ. فهو يعتقد أنَّ الأمر يتوقف على شكل التسوية السياسية التي يمكن التوصل إليها مع «طالبان»، وما إذا كان سيُتوصَّل إليها أساساً أم لا، لا سيما فيما يتعلَّق بالمصلحة الأمريكية الأساسية المتعلقة بعدم استخدام أفغانستان منصةً لتهديد الأمن الأمريكي. لكن في تقديره، فإنَّ نوعاً من الفشل التام يحيط بالنهج الأمريكي العام.
فقال: «أعتقد أنَّ الفشل هو في طريقة الحرب الأمريكية التي نقوم فيها بهذه التدخلات كبيرة النطاق ضد مجموعات الميليشيات ضعيفة التدريب، وفي كثيرٍ من الأحيان فاقدة الثقة، في العالم النامي، وتلك الصراعات تتحول إلى مستنقعات. إنَّ الحكمة السائدة التي تُقال لنا من الجزء الأكبر من مؤسسة الأمن القومي، والمتمثلة في أن نضيف مزيداً من القوات ومزيداً من القوة النارية لأجل غير مسمى؛ ومن ثَمَّ سنحصل على نتائج أفضل، هي عقلية فاشلة تحتاج دراسة جادة».
ولهذا السبب ضغط كوليندا بقوة للغاية؛ من أجل عقد محادثات سلام. فالنظرية التي طرحتها زيادة ترامب عدد القوات، والمُطابِقة لنظرية أوباما مِن قبله، تفيد بأن زيادة العنف الأمريكي من شأنها الضغط على «طالبان» للتفاوض على سلامٍ مستقر. وفي حين يُحسَب لترامب أنَّه سعى لمحادثات سلام مباشرة مع «طالبان»، فإنَّ العلاقة السببية تتعارض بصورة مباشرة مع النظرية. فالحرب لم تدفع «طالبان» إلى طاولة المفاوضات؛ بل الحاجة إلى الخروج هي ما دفعت الأمريكيين إلى الطاولة.
مسار المفاوضات غير مستقر
ما يحدث على طاولة المفاوضات بعد ذلك مسألة خاضعة للتكهنات. إذ ألغى ترامب فجأةً محادثات السلام في سبتمبر/أيلول الماضي، حين بدا أنَّها على وشك التوصل إلى اتفاق -ولو أنَّ المحادثات كانت من دون الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي شعرت بالإحباط لاستبعادها منها- وهو الأمر الذي صدم «طالبان». استؤنِفَت المحادثات، لكنَّ كبار مسؤولي الإدارة يتخذون احتياطاتهم؛ خشية فشلها. فقال إسبر الشهر الماضي، إنَّ الولايات المتحدة قد تُقلِّص قواتها «باتفاق سلام أو من دونه»، ولو أنَّ مستوى القوات بعد التقليص سيصل إلى 8600 من القوات، وهو ما يزيد قليلاً على مستوى القوات قبل زيادة ترامب لها.
يتعارض هذا مع منطق إقدام ترامب على زيادة القوات: وهو أنَّ احتدام القتال ضرورة لإجبار «طالبان» على القبول بالشروط. لكنَّ الواقع أنَّ هذا الافتراض المبهم ثبت فشله إبَّان زيادة أوباما عدد القوات، حين انهارت محادثات أولية سرية مع «طالبان» خلال ذروة الحرب، وسارت الحرب بزخمها منذ ذلك الحين. ولهذا تشكَّك ترامب، عند إعلانه استئناف المحادثات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في إبرام «طالبان» اتفاق سلام، وقال: «إن أبرموه، كان بها، وإن لم يبرموه، فلا بأس».
ووفقاً لثلاثة مصادر ناقشت الحرب مع الرئيس، فإنَّ ما يضاهي هذا التوجه الزاهد من ترامب هو استعداده لتحميل المستشارين الذين حذروه من إعادة القوات إلى الولايات المتحدة، مسؤولية استمرار الصراع الذي تسبَّب هو في تصعيده.
فقال مسؤول كبير سابق بالإدارة ناقش الشأن الأفغاني مراراً مع ترامب: «إنَّه القائد العام للجيش الأمريكي. وإذا ما أراد إنجاز الأمر (الانسحاب)، فبإمكانه أن يقول ذلك فحسب. لكنَّه يتحصَّن خلف التلميح إلى أنَّ مستشاريه لن يسمحوا له بذلك».