دراسة إسرائيلية تحذّر من خطورة حركة المقاطعة الدولية
يحذر باحث إسرائيلي من مفعول نشاطات حركة المقاطعة الدولية المعروفة باسم «بي دي إس» وتبعاتها على مكانة إسرائيل ومحاصرة نزع شرعيتها لدى جماهير وفئات مختلفة في العالم، داعيا لبناء جهاز لقياس نجاحاتها وإخفاقاتها بهدف ترشيد سياساتها.
ويشير الباحث أمير بيرجر من معهد «دراسات الأمن القومي» التابع لجامعة تل أبيب إلى أن حركة المقاطعة الدولية نشرت إنجازاتها في العامين الأخيرين بدءا من يوليو 2017 ويقوم بتحليل الاستخلاصات من هذا النشر بكل ما يتعلق بحملة المقاطعة وظاهرة نزع شرعية إسرائيل في العالم.
ويستنتج من تلخيصات حركة المقاطعة الدولية أن التأثير المباشر للكثير من هذه الإنجازات محدود، لكن بعضها نجح بالانتشار بشكل واسع في العالم مما ألحق أذى حقيقيا بإسرائيل. معتبرا أن التحدي الأساسي الذي تطرحه حركة المقاطعة الدولية يتمثل في مجال الوعي وبتعزيز وتعميق مواقف سلبية تجاه إسرائيل، وأن المعركة على شرعيتها طويلة ومتواصلة وتهدف الى التأثير على جماهير متنوعة. ولذا يعتبر أن قياس وتقدير مساعي نزع الشرعية أمر حيوي بالنسبة للجانب الإسرائيلي ومحاولاته لبلورة رد ناجع عليها.
ويستذكر أن حركة المقاطعة الدولية ولدت في 2005 وتنضوي تحت مظلتها مئات المنظمات في العالم وتعمل دون وجود جهاز إداري هرمي موحد وتعنى برعاية حملات مقاطعة لإسرائيل، وسحب استثمارات منها وفرض عقوبات عليها وعلى جهات مرتبطة بها. ويزعم الباحث الإسرائيلي أنه خلافا لصورتها الليبرالية الإنسانية الفاعلة من أجل حقوق الفلسطينيين فإن حركة المقاطعة الدولية تعمل بهدف نزع شرعية إسرائيل والصهيونية في العالم. ويقول إنه يستعرض قائمة الإنجازات التي تفاخر بها حركة المقاطعة الدولية بحق أو بدون وجه حق، ويقدم خلاصات للمعسكر المؤيد لإسرائيل استنادا لتحليله لها. ومن ضمن الإنجازات التي يشير لها الباحث الإسرائيلي مسيرة العودة في غزة وإحياء ذكرى مناسبات فلسطينية وطنية في العالم وضم سياسيين وفنانين وعلماء ومثقفين ومنظمات وحركات عالمية لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل.
كذلك يشير إلى أن حركة المقاطعة تشير ضمن إنجازاتها لإلغاء حفلات لمشاهير في إسرائيل وإصدار أحكام قضائية ضدها أو تشريعات محلية معادية لها خاصة في أوروبا ( بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، وإيرلندا وغيرها) مدعيا أن الحركة تحاول طرح نفسها كأنها تعمل في مناطق واسعة من العالم وفي مجالات متنوعة.
تآكل مكانة إسرائيل
ومن ضمن استنتاجاته المركزية يرى الباحث الإسرائيلي أن مكانة إسرائيل شهدت في السنوات الأخيرة تآكلا خاصة لدى جماهير ليبرالية- تقدمية في الغرب، زاعما أنه من الصعب نسب دور حاسم في ذلك الى حركة المقاطعة الدولية، ويقول مع ذلك إنها تعزز من هذه التوجهات وتوظفها في زيادة مؤيديها وخدمة أهدافها. ويشير إلى أن الكثير من الأحداث التي تعددها حركة المقاطعة كجزء من إنجازاتها تتمحور في مجال الوعي، مدعيا أن تأثيرها المباشر ظل هامشيا في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والتوعوية.
في المقابل يشير الى خطورة الانتشار الإعلامي الواسع الذي حظيت به بعض فعاليات حركة المقاطعة الدولية ومسّت بإسرائيل من ناحية صورتها، بالإضافة الى تسديدها أثمانا فعلية كإلغاء مباريات كرة قدم كما حصل مع منتخب الأرجنتين في يونيو 2018 وإلغاء لاعبي «فوتبول» أمريكيين مشاركاتهم في مباريات في إسرائيل وعرائض مشاهير في الولايات المتحدة تطالب بوقف الدعم الأمني لإسرائيل وإطلاق سراح الفتاة الفلسطينية عهد التميمي وسط استخدام مصطلحات «الآبرتهايد» بغية نزع شرعيتها في العالم، هذا بالإضافة لتنظيم مؤتمرات نزع شرعية بارزة تمت في الولايات المتحدة وفي بريطانيا خلال العامين الماضيين.
كما يشير الباحث الإسرائيلي الى ترويج حركة المقاطعة الدولية رواية الآبرتهايد الإسرائيلي كفكرة رائدة وسط استخدام دعم شخصيات ومنظمات يهودية لنقض ونفي اتهام إسرائيلية للحركة بأنها لاسامية والتشديد على الانقسام بين إسرائيل وبين اليهود في العالم. ويتنبه الباحث إلى أن حركة المقاطعة الدولية تهتم في السنوات الأخيرة بالحكم المحلي أيضا في أوروبا، والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، لكنه يتهمها بالمبالغة لافتا الى «فجوة بين التقارير حول الإنجازات وبين الواقع» زاعما أن المبالغة في استعراض الإنجازات أو تقديم صورة مجزوءة هي تكتيك عمل معتمد لديها لترويج أفكارها بنجاعة أوسع.
ويتوقف عند محاولات حركة المقاطعة الدولية للقيام بفعاليات تقوم على التعاون بين منظمات مختلفة في العالم للربط بين النضال الفلسطيني وبين نضالات أخرى لدى جماهير وجماعات مستضعفة من باب تشكيل «تحالفات المضطهدين في الأرض». كما تحذر الدراسة من تركيز حركة المقاطعة على المقارنات بين إسرائيل وبين جنوب أفريقيا تحت نظام الفصل العنصري (الآبرتهايد) وسط استخدام قرارات بعض لجان الأمم المتحدة التي تدينها بالتورط بهذا النظام العنصري.
في المقابل يوضح أن جهات إسرائيلية نجحت بمحاصرة حركة المقاطعة في بعض الدول كالولايات المتحدة وفرنسا اللتين شهدتها تشريعات تحظر فكرة المقاطعة أو تقييدها كما تشهد بريطانيا، رغم أن بعض المحاكم الأمريكية ألغت هذه التشريعات التي يعارضها أيضا عدد كبير من قادة الحزب الديمقراطي.
ويحاول التقليل من نجاح حركة المقاطعة الدولية في مجال تأمين دعم النضال الفلسطيني لدى أحزاب اليسار في العالم ويدلل على ذلك بالقول إن حزب «العمال» في بريطانيا على سبيل المثال يصطدم بمعارضة قوية يقودها اليهود ممن يرمونه بتهمة اللاسامية. في المقابل يشير إلى أن أحزابا أخرى كالخضر في البرازيل، وإسبانيا واسكتلندا والحزب الديمقراطي الأمريكي في كاليفورنيا لها علاقات بحركة المقاطعة مما يظهر أنها تتغلغل الى التيار المركزي هناك لأن هذه الأحزاب ممثلة بالبرلمانات.
بين المعركة وبين الحرب
ويستنتج الباحث أن المعركة على الوعي بين حركة المقاطعة الدولية وبين إسرائيل طويلة وتتمحور حول مناسبات وتواريخ مهمة ولذا فإن العلاقة بين «الانتصار في المعركة والانتصار في الحرب كلها «غير مفهوم ضمنا». وتوصي الدراسة بأن تولي إسرائيل اهتماما أكبر بالحكم المحلي في العالم وبتعزيز علاقاتها مع الأحزاب اليسارية بموازاة التأثير على المؤسسات الحاكمة والتيارات المركزية وتحسين علاقاتها مع اليهود في الولايات المتحدة الذين تستخدمهم الحركة غطاء للحيلولة دون اتهامها باللاسامية، محذرا من خطورة التأثير على الوعي، خاصة على الجيل الصاعد، وانعكاساته المستقبلية على نواح عملية كالاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية وغيرها ومن فاعليتها في نزع شرعية إسرائيل وتصويرها كدولة مارقة تدوس حقوق الآخرين بفظاظة. ولذا توصي أيضا برصد تحركات ومبادرات حركة المقاطعة في العالم ومأسسة عملية قياس نجاحاتها وإخفاقاتها لأن ذلك مفيد وحيوي لصناع القرار والسياسات في إسرائيل سواء في المستوى المحلي أو الدولي.