دروس في السياسة الإسرائيلية.. نتنياهو يتفوق أمام علي بيني جانتس
هناك طريقان لفحص اتفاق إقامة حكومة نتنياهو الخامسة، وأحد الطريقين يقارن بنود الاتفاق مع الوعود التي أطلقها الطرفان لناخبيهما في حملة الانتخابات. فقد وعد نتنياهو بأن يتولى رئاسة الحكومة وأوفى بوعده، ووعد الأغلبية بضم الضفة الغربية وأوفى بوعده، ووعد بأن يتحكم اليمين بلجنة تعيين القضاة وأوفى بوعده، ثم وعد بأن يزيل عن كتفيه رعب محكمة العدل العليا وقد أوفى، وأخيراً وعد شركاءه الأصوليين بمواصلة جدعة التجنيد وأوفى بوعده.
الوضع أقل لمعاناً عند فحص وعود جانتس؛ فقد وعد بألا يكون في حكومة تحت قيادة نتنياهو ولم يوفِ، ووعد بأن يغير قانون القومية ولم يوفِ أيضاً، ثم عد بأن يشترط كل فعل ضم بموافقة دولية ولم يوفِ بوعده، ووعد بأن يكافح الفساد فوافق على حكومة مضخمة، من 36 وزيراً، في فترة أزمة اقتصادية شديدة، ووعد كذلك بأن يحمي جهاز القضاء ولم يوفِ، وعد بأن البحث في محكمة العدل العليا في أهلية نتنياهو سيتحرر من التهديد السياسي ولم يوفِ بوعده، وفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
يستحق نتنياهو علامة 9 في كل ما يتعلق بإضعاف الديمقراطية وجهاز القضاء، وبتصفية البديل لحكمه، وبمستقبل المناطق وبقوة محكمة العدل العليا. فماذا عن غانتس؟ التلاميذ الذين كان صعب عليهم الوضع كانوا يتلقون شهادات آخر السنة بالعلامة التالية: “ينتقل إلى الصف التالي ولكن في مدرستنا”.
الطريق الثاني لفحص الاتفاق هو النظر إليه عبر عيون مليون طالب عمل: من حصل على وظائف أكثر ومن تلقى وظائق أقل. لقد جاء نتنياهو للمفاوضات ومن ورائه 58 أو 59 مقعداً؛ أي كتلة اليمين كلها. أما غانتس مع 17 حتى 20 مقعداً، وهذا منوط بما سيحصل لحزب العمل في النهاية، فحصل على حكومة متساوية، 17 كرسياً له ولرفاقه حول طاولة الحكومة، وهناك اثنان آخران لكل جهة بعد نصف سنة، وحصل أيضاً على وزارة الدفاع ومؤقتاً على وزارة الخارجية وسلسلة أخرى من الوزارات الأقل أهمية، وكذلك على لقب القائم بأعمال رئيس الوزراء وبوعد بالتناوب.
في مجال الوظائف خسر الليكود. الـ 16 – وبعد نصف سنة الـ 18 وزيراً له سيتعين عليه أن يتقاسمهم مع الأصوليين وربما مع “يمينا” أيضاً. في النصف سنة الأولى لن يتمكن من إجازة قوانين ذات طابع سياسي، باستثناء قوانين الضم.
في كل ما يتعلق بالوظائف، يستحق غانتس علامة 8 على الأقل. فما هي العلامة التي يستحقها نتنياهو؟ الجواب مركب. لم يأت نتنياهو إلى المفاوضات ليضمن الوظائف لليكود، بل ليضمن الوظيفة لنفسه. وبهذا الجانب وصل إلى إنجاز لا بأس به. ولو كان غانتس رجلاً فاسداً، لرأينا في الاتفاق الذي وقعه إنجازاً هائلاً، إنجازاً تاريخياً. ولكنه ليس فاسداً وكذا حزبه، ففي هذه المرحلة من وجوده ليس فاسداً، ولهذا فقد جاء الآن إلى ناخبيه بأياد فارغة. يشرح غانتس لمقربيه بأنه ومقارنة بما طلبه نتنياهو في البداية، فقد وصل إلى إنجازات مهمة. ربما. في اختبار النتيجة هو في وضع تعس.
النوايا الطيبة لا تساعد كثيراً في المفاوضات السياسية؛ فقد وضع غانتس خطوطاً حمراء وتجاوزها. والإحساس في غرفة المفاوضات هو أن الأمور كانت مقررة مسبقاً، في التفاهمات بين اشكنازي ودرعي وبين رونين تسور من جهة غانتس وموطي سندر من جهة نتنياهو. المستشارون الذين كان يفترض بهم أن يعززوا قوة غانتس انسحبوا بالتدريج. يورام توروبوبيتش قبل نحو شهر، وشالوم شلومو في الأسبوعين الأخيرين. وتبقى آفي نيسنكورن.
ليس صعباً التخمين كيف ستجري حياة الحكومة الجديدة، ستبدأ بتشريفات الاحترام المتبادل، بعد ذلك سيبدأ وزراء اليمين وكتب اليمين في الكنيست بإخضاع وزراء “أزرق أبيض”. أزعر الشبكة من بلفور سيقدم مساهمته. أما غانتس من وزارة الدفاع، وأشكنازي من وزارة الخارجية، ونيسنكورن من العدلية، فسيديرون معارك صد صغيرة. وستكون وطنيتهم في موضع شك. لا يوجد أي مجد في الصد، ولا ناخبين أيضاً. وسيتحركون بلا هواء إلى نهاية التناوب. فهل سيكون تناوب؟ قليل جداً من الناس في الساحة السياسية يصدقون هذا.
في أثناء المفاوضات حاول درعي وآخرون في الجانب الأصولي إقناع غانتس بأنهم سيكونون شركاءه الصامتين حول طاولة الحكومة. فهم معروفون باعتدالهم السياسي، ومعروفون أيضاً بإيمانهم بأنظمة الحكم السليمة: لن يسمحوا لنتنياهو بالتملص من التناوب. ناخبو شاس موالون لنتيناهو أكثر من ناخبي الليكود، ودرعي سيجد صعوبة في التمرد عليهم.
فور توقيع الاتفاق سارع غانتس إلى الكنيست ليؤدي وظيفة رئيس الكنيست في احتفالات يوم الكارثة. لو كان متفرغاً لشاهد الاحتفال في مؤسسة “يد واسم” وسيتعلم شيئاً ما آخر عن إحساس العظمة لدى الرجل الذي سيعمل تحت رئاسته. قال نتنياهو في خطابه إنه لا مقارنة بين الكارثة وكورونا – ومع ذلك قارن. “ليس مثلما في الكارثة”، قال، “هذه المرة شخصنا الخطر في الوقت المناسب”.
الكارثة وكورونا وأول من شخّص. لا تنتظر بيبينا حياة سهلة.