دول مانحة للبنان نفذ صبرها وتُحذر: لا مساعدات مجانية بعد الآن
وجهت القوى الغربية التي تسعى إلى إنقاذ اقتصاد لبنان المشرف على الانهيار إنذاراً إلى القادة السياسيين للبلاد، مفاده “ألا خطوات لإنقاذ البلاد من عثرتها، ما لم يشكلوا حكومة تتمتع بالمصداقية”، لإصلاح الوضع في الدولة المفلسة، وعلى وجه السرعة.
انزعاج من السياسيين: وكالة رويترز قالت إن الصبر بدأ ينفد لدى فرنسا وأمريكا المتحدة وغيرهما من الدول المانحة، من الساسة الذين كان كثيرون منهم وجوهاً مألوفة خلال انزلاق البلاد إلى أزمتها الاقتصادية.
وسبق لباريس وواشنطن ودول أخرى أن قدمت مساعدات للبنان أكثر من مرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
مصدران شاركا في محادثات جرت في بيروت الأسبوع الماضي، نقلت عنهما رويترز القول إن “باتريك داريل مستشار ماكرون لشؤون الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، أوضح في المحادثات أنه رغم حفاظ باريس على تعهداتها فنحن لن ننقذهم ما لم تكن هناك إصلاحات”.
من جانبه، قال دبلوماسي غربي إن فرنسا ما زالت تحاول استضافة مؤتمر لبحث إعادة البناء في بيروت، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لكن الشكوك قائمة، مضيفاً: “لا توجد أي تطورات، الساسة اللبنانيون عادوا إلى أسلوبهم في العمل، والمقلق هو التجاهل التام للشعب”.
لا مساعدات مجانية: على الجانب الأمريكي، قالت دوروثي شيا، سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان، في مؤتمر عبر الهاتف لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، يوم الجمعة الفائت، إن الولايات المتحدة “تدرك أن لبنان مهم” وأن “تحاشي فشل الدولة يجب أن تكون له الأولوية القصوى”.
لكنها أضافت: “لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلاً أكثر من رغبتهم هم فيه”. وأكدت أنه لا خطط إنقاذ من دون إصلاحات، وتابعت: “اكتسبنا حنكة”، مضيفة أنه سيكون هناك “نهج تدريجي خطوة بخطوة ولا شيء مجاني”.
وفي العام الماضي تفجرت احتجاجات ضخمة على النخبة الحاكمة، إذ حملها الناس مسؤولية رعاية مصالحها المكتسبة، في الوقت الذي كان الدين العام يتزايد فيه.
كذلك أدت جائحة فيروس كورونا إلى زيادة الضغوط على موارد البلاد، ودمر انفجار هائل في مرفأ بيروت خلال أغسطس/آب 2020 مساحات كبيرة من المدينة، الأمر الذي زاد من الصعوبات الاقتصادية على لبنان.
أيضاً ومع نفاد الدولارات ظهر نقص في السلع الأساسية، ومن بينها الأدوية، كما يتزايد عدد من يسقطون بين براثن الفقر في لبنان.
من جانبها، تشعر فرنسا بخيبة أمل من الساسة اللبنانيين، لا سيما بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت عقب الانفجار، وكان قد حاول إقناع الساسة بتطبيق إصلاحات جزئية على الأقل للتصدي للوضع الطارئ.
غير أن فئات متنافسة لا تزال تتصارع على النفوذ ولم يشكل لبنان حكومة منذ الحكومة التي كان انفجار أغسطس/آب وتداعياته سبباً في انهيارها، ومثلما حدث في الأزمات السابقة اتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه يتحمل مسؤولية هذا الوضع.
عقوبات أمريكية: ويكافح سعد الحريري رئيس الوزراء السني المكلف بموجب اتفاق اقتسام السلطة المبني على أسس طائفية في البلاد لتشكيل الحكومة الآن.
إلا أن بعض المصادر التي نقلت عنها وكالة رويترز قالت إن الجهود تعقدت بفعل العقوبات الأمريكية الأخيرة التي فُرضت على جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، والذي يرأس حزب الحركة الوطنية اللبنانية أكبر الأحزاب المسيحية في البلاد.
فُرضت العقوبات على باسيل بناء على اتهامات بالفساد، ولصلاته بـ”حزب الله” المدعوم من إيران، وهي أقوى طرف في لبنان وتعد قوة ضاربة لطهران في المنطقة وتعتبرها واشنطن جماعة إرهابية، في حين ينفي باسيل الاتهامات.
وتقول مصادر رسمية إن النقطة الرئيسية العالقة هي إصرار عون وباسيل على تعيين وزراء في الحكومة المكونة من 18 وزيراً، بينما يريد الحريري أن يكون كل الوزراء من المتخصصين ولا صلة لهم بالأحزاب السياسية.
في هذا السياق، نقلت رويترز عن مصدر على صلة وثيقة بالمحادثات، قوله إن “بعض المعنيين ذكروا أن باسيل هو العقبة الرئيسية أمام تشكيل الحكومة”، في حين ينفي باسيل هذا الاتهام، قائلاً إن “من حق حزبه أن يسمي وزراء بما أن آخرين استطاعوا تسمية وزراء”.
كذلك نقلت الوكالة عن مصدر مطلع قوله إن مستشار ماكرون، داريل، طلب من “حزب الله” أن يحاول إقناع باسيل بتخفيف موقفه، غير أن الحزب يرفض الضغط عليه، لأن ذلك قد يضعفه بدرجة أكبر.
مواقف متصلبة: وبينما تتعمق الأزمات في لبنان، قالت عدة مصادر لرويترز إن “الجمود الحالي وضع انتحاري للبلاد التي تستنفد ما لديها من احتياطيات أجنبية بسرعة”، وتقدر هذه الاحتياطيات بمبلغ 17.9 مليار دولار فقط.
فبسبب العقوبات، التي سلمت السفيرة الأمريكية شيا بأنها جزء من حملة “الضغوط القصوى” التي تفرضها إدارة دونالد ترامب على إيران، تتجه إيران وحلفاؤها للانتظار حتى يترك ترامب منصبه، غير أن بعض المسؤولين في لبنان حذروا من لعبة الانتظار.
إذ قال مصدر سياسي رفيع مطلع على المحادثات: “الرسالة الواردة من الفرنسيين الآن واضحة: لا حكومة ولا إصلاح إذاً فمع السلامة وشكراً، وإذا غسل الفرنسيون أيديهم من هذا الأمر، فمن سينظر إلينا؟ الخليج؟ الولايات المتحدة؟ لا أحد”.
أضاف المصدر نفسه أنه “في نهاية اليوم، لا يعرفون كيف يتعاملون مع الظروف الاستثنائية والتحديات (…) نحن ما زلنا نتعامل مع تشكيل الحكومة وكأننا نعيش أياماً عادية”.
من جانبها، قالت السفيرة شيا إن على المانحين التشبث بموقفهم وإلا فإن النخبة السياسية لن تأخذهم على محمل الجد، وشددت على أنه إذا “لم يشعروا بأهمية عنصر الوقت لتشكيل حكومة فكيف نواصل الضغط عليهم؟ هم ينظرون إلينا ولسان حالهم يقول حاولوا أن تجعلونا ننفذ الإصلاح، سيكون من الممتع مشاهدتكم تحاولون ذلك”.