دبلوماسيون: لا أفق قريب لحل الأزمة السورية
قالت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية، إن الحرب الدائرة في سوريا على مدار السنوات السبع الماضية خلفت وضعاً خاصاً في سوريا، وأنه وضعٌ مؤسف في مجمله أدى إلى ما نعايشه في الوقت الراهن، إضافة إلى القوى العسكرية المختلفة.
وأكدت إلهام خلال تعقيب لها في ندوة المجلس المصري للشؤون الخارجية، في القاهرة، جاءت تحت عنوان ” سوريا .. سيناريوهات ما بعد الحسم” أنه للحديث عن الحل وكيف يمكن أن نضع حلولاً تتلاءم مع الوضع الجغرافي والمجتمعي في سوريا، لابد أن ندرك الأبعاد التي أدت إلى هذه الأزمة.
وترى إلهام أن الأزمة الراهنة كان السبب الأول فيها للنظام السوري، الذي حرم الشعب السوري من حقوقه وهمش جميع الشرائح الاجتماعية المختلفة في سوريا، إضافة إلى حرمان الشعب الكردي من كامل حقوقه.
وقالت إلهام أحمد خلال الندوة التي شارك بها وحضرها نخبة من السفراء والباحثين والسياسيين المصريين: إن “الأزمة السورية هي أزمة سياسية، اقتصادية، ثقافية، فهناك أزمة في جميع هذه النواحي”.
ولفتت إلى أن الأزمة كانت سورية “داخلية” إلا أن الحرب دولية، والقوى الدولية والإقليمية منخرطة في هذه الحرب، وبالتالي فإن الحرب الدائرة في سوريا هي حرب عالمية ثالثة، وكافة الدول المتداخلة في الشأن السوري هي التي أدت بسوريا للوضع الراهن”.
وتطرقت إلى القوى المتصارعة على الأرض في سوريا، سواء داخلية، ممثلة في قوات النظام والفصائل والأطراف السورية المختلفة، وأغلبها مدعومة من قوى إقليمية ودولية، إضافة إلى التواجد على الأرض من جانب قوى خارجية إقليمية خاصة تركيا التي تدخلت في الشأن السوري ولم تتوان عن احتلال أرض سورية، وهي مهتمة بالوضع في إدلب وتركز في سيادتها على جغرافيتها، وأشارت إلى احتلالها لعفرين أيضاً، والتي جعلتها كمرتع للفصائل التي تدعما تركيا بنفسها، وكل هذا أمام مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً في ذلك.
وتطرقت إلهام أحمد خلال الندوة إلى نظام الإدارة الذاتية في روج آفا، لافتة إلى أنها إدارة تشاركية قائمة، وهناك الكثير من الإشادات بها وبدورها، مشيرة إلى أنه لو عقدت مقارنة بسيطة بينها وبين نظام الإدارة في مناطق سيطرة النظام، وسيطرة (درع الفرات)، فإن المعادلة تؤول لصالح نظام الإدارة الذاتية في روج آفا، والذي تقوم فيه الإدارة في إطار تشاركي.
وردت على ما يقال من أن قوات سوريا الديمقراطية تهدد أمن ووحدة الأراضي السورية مؤكدة أن “هذه التقربات عارية عن الصحة، فإن تواجد قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات جَنّبها الوقوع في براثن الإرهابيين، ولولا قوات سوريا الديمقراطية في هذه المناطق لكانت مرتعا لفصائل إرهابية، بالكامل، تتلاعب فيها الدول الإقليمية وتركيا بشكل خاص”.
واعتبرت أن ما يدور بشأن الاتفاق الروسي التركي الجديد هو بمثابة لعب بالنار، لاسيما أن هذه المناطق ومع تشكيل الإدارة الذاتية استطاعت أن تحقق نموذجاً على الأرض ربما يكون مؤشراً لحل الأزمة في سوريا،
وعبرت عن رفضها للاتهامات للكرد بالعمالة للأمريكان، مؤكدة أنه اتهام غير صحيح، وغير وارد، وغير مقبول، لافتة إلى أن الولايات المتحدة قدمت المساعدة لهم في الحرب، عبر التحالف الدولي، ضد داعش، لكنها (الولايات المتحدة) لم تكن حليفاً لهم بالشكل الذي يمكن أن يلمس سياسياً أو حتى على أي جانب.
وأكدت أنهم في مجلس سوريا الديمقراطية مع أن يكون الحل سوريا – سورياً وأنهم مع وحدة الأراضي السورية ويبحثون عن الحل في إطار وحدة الجغرافيا السورية. بعيداً عن المفهوم الضيق للدولة القومية. ومن ناحية أخرى أشادت إلهام أحمد بالدور الايجابي للدولة المصرية بتقربها المنصف والمتوازن من أجل حل الأزمة في سوريا وأنه بمقدور مصر أن تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال. وكانت مصر هي الدولة الوحيدة التي وقفت ضد الاحتلال التركي لعفرين.
وبدوره أكد السفير د. منير زهران، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، أهمية أن يبحث المجلس المصري هذا الموضوع الخاص بسوريا وسيناريوهات المستقبل بالنسبة للدولة التي تعد من أهم الدول بالنسبة لمصر والإقليم، لافتاً إلى أن مصر لها موقفاً موضوعيا من الوضع في سوريا، لاسيما بعد سقوط حكم الإخوان في 30 يونيو 2013، حيث تغير الموقف الذي تبناه نظام الإخوان وعاد لمصر موقفها الموضوعي المؤكد على أهمية الحوار وإعادة الاستقرار واستتباب الأمن في سوريا.
وبحثت الندوة في جلساتها: “الوضع الداخلي ما بعد انتهاء الحرب وقدمها السفير حازم خيرت مساعد وزير الخارجية وسفير مصر السابق لدى سوريا، سوريا في محيطها العربي وقدمها السفير محمد بدر الدين زايد، سوريا في محيطها الإقليمي( تركيا/ إيران/ إسرائيل) وقدمها الدكتور رجائي فايد رئيس المركز المصري للدراسات الكردية، موقف الأطراف الدولية: (روسيا الولايات المتحدة / الاتحاد الأوروبي)، وقدمها د. جمال عبدالجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، مستشار مركز الأهرام للدراسات.
وشهدت الندوة اتفاقاً على أن أمد الأزمة السورية قد يطول كثيراً بفعل المتغيرات الجارية إقليمياً ودولياً.
وأكد المشاركون على أن سوريا أصبحت الساحة الرئيسية للتفاعل الدولي الراهن، وهو ما يعبر عن بطء التسوية لهذا الصراع الذي لا يمكن حسمه إلا دولياً كون اللاعبين الدوليين والإقليميين هم أصحاب الأدوار الأهم والأكثر تصاعداً.
وأشار المشاركون أيضا إلى من سيحسم المعركة في سوريا هو الذي سيكون له الدور الكبير في التوازنات الدولية، وهو الأمر الذي لن يكون قريباً، بدليل ما حدث في إدلب.
وبدوره رأى الدكتور رجائي فايد، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ورئيس المركز المصري للدراسات الكردية، إن الحالة في سوريا تتجه نحو الحسم لصالح النظام السوري وإن كان شكلياً.
وتطرق في كلمته إلى الدول الإقليمية التي لها تداخلات بهذه الحالة والتي لها أدوار بالغة الأهمية، وهي إسرائيل، تركيا، إيران.
وأوضح أن إسرائيل تعاملت مع المشهد من البداية على أن كل أطراف المشهد هم خصوم، وبالتالي لم تتدخل ووقفت تراقب المشهد وكل أمانيها أن يطول أمد الصراع لأنه كلما طال الأمد، صب ذلك في مصلحتها، ثم كان التدخل عبر توجيه ضربات محددة تستهدف فيها إيران والتواجد الإيراني في سوريا على وجه الخصوص.
وفيما يتعلق بتركيا والتواجد التركي في سوريا تطرق فايد إلى جانب اعتبره غاية في الأهمية وهو المتعلق بالتواجد الكردي في شمال سوريا (روج آفا)، لافتا إلى أن عملية (درع الفرات) قامت بها تركيا بالأساس لمنع وصول الكرد إلى البحر المتوسط، لأنهم إذا وصلوا إلى شاطيء المتوسط ستنتهي عقبة خطيرة في طريق المسألة الكردية وهو أنها عبارة عن صندوق مغلق محط ببحر من الأعداء لا منفذ له على البحر، فإن تمكنوا من الوصول للمتوسط تكون إحدى العقبات الهامة تكون انتهت من طريقهم، وذلك حسب رأيه. إضافة إلى العملية التركية في عفرين، والتي يرى أن تركيا تريد به دفع الكرد لشرق الفرات، بحيث يصبح الفاصل المائي، نهر الفرات، بينهم وبين الغرب المؤدي للبحر المتوسط.
أما فيما يتعلق بإيران فأشار إلى إن التواجد الإيراني في سوريا هو عبر تواجد من 25 إلى 40 ألف جندي إيراني في سوريا، لافتاً إلى أن إيران بعد ما حققته من مكاسب في سوريا لا يمكن أن تتراجع بسهولة أو أن تترك سوريا، لذا فإنها تعمل بصورة واضحة على إحداث عملية تغيير ديمغرافي في المدن السورية بما فيها دمشق ومناطق فيها، لتكون بمثابة بؤر لمليشيا عسكرية قائمة وجاهزة لأي فعل.
أما دكتور جمال عبدالجواد أستاذ العلوم السياسية ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية فأكد خلال مشاركته في أعمال الندوة أنه يتحدث عن البعد الخارجي للأزمة السورية في وقت لم يعد هناك في الأزمة السورية سوى أبعاد خارجية للأزمة، حيث لم تعد هناك أطراف داخلية تتصارع مع بعضها، لها مواقفها المتعارضة والتي تحاول الوصول إلى تسوية فيما بينهم.
وأضاف “الأطراف الداخلية في الأزمة السورية تم إضعافها بشكل كامل الآن، فما من طرف له مشروع واضح وقادر على إعمال هذا المشروع على الأرض، سوى طرف واحد داخلي، وهو الكرد في شمال سوريا، فهم الطرف السوري الوحيد الموجود بقوة على الأرض وله تصوراته كونه رقم في معادلة تسوية الأزمة السورية أو إدارتها بطريقة أو بأخرى، وهذا بالطبع إضافة إلى النظام القائم، والأطراف المعارضة التي تقلبت على مدار السنوات السبع الماضية تم تهميش موقفها وأصبحت مجرد توابع لأطراف خارجية، توظفها لتحقيق مصالحها”.
أما بالنسبة للأطراف الخارجية في إطار الوضع السوري، فيشير إلى أنه يمكن التمييز بين نوعين من الأطراف، أحدها لها مصالح مباشرة، وهي روسيا، إيران وتركيا، والأخرى أطراف لها مصالح غير مباشرة إضافة إلى الأطراف العربية المهمشة التي تتداخل بالقدر الذي يسمح به اللاعبين الرئيسيين، تأتي الولايات المتحدة، أوروبا تحديداً.
ويرى د. عبد الجواد أن الجانب الأوروبي مصلحتها في سوريا هي تجنب الأسد، تقليل الخسائر وهذا بعد تطورات 7 سنوات تم اختزالها في التأثير بعد أزمة انسانية خلفت كم من اللاجئين يودون الوصول إلى الجانب الأوروبي، وتخيل للجميع أنها قضية كفيلة بأن تقوض بناء الاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة الولايات المتحدة فيقول إنها أيضا أحد الأطراف التي لها مصالح غير مباشرة فيها وان كانت أكثر من الاتحاد الأوروبي، وهذه المصالح تتعلق أولاً بمصلحة إسرائيل، وثانياً، وهو الأهم كون اسرائيل قادرة على حماية مصالحها، فهي متعلقة بإيران، وفي الفترة الأخيرة حدث تحول واضح في الإدارة الأمريكية، لمواجهة إيران وأي توابع لها قد تكون أتت بها إلى سوريا وهو ما يعد تعريف جديد للتواجد الأمريكي في سوريا، فإذا كان في الغالب أن إيران لن تترك سوريا قريبا فإن الولايات المتحدة هي الأخرى لن تتركها قريباً، ومن ثم فإن المصلحة الأمريكية هي غير مباشرة كمنع إيران من تحقيق مكاسب.
ويذهب د.عبد الجواد إلى أن المشهد يؤكد أنه لا تسوية قريبة في سوريا، وأنه لا يوجد حل قريب للأزمة، فبقدر صعوبة الوصول إلى تسوية بين روسيا والولايات المتحدة، إيران وتركيا، هو نفسه بقدر صعوبة التوصل لحل في الأزمة السورية.
وأضاف “كما أن التسوية القريبة غير مرجحة فإن التصعيد القريب أيضا غير مرجح، وهذه الأطراف الأربعة ليس لديها استعداد للدخول في صراع مباشر أو تصعيد أكثر من الجاري”.